الملك سلمان.. أُفق القرن 21

2017-05-25 10:41

 

لم تكن تخمينات المحللين السياسيين لتذهب إلى تلك النظرة البعيدة التي كشفت في لقاء الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلقد كان الاعتقاد بأن تتوافق المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية على مقاربات حول موضوعات محددة كتدخلات إيران والصراع العربي الإسرائيلي والأزمة السورية إضافة إلى صفقات اقتصادية بين البلدين، المفاجأة الكبيرة التي كُشفت هي أن الرياض وواشنطن وقعتا على رؤية مشتركة للشرق الأوسط، وأن هذه الرؤية تمثل ما ينظر إليه السعوديين والأمريكيون للقرن الحادي والعشرين.

بالتأكيد أن هذه الرؤية البعيدة المدى تُعيد إلى الأذهان مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي قدمته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس في صيف العام 2006م ، وعلى مسافة عقد من ذلك التاريخ ها هو الشرق الأوسط يعيش صراعات لا محدودة تحتدم أكثر في سوريا وليبيا واليمن والعراق، الشرق الأوسط يعاني صراعات طائفية واستقطابات دينية حادة، عملت إيران على تغذيتها وساهم الاتفاق النووي بمزيد من الإذكاء بعد أن توفر المال للإيرانيين.

كان ثمة تساؤل يدور: هل هناك قوة عربية تستطيع المشاركة في مشروع الشرق الأوسط الكبير؟، ولاشك أن الجواب سيكون حاضراً بعد سلسلة مواقف قدمتها السعودية في هذا السياق غير أن مارس 2015م كان نقطة تحول حقيقية بإعلان عملية «عاصفة الحزم» التي شكلت في خصائصها السياسية مواجهة مشروع الفوضى العارمة التي عمت الشرق الأوسط، ولعبت الرياض دوراً هاماً أُجزم تماماً بأن إعلان رؤية المملكة وأمريكا هو تتويج فقط لمرحلة سياسية دقيقة كانت فيه السعودية هي اللاعب الأكثر رصانة وقوة وصلابة، بل وتحدياً للمشاريع التدميرية للشرق الأوسط.

أكثر ما يهمنا هو إيضاح مفهوم الصراع القائم الذي على أساسه يمكن معالجة الحالة الراهنة في مناطق الصراع، فلقد عملت القوى الإيرانية الشريرة على إذكاء صراع خطير يجب معالجته عبر إعادة مفهوم التنوع في الشرق الأوسط ولو بالحد الأدنى للتخفيف من التوترات العالية في مناطق الصراع العربية، وهنا يكمن التحدي السعودي القادم بقيادة المنطقة نحو روح جديدة تستعيد الرغبة في التنمية والبناء بدلاً من خطاب الكراهية المتدوال في كل ما بذرته إيران عبر أذرعتها من أحزاب دينية ومليشيات طائفية.

البيان المشترك السعودي الأمريكي حمل معالجة واضحة باحتواء تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية، وإعادة النظر في برنامجها النووي، وقد يكون على الولايات المتحدة دور أكبر في هذا الجانب على الأقل من ناحية تنفيذ بنود الاتفاق بالشدة القصوى مما سيسهم فعلياً في كشف مناورات النظام الإيراني، وهذا ما سيقدم للشرق الأوسط بالتأكيد تخفيفياً في حدة الصراعات القائمة.

الرياض وواشنطن ترسمان مساراً جديداً للشرق الأوسط، هنا قيمة الرياض الحقيقية في أنها جزء من تركيبة النظام العالمي ودولة لها تأثيرها السياسي لتضع رؤيتها حول ما يجب أن يكون عليه الشرق الأوسط عبر تقديم مبادرات لمواجهة خطاب التطرف وتعطيل تمويل الإرهاب وتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة التي ستكون معنية بهذه المنطقة في استدراك سعودي للخطأ الذي ارتكب في الحقبة الأمريكية السابقة (فترة رئاسة اوباما) عندما قرر الانسحاب من الشرق الأوسط تاركاً فراغاً ملأته طهران بالفوضى العارمة.

سبعة عقود مرت على لقاء المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه والرئيس روزفلت، مثلت مرحلة طويلة في علاقات شهدت كل ما يمكن أن يكون في الظروف السياسية غير أن الثابت أن تبقى تلك العلاقة بامتدادها القوي نحو شراكة تُسهم في تحقيق ما يمنح هذه المنطقة من العالم استقراراً سياسياً بات مطلباً مُلحاً لشعوب تعاني أزمات متوالية تنظر تلك الشعوب للملك سلمان بن عبدالعزيز أنه بعد الله تعالى سيعمل على استبدال الأزمات إلى انفراجات فلقد ضاقت بالشوب أوطانها، ولن يتحقق لها الأمن إلا بملك يمتلك العزم واليقين والشجاعة في مواجهة الأخطار التي تداهم شعوب العرب.