أزمات القبيلة .. من أبنائها أم من شيوخها ؟

2017-07-29 13:16

 

في المجتمع القبلي القديم كانت القبيلة تتكون من مجموعة من الخلايا وهي الأسر , وكل خلايا القبيلة تعمل باتجاه واحد هو مصلحة القبيلة المشتركة , والفرد في القبيلة لا يخضع للأسرة وإنما لهذه المنظمة التي تسمو عليها وهي القبيلة , والرجل الذي يخرج على نظم القبيلة لا تناصره أسرته وإنما تتخلى عنه ليلقى عقابه وقد تنبذه القبيلة من بين ظهرانيها ويغدو طريداً لا يجد من يؤويه ويحميه وفي العصر القبلي القديم كانت القبيلة وحدة سياسية مستقلة قائمة بذاتها كما كانت تمثل وحدة اجتماعية لها نظمها وأعرافها وتقاليدها فكل قبيلة كانت أشبه بدولة مصغرة ولكن القبيلة كانت تضطر أحياناً إلى إقامة تحالفات سياسية وتستظل بفيء قبيلة قوية أو تخضع لسلطان إحدى الإمارات القائمة والقبيلة تكل عادة أمر الإشراف على شؤونها وسياسة أمورها إلى مجلس قبلي يترأسه شيخ القبيلة ومجلس العشيرة الذي يضم شيوخ البطون وهو يوكلون أمور القبيلة اليومية إلى شيخ القبيلة ويجتمع الشيخ بالمجلس في الأمور الخطيرة مثل : إعلان حرب , أو فض نزاع داخلي وفي سائر الأمور التي تقتضي تبادل الرأي مع ذوي السيادة في القبيلة ووجود مثل هذه المجالس في المجتمع مكونة من سائر الأطياف وطبقاته الاجتماعية تدل على الشفافية والطابع الديمقراطي وكانت سائدةً في مجتمعنا حتى نهاية الستينات وكنا نجد في هذه الدولة المصغرة أي القبيلة الروح الديمقراطية سائدة بين أفرادها وكلهم متساوون في الحقوق والواجبات وكل رجل منهم يخاطب شيخ القبيلة خطاب الند للند ويحاسبه على أعماله وفي نظام العشائر كان منصب المشيخة ينتقل من الآباء إلى الأبناء أو الأحفاد ولا شك أن انتقال السيادة بطريق الوراثة كان من المبادئ المعترف بها في المجتمع القبلي  القديم ومصداق ذلك قول الشاعر بشامة بن الغدير :

وجدت أبي فيهم وجدي كليهما    يطاع ويؤتى أمره وهو محتبي

فلم أتعمل للسيادة فيهم            ولكن أتتني طائعاً غير متعب

ويختار البيت من بين أبناء الأسرة من يتمتع بالصفات المطلوبة ومنها : الشجاعة ورجاحة العقل وسداد الرأي والحلم والصبر على المكاره عند الأزمات والخطوب وحماية الجار والضعيف ونجدة الملهوف والتواضع والغيرة على مصلحة القبيلة وإيثارها على منفعته الذاتية وليس شرطاً أن تتوفر كل هذه الصفات معاً في شيخ القبيلة ويكفي بعضها وقد جاء في وصية قيس بن عاصم لبنيه قوله : ( يابني إذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم ) وقد كان لشيخ القبيلة سلطانه وحقوقه الأدبية في قومه وهم ملزمون بتوقيره وطاعته وإلا تعرض كيانها لخطر الانقسام والتصدع كما هو حاصل اليوم في اليمن في ظل الحروب والنزاعات المحلية والإقليمية والدولية وأدواتها من الأحزاب السياسية وكبار رجال الدولة من العسكريين والمدنيين الذين تولوا إدارة البلاد والعباد واستحوذوا على مصالحها ومواردها وسخروا أجهزة الدولة وأحزابها لاحتكار مصالحهم الفردية وطموحاتهم الذاتية وأقحموها في النزاعات والحروب على حساب شعبهم وفي ظل هذا الفساد والفشل لم تقم الدولة المدنية الحديثة وتمزقت القبيلة وتشرذمت وخرج أبناؤها على ولاة الأمر فيها وتنكروا لمراجعهم ومصالح قبائلهم وسخرتهم الأحزاب وأجهزة الفساد في الدولة وباعوا ضمائرهم لها مقابل ثمن بخس فشقوا عصى الطاعة على شيوخهم الذين تراجع دورهم في السيادة والقيادة في ظل فساد الدولة وسقط البعض منهم في وحل الفساد وباعوا أنفسهم وشرف قبائلهم ومجتمعهم وارتضوا أن يكونوا جزاً من اللعبة السياسية بعد أن فرقتهم المصالح وتخلوا عن واجباتهم الأساسية في حين لم يجد المخلصون منهم الولاء من قبائلهم الذين أصبحوا لعبة وبيادق بيد الأحزاب والمتنفذين وفي ظل هذه الأوضاع المزرية والانتكاسات الأخلاقية ظهر جيل جديد متمرد وشق عصى الطاعة على القبيلة وشيوخها وخرج عن أعرافها وشيمها وتقاليدها فأصبحوا لا يتورعون من قتل عابر السبيل ونهب ماله ولا يترددون من اغتصاب حقوق الضعفاء وقطع الطرق وإثارة الفتن بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ القبلي القديم ولم يراعوا حقوق القبيلة ومصالحها وسمعتها وشرفها ويعمل هؤلاء اللصوص وفق أجندات مدفوعة الثمن ويقومون بهذه الانتهاكات المخزية في ظل غياب شيوخ القبيلة وكبارها واختطفوا قرارهم ودنسوا كلمتهم بفعل ممارستهم اليومية المنحطة وارتضوا أن يكونوا عملاء بالوكالة للغير في ظل هذه الحرب المدمرة وهنا علينا أن ننبذ هؤلاء   السفهاء ونقف مع شيوخ القبيلة وحكمائها وندعو الجميع إلى العودة إلى النظام القبلي فهو أرحم مما يجري اليوم في بلادنا من انتهاك لكل الشيم والأعراف والتقاليد العريقة في ظل غياب تام لشيوخ القبيلة وكبار القوم وسلبية مطلقة من سائر أفراد القبيلة حتى أصبحت كلمة الحق ضد الخارجين على أعراف القبيلة تقابل باللامبالاة ويسرح المارقون والمجرمون في قرى وأسواق القبيلة دون رادع ولا وازع وبسلبية مطلقة من قبائلهم وكأن الأمر لا يعنيهم وللحديث بقية وهو ذو شجون .