عدن بين علي ناصر وبو ناصر

2018-02-08 10:49

 

إذا قلبت أوراق التاريخ بمراحله الثلاث، القديم والوسيط والحديث، ستأتي على ذكر عدن بالخير لكنها المقادير التي صيرتها جوهرة في وحل. عدن كلها منعطفات لا شأن لها ولا ذنب لها فيها، ومهمتها الوحيدة هي دفع الضريبة، وعادة ما تكون فادحة، حتى أصبح لسان حال أهلها: يا رب من له قبيلة لا تحرمه من قبيلته، وطبعاً لسان الحال هذا أطلقته من باب التهكم، وهي تشاهد هجمة الفيد.

 

نشرت «الأيام» في عدد السبت 27 يناير 2018م النداء الذي وجهه الرئيس علي ناصر محمد إلى جميع الأطراف الجنوبية دعاهم فيه إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، والنداء عرف معنى أهمية الاستقرار والأمن اللذين غابا عن الجنوب منذ الستينات، عندما شرع الطرفان الوطنيان في الساحة بالتراشق في عمليات الاغتيال بخاتمة خبرية معتادة "وأرداه قتيلاً"، وكم سمعنا هذه العبارة في تلك الفترة باعتبارنا من شهود العصر.

 

بعد يوم واحد من ذلك النداء، شهدت عدن مواجهات شرسة خلال يومي الأحد والإثنين 28 و29 يناير 2018 وخفت وتيرة الاحتراب بعد ذلك، وكأن الحصاد مراً للغاية، سقوط حوالي (50 شهيداً وعشرات الجرحى) وتعرضت مرافق عامة وخاصة لأعمال نهب لما خف وزنة وغلا ثمنه، واتسمت تلك الأعمال بشراستها، لاسيما وأن الذين قاموا بها من أوطأ خلق الله، ودفعت بهم جهات مجهولة في سياق الفوضى الخلاقة (وهي صناعة أمريكية بحتة).

 

تدخلت السعودية والإمارات بعد ذلك، بل قل صدرت التوجيهات بالتوقف عن الأعمال المسلحة وإطلاق سراح الأسرى، لكن الشهداء والجرحى تم إضافتهم إلى آلاف الشهداء والجرحى منذ الكفاح المسلح مرورا بالاقتتال الأهلي الأول والثاني ثم مواجهة الجيش في 6 نوفمبر 1967 لخصوم الجبهة القومية ومرورا أيضا بشهداء وجرحى 26 يونيو 1978 و13 يناير 1986، وبعد ذلك حرب صيف 1994م وحرب عام 2015م وحتى اليوم، وافرزت كل حرب قائمة طويلة بالمنهوبات والاستفزازات وضحايا الرصاص الراجع.

 

بعد ان فرغنا عن هذا العرض السريع في سياق مخطط حدود الدم لقوى استخبارية دولية، ويجري تنفيذ هذا المخطط بواسطة شركاء اقليميين ومحليين وعمادها (الفوضى الخلاقة): ضرب الامن والاستقرار وتعطيل المرافق العامة والخاصة / قطع الرواتب عن المدنيين والعسكريين لفترات تمتد إلى ستة اشهر وقطع امدادات الكهرباء والماء وغاز الطبخ والوقود (بترول وديزل) وطفح مجاري مفتعل اغرق معظم مديريات عدن، وما ينتج عنه من امراض تصيب الاطفال بصورة خاصة.

 

اعود بالقارئ إلى الفترة الممتدة بين عامي 1968 و1973م عندما تعرضت مناطق شبوة لحملات عسكرية شرسة من قبل اجهزة النظام العسكرية، وهنا يقول الشاعر الشهيد محمد بن صالح باسردة، المولود في بداية العقد الثاني من القرن العشرين بقرية البلاد من وادي لماطر وهو واد يتبع حاليا مديرية الروضة في محافظة شبوة، وتقع تلك القرية على ضفاف وادي حبان المعروف، ما بين غيل حبان ومدينة عزان المعروفة، ويعتبر ال باسردة فخيذة من فخائذ ال ذييب المعروفين من قبيلة حمير، واستشهد شاعرنا محمد بن صالح باسردة عام 1973م، وسطر شاعرنا الشهيد باسردة واقع الحال في الجنوب، ومنها:

 

يقول بو ناصر علينا ضغط من بندر عدن

فرضوا علينا ما يخشون من لوم الزمان

والثانية ما يعرفون الحق والقول الحسن

لكنه التاريخ يكشف والمغطى بايبان

يا هاجسي قل صدق لان الصدق ماشي له ثمن

واشرح لنا ما دار بين القلب وعروق اللسان

واشرح لهذا الشعب ما يجري في جنوب اليمن

واشرح لهم ما دار خل الحر يعلم والجبان

والثالثة يا زين وظروسك كما شخوب اللبن

اعطف على الرجال ذي شلك على ظهر الحصان

اعطف على محمد وعاده ما تعكلف في الكفن

ون خنت فيّ بيعاتبوك الناس بيقولون خان

يا ذي صفعت الباب قد شفناك من بين اللون

ماشي معك في الخاذ وحنا نقول قد خاذك ملان

 

هذا غيض من فيض وعصم الله قلبك بالصبر يا عدن!!.

*- الأيام