كنت حينها قد أنهيت امتحانات السنة ثاني ثانوي للعام الدراسي77/1978م وفي العطلة الصيفية أعمل مع شقيقي ناصر عبدالله امزربة في مكتبه الكائن بدار الرئاسة، عصر 25/يونيو/1978م، ذهبت برفقة والدي رحمه الله لزيارة شقيقته في البريقة عدنا في السادسة الى الفتح منزل شقيقي الشهيد/ محمد عبدالله امزربة، وصلت والدي إلى المنزل وطلعت الى دار الرئاسة التي لا تبعد كثير عن المنزل قاصداً مكتب شقيقي ناصر الذي اعمل معه أثناء العطلة وهو مكتب مقاولات يتبع رئاسة الجمهورية وينفذ مشاريع سكنية منها مساكن حاشد في المنصورة ومؤسسة اللحوم في دار سعد وبعض المشاريع التابعة لوزارة الزراعة..
عند وصولي المكتب وجدت أشقائي محمد وناصر امزربة وسألوني عن الوالد وعن عمتي، شقيقة الوالد، قال محمد امزربة: الوالد في بيتي أو في بيت ناصر؟ قلت له في بيتك في هذا الأثناء دخل علينا في مكتب الشهيد صالح المنصوري البيحاني قائد كتيبة حرس الرئاسة بعد أن سلم علينا قال موجهاً كلامه للشهيدين محمد وناصر أمزربة الرئيس سالمين ذهب الى اجتماع المكتب السياسي،.
وأردف قائلا: الظاهر أن الجماعة - ويقصد أعضاء المكتب السياسي - يريدون يحملون (الشيبة) - ويقصد الرئيس سالمين - جريمة اغتيال الغشمي وهم يعرفون من دبر وخطط ونفذ جريمة الاغتيال.. ودار حديث طويل حول الأزمة القائمة بين الرئيس سالمين وبعض أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية (يمنعني من سرد ما دار من حقائق أمامي بين قائد الحرس الرئاسي وأشقائي محمد وناصر أمزربة إيماني بمبدأ التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي الذي جب ما قبله واختاره الشعب الجنوبي قاعدة لانطلاق ثورته الشعبية السلمية الجنوبية (الحراك الجنوبي) الرافض للأوضاع المأساوية التي يعيشها شعبنا الجنوبي بعد دخوله الوحدة التي تمت بدون دراسة ولا تفكير) إلا أن ما دار بين الشهداء الثلاثة يدحض افتراءات وتصريحات بعض أعضاء المكتب السياسي لاحقاً والتي ترمي بالأخطاء والجرائم المرتكبة على ظهر الرئيس الشهيد (سالمين) وهو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف.
دار حديث بين الشهيد صالح شيخ والشهيدين محمد وناصر أمزربة ما يقارب ساعة إلا ربع بعدها دخل علينا المكتب الشهيد هود صالح قائد سرية في الحرس الرئاسي ومعه الحرس المرافق للرئيس الشهيد سالمين عبدالله الصبيحي رحمهم الله جميعا، قال هود صالح عاد الرئيس من مقر المكتب الرئاسي وهو غاضب، استدعوه للاجتماع الساعة السابعة وذهب ولم يجد أحد منهم، قال صالح شيخ قوموا بنا بانروح عند الشيبة (سالمين) خرجوا جميعا، قال لي شقيقي ناصر أبقى أنت في المكتب حتى أعود، أنا حقيقتاً بقيت بعد خروجهم خائف وقلقان؛ لأن الكلام الذي دار بينهم كان خطيراً جدا ويخوّف. لم أمكث طويلاً في المكتب حتى وصل شقيقي الثالث الشهيد/ علوي عبدالله امزربة سألني أولا عن الوالد وقلت له في بيت محمد بعدها سألني عن محمد وناصر حكيت له ما دار وقلت له ذهبوا للرئيس سالمين قال أنزل البيت وخد عائلتي وعائلة ناصر إلى بيت محمد وأبقى معهم عند الوالد رفضت بشدة وهو كان مصر على نزولي إلا أني أقنعته أنني في المكتب بناء على رغبة ناصر الذي أمرني بالبقاء حتى يعود لأنه يريد تكليفي بعمل مرتبط بمشروع حاشد في المنصورة أثناء حديثنا دخل علينا في المكتب محمد حسين علي المارمي أحد أعضاء الحوار المنسحبين وعبدالله هادي عمر يعمل الآن وكيلا في الثروة السمكية والمرحوم عبدالله صالح عيدروس والشهيد الخضر ناصر منصور جابر استشهد الأخير في أحداث يناير المأساوية الأربعة يعملوا جميعا في وزارة الأسماك، قال محمد حسين المارمي موجه كلامه إلى علوي امزربة: الليلة الحركة غير طبيعية في التواهي استحدثوا نقاط من قبل المليشيا الشعبية في مداخل وسط مدينة التواهي وأمام وزارة الأسماك، قال علوي امزربة صحيح الوضع مش طبيعي وانا كنت ذاهب لمقر عملي في الشرطة العسكرية وفي طريقي التقيت مبارك البيحاني ضابط في الشرطة العسكرية ونصحني عدم دخول المعسكر قائلاً سمعت أحدهم يقول: إذا جاء علوي امزربة اعتقلوه وغيرت اتجاهي إلى هنا (هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان هناك مؤامرة على الرئيس سالمين وليس العكس كما يدعون)..
