لماذا فشلنا في عدن ..ونجحت سنغافورة؟؟ (الحلقة الأولى)

2017-10-30 09:46

 

يحن الكثيرون من أبناء عدن خاصة ،وأبناء الجنوب عامة، إلى عدن أيام زمان عندما كانت تحت الحكم البريطاني، خاصة الذين عاشوا عصرها الذهبي وهي في قمة ازدهارها الاقتصادي في نهاية الخمسينيات وحتى نهاية الستينات من القرن الماضي , ومن عاش تلك الفترة المزدهرة ،يحاول نقل المعلومات التي يتذكرها ،إلى جيل الأبناء والأحفاد على شكل معلومات عامة يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي مثل :

- هل تعلم أن أول غرفة تجارية تأسست في عدن عام 1886م .. وان عدن كانت تنافس لبنان اقتصاديا وفنيا ؟

- هل تعلم أن نادي ( التلال ) تأسس عام 1905م ؟

- هل تعلم أن ساعة بيج بن تم تشيدها في عدن عام 1890م ؟

- هل تعلم أن أطول شارع في الشرق الأوسط هو شارع المعلا ويبلغ طوله آنذاك أكثر من 5 كيلو مترا ؟

- هل تعلم أن أول تلفزيون في الجزيرة العربية تم افتتاحه هو تلفزيون عدن عام 1964م ؟

- هل تعلم أن ميناء عدن كان ثالث ميناء في العالم بعد نيويورك وليفربول؟

نعم كل تلك المعلومات صحيحة وغيرها أكثر سيل من المعلومات وضخ إعلامي متواصل يتبادله الشباب في الجنوب بحماس شديد ..يواسون بها أنفسهم..أو كنوع من التفاخر والتباهي لمجد غابر وحضارات سادت ثم بادت!!

وفي الوقت نفسه جلد للذات التائهة بين ماض جميل وحاضر تعيس، أو ما يمثل حالة نفسية وذهنية ،تحاول إخفاء الإحباط الحالي لجيل الشباب ،الذي يعاصر اليوم الكوارث والحروب الطاحنة بين الجنوبيين أنفسهم .. وبين الجنوب والشمال الذي  دمرت صراعاتهم وشوهت رموزا حضارية تركها المستعمر البريطاني وذكريات جميلة وئدت مع آبائهم !

وفي الوقت نفسه، فشل ذلك الجيل ،في التفاهم فيما بينهم .. وفشلنا جميعا قبلهم في بناء وطن يحمل آمالنا وحاضرنا وأحلام ومستقبل أجيالنا !!

 

خرجت بريطانيا من عدن عام 1967م، بعد احتلال دام 139 عاما ،وعندما غادرت، كانت لها بصمات حضارية تحسب لها، مثل: كان يوجد لدينا أفضل جهاز إداري في الشرق الأوسط وجيش وأمن من أفضل جيوش الجزيرة العربية , وصحافة حرة , وبرلمان وانتخابات حرة في عدن، التي كانت متقدمة حضاريا عن المحميات الشرقية والغربية والجزيرة والخليج في تلك الأيام الغابرة !!

 

ولكن الاستعمار كعادته يترك آثاره السلبية خلفه و يدق مسمار جحا أينما حل وارتحل ،ورغم ذلك كله نترحم على أيامه !!

ومن ذلك أن الاستعمار البريطاني هو الذي غرس نظام ( الجبهة القومية ) أو الحزب الاشتراكي لاحقا – حتى لا تستقر المنطقة وقامت بريطانيا بإقصاء جبهة التحرير نكاية بمصر كما قامت بإقصاء رابطة الجنوب العربي نكاية بالسعودية .. وقد تعمدت بريطانيا ذلك حتى تبقى المنطقة مضطربة وغير مستقرة !!

أي بمعنى آخر أن بريطانيا هي من أسس ذلك النظام القمعي في عدن وقال احد البريطانيين : سنعيد عدن بعد خروجنا منها إلى قرية ساحلية صغيرة كما كانت !!

 

ولكن ليس معنى ذلك أن نبرئ أنفسنا من كل ما حدث ويحدث اليوم في بلادنا لأن تلك هي حيلة العاجز الفاشل .

قتل وخرج بسبب صراعاتنا عشرات الآلاف من أبناء الجنوب لا زال الأحياء منهم يعيشون  في المهاجر، في حين أن الغالبية العظمى لازالت تسحق داخل الوطن، تعاني المرارة والألم والقتل ،دون أن يكترث لها احد!!

 

ومن مشاهد التخلف  المخزية : تكدس جبال من القمامة في الشوارع والأودية والمجاري تطفح في عدن كالأنهار وتنشر الأوبئة والأمراض .

كما يتم الاستيلاء على الأراضي ونهب الممتلكات العامة والخاصة بقوة السلاح .. والأزمات الاقتصادية تضرب الوطن في كل شيء، وانهيار العملة الوطنية التي تتلاعب بها محلات الصرافة وهبوط سعرها حتى وصل سعر الريال السعودي الواحد إلى 110 ريالات يمنية في حين كان سعر الريال السعودي الواحد يعادل شلن واحد في السبعينيات !!

 

اليوم تمتد طوابير السيارات مئات الأمتار من اجل البترول ويقف أصحابها بالساعات تحت وهج الشمس ويدفعون أثمانا باهظة ومضاعفة .

وينتشر الفساد المالي والإداري في دوائر" الحكومة "ويتم ذبح الفضيلة , وبيع وشراء الضمائر والذمم فوق سقف النظام والقانون !!

والرواتب مقطوعة لأكثر من عام , والحالة الأمنية متردية , والميليشيات تجوب الشوارع والأسواق بأسلحتها , تبتز المواطن المغلوب على أمره .

وحكومة "الشرعية" فشلت في إدارة المناطق المحررة بل وتعمدت الفشل في فرض الأمن والنظام فيها !!

 

ولا يوجد جيش واحد ولا امن موحد وهاجس الجنوبيين وهوسهم هو السلطة فقط – تمزقهم الخلافات وتدمرهم الانقسامات , وتعدد الولاء آت وفشلوا في تنظيم أنفسهم أو تبني مشروعا خاصا بهم , وليست لهم رؤية موحدة , وكل يغني على ليلاه أو بالأحرى على ( مصالحه ) !!

والاغتيالات تتم في وضح النهار مستهدفة الكفاءات والخبرات الجنوبية وكل رأس له ثمن !!

 

والمصيبة الكبرى أن المغدور لا يعرف من غريمه، ولماذا تمت تصفيته ؟

كل ذلك العجز والفشل صنعناه بأيدينا في بلادنا رغم أن لنا تاريخ مشترك وقومية واحدة ،ولغة واحدة، وعرق واحد، ومع ذلك كله فقد دمرنا بلادنا ولازلنا بأيدينا، ولم تشفع لنا هذه القواسم المشتركة التي تجمعنا ،هذا هو حالنا في الجنوب الذي تركته لنا بريطانيا وهو أفضل حالا من سنغافورة التي ستكون حلقتنا التالية عنها .

*- باحث ومؤرخ