نشرت بعض وسائل الإعلام المختلفة في اليومين الماضيين بياناً صحفياً مثيرا للجدل والدهشة منسوباً للمكتب الإعلامي لوزارة الداخلية التابعة لحكومة د. أحمد بن دغر,على خلفية نشر فيديو يصور فيه واقعة قتل جنود لشخص يُــعتقد أنه كان يزمع تنفيذ عمل ارهابي بإحدى النقاط الأمنية بمدينة التواهي عدن- , نقتبس من ذلك البيان ما يلي:
-1- ((بحسب المعلومات المتوفرة لدى مكتب قيادة وزارة الداخلية فإن المعلومات المتوفرة عن القتيل تفيد بأنه احد المعتقلين على قضايا الإرهاب وتمت تصفيته بصورة مخالفة للقانون)).
-2-(( فوجئنا مساء يوم السبت 8 إبريل بنشر مجهولين تسجيلا مرئيا يصور عملية قتل احد الأشخاص والادعاء بان هذا انتحاري وبالتواصل مع قيادة إدارة امن عدن ممثلة باللواء شلال علي شائع وسؤالهم حول ملابسات الحادثة ابلغونا بأنهم سيزودوننا بالمعلومات المتوفرة حول هذه الحادثة ،لكنهم في اليوم التالي اتصلوا وابلغوا عدم صلة إدارة الأمن بهذه العملية وطلبوا الاستفسار من قيادة الحزام الأمني بمدينة الشعب)).
-3- ((تم التواصل مع قيادة الحزام الأمني بمدينة الشعب يوم الأحد الـ 9 من ابريل 2017 والتي نفت بدورها صلتها بهذه العملية مؤكدة عدم وجود أي فرقة متخصصة بقضايا الإرهاب في جهاز الحزام الأمني)) .
-4- (( قام المسئولون في وزارة الداخلية بفتح باب التحقيق في هذه الواقعة باعتبارها تهدد السلم المجتمعي في محافظة عدن بسبب عدم وضوح ما حدث واعتباره عملية قتل خارج إطار القانون ربما تكون حدثت لأحد المعتقلين )).
-5- تدعو قيادة وزارة الداخلية رئاسة الجمهورية وممثلي التحالف العربي وكل الأطراف الفاعلة للوقوف بمسئولية وحزم أمام هذه العملية التي تمثل تجاوزا صارخا وتهديدا لحياة الناس في عدن وعملا مخالفا وخارج إطار المؤسسات الضبطية القضائية .)). انتهى الاقتباس.
بعد هذا البيان بيوم واحد ونتيجة للسخط الذي قوبل به من قبل عدد من الجهات الامنية والمحلية صدر بيانا آخر بأسلوب مقتضب منسوبا لوزارة الداخلية أيضا ينفي فيه صلته بذلك البيان الذي اسماه بالمزور, مطالبا في الوقت ذاته قيادة أمن عدن وادارة البحث الجنائي بالمحافظة التحري عن مصدر ذلك البيان. حيث قالت احد فقراته : (( نطالب مدير أمن عدن بتوجيه البحث الجنائي للتحري عن مصدر البيان..).
فمن خلال تشابه فقرات البيانين وصياغة عباراته يتضح جليا أن البيانين صدرا عن جهة واحدة وقلم واحد. فالبيان الأول تم تسريبه لبعض الوقت لإيصال رسالة معينة للرأي العام تنال من الجهود الامنية بالمحافظة وتظهرها بمظهر الجهة البلطجية التي تنتهك الحقوق العامة وتسفك الدماء وتتجاهل القوانين والحريات العامة وتستهدف السلم المجتمعي من خلال قيامها بعمليات قتل خارج القانون وامتلاكها سجون سرية غير رسمية. وفي نفس الوقت تظهر فيه الوزارة نفسها بأنها بريئة من كل هذا.
ومع أن حبكة البيانين كانت ذكية الى حدٍ ما إلا أن الهفوات والتناقضات فيهما أوقعتا اصحابهما في الإدانة للذات من حيث قدرا دفعها بعيدا, واظهرتهم يتحدثون بلسانين أمني وحقوقي في آنٍ واحد. فالبيان الاول قال أن لديه معلومات عن أن القتيل كان معتقلا بتهمة الإرهاب, ثم قال في فقرة أخرى قال أن عملية القتل (ربما ) تكون قد حدثت لأحد المعتقلين.