وفي هذه الأثناء عاد شقيقي ناصر إلى المكتب وسلم على الحضور وقال وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية دخلوا القصر عند الرئيس سالمين، قال هذا فقط وأخذ سلاحه الشخصي وتبعوه محمد حسين وعبدالله صالح عيدروس وعلوي امزربة وعبدالله هادي والخضر ناصر وأنا إلى أسفل العمارة الذي فيها مكتبه لفت وشافني نازل مع الجماعة صاح علي بصوت مرتفع ارجع انتبه للمكتب رجعت إلى المكتب وأشاهد المجموعة الذين خرجوا من المكتب وهم متجهون إلى حديقة القصر المليئة بالحراسات ولم أشاهد في حديقة القصر مثلها في فترة وجودي في مكتب شقيقي ناصر..
- 26/يونيو/1978 م الواحدة صباحاً: وأنا لازلت واقف في البلكونة وانظر إلى حديقة القصر طلع تجاهي فضل بن نعم مسئول دار الضيافة في دار الرئاسة وهو يسكن في نفس العمارة التي يسكن فيها شقيقي علوي ومطلة على الطريق الرئيسي وميدان الشرطة وكان يسأل عن صالح شيخ وناصر امزربة قلت له راحوا القصر عند الرئيس سالمين وهم بالنزول قلت له انتظر باجي معك نزلت وأنا وفضل بن نعم واتجهنا إلى القصر الذي لا يبعد إلا عدة أمتار من العمارة والذي بها مكتب شقيقي ناصر عند وصولنا إلى حديقة القصر كان جاعم صالح وسالم لعور جالسين على كراسي خشب قريبة من باب القصر والبقية متوزعين وكل مجموعة على وحدة قيام في الحديقة قدمنا الى المكان الذي يجلس فيه جاعم وسلمنا عليهم وقال بن نعم لهم الجماعة أغلقوا الطريق المؤدي من والى الرئاسة بسيارتين كبيرتين زل و53 روسية الصنع وقام لعور من فوق الكرسي واتجه الى مجموعة كان فيها صالح شيخ ومحمد وناصر وعلوي امزربة وهود صالح واثنين آخرين قيام في حديقة القصر قائلاً لصالح شيخ أخبر سالمين بما قال بن نعم هذا طبعاً بعد نزول الوزراء الثلاثة، وفي هذه اللحظة خرج الرئيس سالمين من القصر إلى الحديقة وتوجهوا نحو سالمين بعد أن وقف بالقرب من جاعم صالح نادى صالح شيخ على عبدالله الصبيحي وعلوي امزربة وبرز بهم ثم توجهوا إلى أحدى السيارات الواقفة في الحديقة وخرجوا من الحديقة ولم يتأخروا كثيرا.
ثم عادوا نادى على شقيقي محمد وكان قائم بجوار سالمين قدمت نحوهم وسلمت على سالمين سألني عن الدراسة قلت خلصنا امتحانات والآن في الإجازة، ثم قال لي تعرف بيت الهيثمي السعدي قلت له نعم مش بعيد من بيت محمد أخي قال أنزل وقل للهيثمي يقول لك سالمين تطلع عنده في القصر وتطلع من اتجاه عروسة البحر وليس من اتجاه الشرطة العسكرية ويحضر جواز سفره الآن وبسرعة قلت له حاضر وكنت بدون سلاح قلت لشقيقي أعطوني سلاح وكان قائم بالقرب من سالمين سمعني الرئيس قام من فوق الكرسي قال لا ما في سلاح أنت لازلت طالب أنزل ما عليك شيء، وكان لسالمين هيبة تحركت وتبعني شقيقي محمد ولف ذراعه على ظهري ماشيا معي إلى خارج بوابة الحديقة وهو يقول ارجع مع الهيثمي من عروسة البحر، واصلت السير في الطريق المؤدي الى خارج الرئاسة وعند البوابة الرئيسية قال لي أحد الحراس لا اذكر اسمه لكني أعرف أنه من قبيلة محاثيث إلى أين يا بن امزربة قلت له الى البيت قال انتبه عند خروجك الى ميدان الشرطة العسكرية شف الحركة غير طبيعية قلت له خير وواصلت السير ولم يبعد الباب الذي سأدخل منه الى ميدان الشرطة كثيرا من البوابة الرئيسية لرئاسة والوقت كان قريب من الثانية صباحاً، وفي اللحظة التي وصلت فيها الباب المطل على ميدان الشرطة العسكرية وقع أول إطلاق نار في 26/يونيو/1978م وسقطت الى الخلف باتجاه الرئاسة وكان في رصيف خور بعمق نصف متر سقطت فيه واعتقدت اني تصوبت لأني شعرت بألم في وجهي من الشظايا لكن كانت طفيفة وعلمت فيما بعد أن حراسة باب الرئاسة اخبروا شقيقي محمد امزربة إنني قتلت وسمعت إطلاق النار بكثافة في المكان الذي سقطت فيه من الشرطة العسكرية ومن اتجاه الرئاسة وبقيت محاصر في مكاني وكلما حاولت الخروج أطلقوا علي النار من الرئاسة.
