ما نسميه اليوم مجازاً بالوطن - وبالذات من بعد 22 مايو 1990م ـ وما سميّت بالوحدة.. الخطأ والخطيئة والتي لم يستحق شرفها من وقّع عليها من العليين "علي البيض، وعلي عفاش"، فلم يكن الأول سوى عاشق أعمى بلا بصيرة، والثاني (عفاش) قاتل ولص مواقف وفاسد.
وهذه تذكرنا بمقولة أو بعدة أبيات للشاعر البردوني، رحمة الله عليه، إبان التوقيع والاحتفاء بالوحلة "الوحدة" مجازًا، حيث قال في إحدى قصائده "ربيعية الشتاء" .. “مايو - يونيو 1990م"
كيف التقى نصفي بنصفي ضحى؟
في نضج مكر العصر يا مأملى
وقال مضن يالعقيم التي
شاءت موانئ "هنت" أن تحبلي
يابنت أم الضمد قولي لنا:
أيُ علي سوف يخصي علي؟
ولم تمر سوى أربع سنوات عجاف بين من لم يستحقا بأن يكونا من رجال التاريخ "العليان"، حتى أصبح أحدهما منفياً مطاردا، والآخر مغروراً ومصابا بهوس وجنون العظمة حتى نهايته المحتومة.
ومن تلك اللحظة الملعونة صار الوطن يدار بنفايات السياسة والتي هي ضارة من الأصل والأساس ولا يمكن التعامل معها وفقاً للنفايات الأخرى المفيدة، والتي بالإمكان إعادة تدويرها، مثل الفضلات وغيرها، والتي تعيد تدويرها مجتمعات راقية، كاستخراج الطاقة الكهربائية، أو إعادة التصنيع، أو غاز الطبخ مثلاً.
من تلك اللحظة وعلى مدى ربع قرن وأكثر والنفايات السياسية يعاد تدويرها من منصب حكومي إلى آخر، وهي السياسة العفاشية التي جعلت البلد يعيش في دائرة مغلقة.
تلك النفايات، حتى بعد حراك سلمي وثورة شباب، لازالت تتحكم بالمشهد وزادته فساداً وتخريباً حتى أصبح المواطن مقهوراً ومحشوراً في كيفية الحصول على البترول، أو الغاز المنزلي، أو الديزل أو متابعة الراتب "الحق الدستوري والقانوني والذي أصبح من المكرمات التي تأتي كل نصف سنة".
إن هذه النفايات السياسية أشد خطراً من الإشعاعات النووية والمواد الكيميائية السامة، بل حتى مجرد رؤيتها في الشاشات أو الصحف، أو سماع وعودها وقراراتها التي لا تنفذ، مجرد رؤيتها أو سماعها تصيب المواطن بحالة اكتئاب ميئوس من شفائها.
إن النفايات السياسية التي تتصدر المشهد منذ ربع قرن هي أصلاً وفصلاً أساس المشاكل والحروب، وقد انتهى زعيم تدوير النفايات، فهل ستطوى نفاياته وإلى الأبد كحق لابد منه كما يقول القرار الأممي 2140، الذي قضت إحدى فقراته بطي صفحة صالح السياسية بكل مساوئها وخطاياها.
التغيير سنة كونية ولن تتطور المجتمعات إلا باتباع سياسة التغيير.
البقاء في ذات النقطة والدوران في دائرة تلك النفايات السياسية هو الموت بعينه وإن لم يكن كذلك فهو البؤس والتعاسة والشقاء وضياع الجميع ماعدا من نسميهم النفايات السياسية، هل يعود الوطن لأهله ويعود سعيداً كما كان في الزمان الأول؟ أم أن رحلة التيه مستمرة؟
خاتمة .. “تيه”
نفس معذبة وفكر شريد
والحلم رحب كالدنا
وكأنني أبحر وحيد
أو عاشق يهوى الفناء
منبوذ في وطني شريد
فالويل لي مني أنا!!
أأنا مصيب أم عنيد
طوقت نسي بالعناء
قد قال قائل لي بليد
أو ساذج من بيننا
لم يألف الوضع الجديد
وينتظم في تركبنا
تبًا لهم صاروا عبيد
يسوقهم حب الأنا
ماعدت يا وطني سعيد
ولست أدري من أنا ؟
***
خاتمة الخاتمة
كل المقدسات اندثرت!
نحن تبدلنا وما تغير الزمن!!
نحن انسلخنا من ذواتنا
وكل ما كان من المحرمات
بأبخس الأثمان يباع في العلن
ضمير من أسميناهم الثوار في إجازة
ولن يفيق من سباته
من قد نبت على شغاف قلبه العفن!!
عفن عفن عفن نهاية الرحلة
يضيع مننا الوطن!!
*-عن الأيام