ضف الى أن البيان الأول الذي حاول تبرئة الوزارة من كل الانتهاكات, والظهور بمظهر الحقوقي والانساني المدني وإلصاق كل ذلك الانتهاكات بآخرين, فقد اظهر الوزارة بمظهر المتستر على تلك الانتهاكات منذ وقت طويل وأنها تعلم بها من مدة طويلة وبرغم ذلك ظلت صامتة إزائها, كما تعلم بوجود سجون سرية من قبل, ولولا هذه الواقعة لظلت صامتة عن هذه السجون.
ومع أن هذه الانتهاكات لو افترضنا صحة حدوثها كلها أو حتى جزء منها( وحتى نكون منصفين لا بد من الاعتراف بأن هناك تجاوزات أمنية تحدث ولا مجال لإغفالها ) فأن الوزارة هي المسئولة عنها باعتبارها الجهة العليا التي تقع تحت اُمرتها كل الأجهزة الأمنية التي قالت الوزارة أنها ارتكبت هذه الانتهاكات.وحتى التلميح بأن دول التحالف هي من يدير هذه الأجهزة الأمنية بمعزل عن الوزارة لا يجدي نفعا في هذه الحالة طالما وهذه الوازرة راضية عما يجري وصامته حياله, وتكتفي بصرف المخصصات المالية لقيادات معروفة بالاسم.
الأمر الأخر الذي يدل على أن البيانين صدرا من جهة واحدة يريد اصحابها اظهار مدى فشل وعنجهية الأجهزة الامنية والسلطات المحلية بعدن هي العبارة الأخيرة الواردة بالبيان الثاني (بيان النفي) التي طالب فيها قيادة أمن عدن بالكشف عن مصدر البيان الأول الذي قال عنه بانه بيان مزيف. فحين تطلب الوزارة من أمن عدن دون سواه بالكشف عن مصدر هذا البيان المزيف الذي وزع على المواقع الإلكترونية بشبكة النت ,فهي هنا قد أجزمت بأن هذا البيان قد اُرسل للمواقع الإلكترونية من داخل محافظة عدن وليس من محافظة أخرى أو من خارج البلاد.(كاد المسيء يقول خذوني).!
على كل حال فأن هذا الجدل أن دل على شيء فهو يدل على ان ثمة حاجة ماسة من الجميع للوقوف أمام الوضع الأمني المضطرب وقفة جادة تسودها المصارحة والجدية دون مواربة او تغطية على رائحة العفونة التي أضحت تزكم الأنوف وتبعث عن التقيؤ.
فالوضع الأمني لا يحتمل المناكفات السياسية والبيع والشراء بأرواح الناس وأمنهم, ولا يمكن أن تكون الساحة الجنوبية ملعبا للخلافات السياسية الخارجية والداخلية التي تتجاذب الجنوب من كل الجهات في ظل صمت نخبه ومواتها السياسي المؤسف.
فتعدد المسميات المليشياوية بمسميات أمنية افتراضية, والمُضي قُـدماً بتشكيلها على طريقة المحاصصة الجهوية والقبلية والحزبية خارج إطار المؤسسة الأمنية الرسمية كمؤسسة موازية لها وكرؤوس أمنية متعددة ظهيرة لمهامها الرسمية الوطنية, وصبغ هذه المسميات المليشياوية التي تحاول فرض مطالبها بالقوة ,والجماعات المسلحة المتطرفة بالصبغة الدينية والمذهبية والجغرافية ,وتجييرها بمغريات الأموال ومناصب الوجاهات لتنفيذ أجندة قوى سياسية وطائفية داخلية وخارجية تقوم بحروب وصراعات سياسية وايدلوجية بالوكالة على حساب أمن الوطن وقضيته الوطنية السياسية هو ما حذرنا منه مرارا, ومن خطر الارتزاق ,شرر الانزلاق الذي يُـراد للجميع أن يرتطم في قرارته المظلمة.!
*قفلة: (إذا فشلت في التخطيط فأنت تخطط للفشل).