وفي الجانب الآخر أسمع ناس يقولون ابن امزربة الصغير قتل في مدخل الباب الذي في درب واشتد تبادل إطلاق النار وأنا محاصر حتى الساعة الخامسة تقريبا لا أسمع إلا أصوات المدافع في مربط وعلى الرئاسة وازيز الرصاص من الرئاسة والشرطة العسكرية وعند بزوغ الفجر أشرف أحد جنود الشرطة العسكرية من الباب الذي تم إطلاق النار علي وأنا فيه وماهي إلا لحظات وسقط مقتولا إلى جواري وهذا ما جعلني أغامر في الخروج من مكاني متجها إلى منزل علوي امزربة والذي كان لا يفصل بيني وبينه إلا عمارة واحدة والطريق الاسفلت وكان الرصاص مثل المطر في اتجاهي من الرئاسة ومن الشرطة العسكرية ولم يرد الله لي الشهادة في ركب أشقائي محمد وناصر وعلوي والرئيس الشهيد سالمين وصلت منزل شقيقي ناصر وعلوي ودخلت من الخلف واتجهت إلى الثلاجة أريد ماء لكني سمعت أصوات من خلف العمارة ولم أجد أحد من العائلة في المنزل وباب الشقة الرئيسي مفتوح خرجت إلى الشقة المقابلة التي تجمع فيها سكان العمارة واسقتني زوجة شقيقي علوي ومسحت الدم من وجهي، كان من ضمن العائلات عائلة مبارك البيحاني الذي سر على شقيقي علوي أن الشرطة العسكرية تنوي اعتقاله تقدم إلى العمارة تسكن فيها عائلته مع مجموعة من الشرطة العسكرية الساعة حوالي السابعة ودخل الى الشقة التي نحن فيها يتطمن على أولاده وعندها شافني، قال الأخبار في الشرطة العسكرية أنك قتلت قلت تم إطلاق النار علي لكن لم أصب بأذى، قال لازم تخرج بدون ما حد يعرفك وما في قدامنا حل إلا أن نخرج العائلات وتكون بينهم وأنا بادبر لكم سيارة من السيارات التي ننقل بها السلاح من جبل حيد الى الشرطة العسكرية وفعلا خرجنا من خلف العمارة الساعة السابعة صباحاً ومشى بنا باتجاه الجولة حق الشرطة العسكرية وأوقفها وطلعنا فيها وقال للسائق هذه العائلات توصلها الى الشابات في خور مكسر ولم يعترضنا أحد إلى خور مكسر.
وعند نزولنا تفرقنا أخذت أنا عائلة ناصر وعلوي إلى منزل أحد أقاربنا وانا اتجهت مشياً إلى المنصورة منزل شقيقتي وصلت الساعة الحادية عشر ظهراً أما والدي وعائلة شقيقي محمد لا أعلم عنهم ولا هم يعلموا عني شيئاً وعند السادسة من مساء 26/ يونيو كانت يومان من أصعب أيام حياتنا ..هناك تفاصيل أخرى لا يسع الحيز لشرحها ولا تسمح الظروف لنشرها سنتركها للأيام قد يأتي يوم يفرض علينا نشرها إذا ما دعت الحاجة لذلك. كان شهر يونيو شهر الحزن بالنسبة لي ولأفراد أسرتي وقد رحلوا عنا في يونيو الحزن أعز الناس إلى وجداني ومن الأحبة الذين رحلوا عنا في يونيو ..أمي ..أشقائي وهشام باشراحيل والشهيد عبدالله باصهيب وسالمين ورفاقه الذين أعرفهم حق المعرفة
*- بقلم : أحمد عبدالله أمزربة