بعد أن كشف النظام القطري ذلك الوجه العابس أمام كل العرب، واصفاً الدولة الإيرانية بـ (الشريفة) في تجاوز لكل القيم والأخلاق والمبادئ التي يشتمل عليها الانتماء للعروبة كوحدة مصير في مواجهة قوى متربصة بالعالم العربي، فلم ينفك الفُرس عن عدائهم يوماً، ولم يتخلَ الأتراك ذات مرة عن عودة إمبراطوريتهم العثمانية على الأرض العربية، كما لم تتخلَ إسرائيل عن فكرة تمددها بين الفُرات والنيل لإقامة دولتها الكبرى، كل هذا التحدي أمام العرب سقط في انحياز نظام قطر الحاكم إلى إيران.
كشفت هذه الأزمة مع نظام قطر حقيقة مهمة أن الدوحة ما زالت تعاني من خلل في معرفة عُمق هذه الأزمة مع الدول العربية المقاطعة لها، فما زالت تعتقد أن الأزمة هي أزمة إعلامية يُمكن لقناة الجزيرة وغيرها من أذرع النظام القطري أن تُحدث تحولاً نحو ترميم العلاقة معها، الأزمة هي أزمة سياسية بامتياز بكل حيثياتها وحتى بمنطوق مساراتها في الامتداد البعيد زمنياً، هذا التغييب عن واقع الأزمة صنع إفرازات لم تعد بالخافية على أحد، فيكفي أن نتحدث عن تمويل قطر لما سُمي (حراك 15 سبتمبر)، وقد كشفت الأدلة تورط عبد الله العذبة في ذلك عبر عدة حسابات إلكترونية عملت على التحريض ضد السعودية، وإن كان قد خاب مقصد النظام القطري في محاولته البائسة بإثبات الشعب السعودي اصطفافه الواسع خلف قيادته وحكامه، وأسقط السعوديون بأنفسهم تلك المؤامرة القطرية، هذا الفعل القطري يؤكد عدم قدرة حكام قطر على استيعاب الأزمة تماماً.
في ظهور لافت خرجت المعارضة القطرية في لندن لتؤكد أن الأزمة ليست إعلامية وليس موقعها وسائل التواصل الاجتماعي، بل أزمة سياسية عبر انعقاد المؤتمر الأول للمعارضة القطرية بحضور دبلوماسيين غربيين سابقين وأكاديميين ومواطنين قطريين تحدثوا حديثاً سياسياً واقعياً عما يقترفه النظام القطري بـ (سلخ) قطر من عمقها العربي، وإحلال القوميات الأعجمية بدلاً عن الانتماء العروبي الطبيعي لدولة قطر.
تحدث مؤتمر المعارضة القطري الأول عن علاقة قطر بالإسلام السياسي واستخدام الحركات الأيدلوجية لتهديد أمن واستقرار المنطقة العربية، الشواهد لا يُمكن حصرها بداية من تونس وعبوراً بليبيا ومصر واليمن وسوريا والعراق والبحرين ولبنان، فالأضرار التي لحقت بأكثر من نصف العالم العربي كان خلفها جماعة الإخوان المسلمين التي وجدت في قطر أرضية للعمل على كافة المستويات السياسية والإعلامية، ويكفي تسخير الدوحة لقناة الجزيرة وعشرات القنوات ومنصات الإعلام المختلفة لتنفيذ أجندة التخريب التي فتكت بالعالم العربي.
ضمن ما طرحه مؤتمر المعارضة القطري هو علاقة إيران بنظام قطر، فإيران الداعم الرئيسي للإرهاب عبر تشكيلات المليشيات المنتشرة في عدة بلدان عربية (الحوثيون في اليمن)، (الحشد الشعبي ومليشيات بدر في العراق)، (حزب الله في لبنان)، (الزينبيون ولواء أبو الفضل العباس في سوريا)، يضاف إلى ذلك تهديدات إيران المتصلة لزعزعة استقرار السعودية منذ وصول آية الله الخميني إلى الحكم وإعلانه ولاية الفقيه وتصديره للثورة الإيرانية كهدف استراتيجي عقائدي لظهور المهدي المنتظر بحسب اعتقاد الاثنا عشرية.
الإرهاب الإيراني وارتباطه بالنظام القطري كان وسيلة من وسائل الضغط على العالم العربي، فلقد استثمر نظام قطر الحاكم في هذه الجزئية بشكل وصل إلى مشاركته في هجمات 11 سبتمبر بحسب ما تم كشفه مؤخراً من أدلة توصلت إليها تحقيقات أمريكية حول تورط نظام حمد بن خليفة في تلك الهجمات وغيرها، ولعل آخرها الهجمات الإرهابية التي ضربت عاصمة إقليم كتالونيا مدينة برشلونة في شهر أغسطس 2017م.
الجزء الأخير الذي حملته أجندة مؤتمر المعارضة القطرية كان حقوق الإنسان وهو الأكثر تغييباً عن الإعلام، ولعل سحب جنسية شيخ شمل آل مرة طالب بن لاهوم بن شريم المري مجرد ملف من ملفات كثيرة منها سحب الآلاف من جنسيات القطريين الأصليين في مقابل حصول الأجانب المنتمين لتنظيم الإخوان المتأسلمين للجنسيات القطرية كالقرضاوي والشنقيطي وغيرهما، كما عرفت قطر بتوزيعها للجنسية للرياضيين الذين عجزوا عن إيصالها لبطولة كأس العالم مرات متوالية، ليحصد نظام قطر حسرات على نواياه تجاه شعبه أولاً الذي لا يجب أن يوضع في خانة الاتهام بتمويل الإرهاب، فالشعب القطري شعب كريم لن يتخلى يوماً عن انتمائه الخليجي وسيعود كما عرفه الجميع إلى حاضنته الخليجية عبر أبنائه الشرفاء الذين بالتأكيد سيعملون منذ إطلاق مؤتمر لندن في بلورة قطر جديدة من غير نظام الحمدين