في بلد كاليمن عاش فيه الناس تحت شعارات الزيف والوهم التي قدمها المخلوع علي عبدالله صالح على مدى أربعة عقود لابد وأن يدفع أصحاب الرأي والفكر والكلمة الثمن مُضاعفاً، لم يكن ذلك النظام ليمارس الديمقراطية والحرية إلا من باب الشعارات، في العام 2004م كانت أول مذكرة صدرت ضدي برغم أني لم أزر اليمن منذ 1993م، كان السبب مقالاً عن بعث الهوية الحضرمية، عرفت آنذاك أن المسألة ليست رأياً مخالفاً بقدر ما هو أن لا رأي أو سلطة رابعة في وطن مختطف يعيش في اللادولة التي صنعها المخلوع صالح.
عندما انطلقت عاصفة الحزم كان تهديد الحوثيين مباشراً بالتصفية الجسدية والوعيد والتهديد، لم نكترث لهذا فلقد أسقط الحوثيون كل ما تبقى من شكل الدولة الذي صنعه المخلوع صالح فلا ضير أن يتهاوى كل شيء، عبدالملك الحوثي كان واضحاً منذ البداية أن كل إعلامي مؤيد للتحالف العربي يعتبر متهم بالخيانة العظمى لليمن، نصاً قالها عبدالملك في سبتمبر 2014م (المرتزقة العملاء من فئة الصحفيين والمثقفين والسياسيين أكثر خطراً على هذا البلد)، إذن الاختطاف والتعذيب واقتحام مقرات الصحف والقنوات مبررة تحت توصيات الكاهن الحوثي.
أعنف مظاهر الاستهداف الممنهج التي تورطت بها جماعة الحوثيين، من مارس 2015م عندما تنوعت بين الاعتقال والإخفاء القسري، واستخدام صحفيين «دروعاً بشرية» في ثكنات عسكرية، هذا الاستهداف المباشر لشريحة الصحفيين ومهنة الإعلام تسببت في فقدان مئات الصحفيين أعمالهم ومصدر رزقهم، الصحفيون دفعوا فاتورة باهظة بعد الانقلاب، سجلت عشرات من حالات القتل وسجلت المئات من حالات الاختطاف، واعتبرت مليشيات الحوثي في المرتبة الثانية بعد تنظيم «داعش» الإرهابي،إذا سجلت حالات قتل في حق نحو عشرة زملاء، فيما لا يزال 13 آخرين رهن الاختطاف في غياهب السجون التابعة للحوثيين، بعد أن تم الإفراج عن عدد آخر.
تبرز حادثة مقتل الصحفي محمد العبسي مسموماً كواحدة من أكثر الدلائل على ضيق صدر المليشيات الحوثية تجاه الصحفيين، سبق مقتل العبسي الصحفية جميلة جميل، وقد يكون لحادثة مقتل العبسي مسبباتها فالرجل نشر تحقيقاً صحفياً كشف فيه بالوثائق عن واحدة من أكبر صفقات الفساد التي كبدت اليمن خسائر اقتصادية، وهي اتفاقية الغاز اليمني مع شركة توتال الفرنسية وكوريا وشركات أخرى أكد فيها أن مبلغ سبعة مليار دولار تذهب لحسابات بنكية تابعة للحوثيين منذ 2015م.
تدرك القوى الكهنوتية كما تدرك بقية القوى الحزبية أن السيطرة على الصحافة بكل أنواعها هي مفتاح للسيطرة على المجاميع البشرية التي تتعامل مع المقالات والصور وحتى التقارير الإخبارية بعاطفة جياشة نتيجة قصور التعليم والعصبية القبلية والحزبية وهذا ما يجعل من كل القوى المتصارعة في اليمن ترى أن الصحفي عليه أن يكون تابعاً لإرادتها مُسخراً قلمه وعدسته لخدمة الحاكم والحزب والقبيلة.
في اليمن وتحت شعار الوطنية والولاء لرمزية الحاكم يستباح الصحفي كاتباً أو مصوراً أو محرراً فالصحفي ليس له من حق أن يكون مُستقلاً يحمل هموم الناس ويعبر عن معاناتهم، وليس له من حق في أن يتجرد من توابع الأحداث بأن يطرح الحلول وينظر إلى الآفاق البعيدة ليمارس سلطته الرابعة التي تبدو سلطة هشة لا تمتلك القدرة على أن تنصف ملايين الجياع والمظلومين من قهر الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح، تلك القوى التي تشيطن الصحفي المستقل ليست وحيدة في نظرتها يشاركها آخرين ينظرون من ثقب صغير إلى قلم الصحفي وعدسته ذلك الثقب هو الحزب (الإخواني) الذي سيبقى معطلاً لتحرير اليمن من قبضة المعتوه الحوثي.