هل البيضاء محافظة جنوبية؟ (الحلقة الثانية والأخيرة)

2017-03-16 05:30

 

بعد هزيمة الإمام يحيى بن محمد حميد الدين في حربه مع السعودية والقطاع الساحلي في تهامة ووصول الجيش السعودي إلى الحديدة عام 1934م وقع اتفاقية ترسيم الحدود مع الحكومة السعودية المعروفة باتفاقية الطائف واضطر لسحب قواته من أجزاء من إمارة الضالع وسلطنة العواذل المشمولتين بالحماية البريطانية وفق المعاهدات المبرمة مع الإمارات الجنوبية إلا أن الإمام يحيى لم ينسحب من سلطنة البيضاء على الرغم من أنها كانت بموجب الاتفاقية الانجلو- تركية داخل النفوذ البريطاني ولم تكن هناك معاهدة ( قانونية ) بين البريطانيين والسلطان الرصاص ولقد جرى التفاوض حولها لكنه لم يتم التوقيع عليها لان المسئولين البريطانيين في بومباي رأوا أن طلبه الحصول على (250 جنيه ذهبيا) كمخصص سنوي باهظ جدا ولقد تجاوزت تلك المشكلة ونتيجة لذلك فقد بقيت تلك الأرض بشكل دائم في حوزة الإمام ولقد دفع السلطان البائس ثمن غلطته بقضاء معظم حياته في سجن الإمام وقد واجه السلطان حسين بن احمد الرصاص مصاعب جمة في حكمه منها : مقتل أخيه صالح بن احمد الرصاص على أيدي آل حميقان بالظاهر عام 1329هـ ونشبت حرب بين الجانبين استعان فيها السلطان حسين الرصاص بالإمام في صنعاء في شهر شعبان عام 1330هـ وأمده بجيش قوي تمكن به من قهر خصومه ولكن حصل خلاف لاحقا مع قوات الإمام عندما حاول التخلص منهم دون جدوى بل أصبحت منطقته بالكامل خاضعة للإمام ولكنه قاومهم ودمر الظاهر وجاشت نفسه بما فيه وعبر عن ما جرى له قائلا :

قـال الحسيني قرن عاصي       بارق برق من تحت راسي

لو ما استوس حب الغرارة      مـــــا كــان فكيـت الرياسي

وأثناء حربه مع الإمام التقى بالسلطان صالح بن عبد الله العولقي بحكم علاقات الجوار بينهما وعبر للسلطان العولقي عن مخاوفه من ان يلقى نفس مصيره من قوات الإمام فرد عليه السلطان عليه بالقول :

قال بن همدان الفراصي    يقطع فيه الضلع الخلاصي

با واجه الزيدي بجيشي     بالهـــرتيــه والقلب قــاسي

وأثناء حربه على قوات الإمام في الظاهر ومسورة لجأ السلطان حسين إلى قبيلة آل ديان العولقية المجاورة له في شعب نمر وعند ما علم البريطانيون بذلك اتفقوا مع حكومة الإمام يحيى على ملاحقته وإخراجه من خوره وألقت الطائرات البريطانية بمنشورات تطالب بطرد السلطان حسين وتم إبعاده بواسطة لجنة مرسلة من عدن نهارا وفي الليل أعاده آل ديان إلى خوره وأخفوه عن أعين الانجليز وأرسل الشاعر ناجي المصعبي قصيدة متسائلا عن حقيقة الأمر حيث انه كان يعمل مع الانجليز وقال فيها:

قالوا ان سلطان بنير حل في خوره ** دي حارب الزيدية لما أخلص المطياب

طعفر دماهم وشل أسلابهم ظهره  ** ثمن حصونه وبير العز والمجلاب

والغزو ما ينقطع مره قفــا مــره  **  ما ليله الا وصوت الناعيه نحاب

يا العولقي جاك مولى العز والشهرة ** حسك تلقي ربيعك تلعنك لعراب

يا الكور قل للعوالق كلهم دفره  ** عاقل وتابع وشيبتهم وقل للشاب

لا تفلسوا في النمر دي حل في القفره ** ربيع جيش العوالق كمن أصفر ناب

وان قد فسلتوا تخابرتوا على الفره ** قد خير يا ناصر احمد تطرحوا لسلاب

وان كان جدتو وكلن رد من عمره  ** نهار ما جيت با قطف لك شقر وزاب

وبادري ان العوالق دي لها الشهرة ** من لحج لا الكور لا بيحان لما نصاب .

 

والمصعبي (ناجي المصعبي ضابط سياسي) بحكم ولاءه للإنجليز ليس حريصا على سلامة السلطان الرصاص ولكنه كان  يحاول بدهائه استدراج ابن لزنم للاعتراف بوجوده في (خوره) ولكن ابن لزنم أكثر دهاء من المصعبي حيث رد عليه قائلا:

قل يا حسين الحسيني دي قوي نصره ** شف ذا من المصعبي لا انته غبي وشي جاب

شف ناجي المصعبي ينغش على بحره ** وظهرت له بالمكينة دي لها ديلاب

وانته افطن الهرج يا مرصاص ذا واقره ** شف ذا من مسوره حيث ظلى للبلاء وجاب

دي عامد الحيد صم الحيد في وجره ** يسري في الليل لظلم والشفق لا غاب

حسين يا ذاك لا جانا ولا شفته  ** ما هو بشي عندنا يا ناجي الكذاب

 

وقد بعث السلطان حسين بن احمد الرصاص رسالة جوابية للشيخ مذيب بن صالح بن فريد العولقي عام 1368هـ الموافق 1949م أثناء لجوءه إلى مرخه عند قبيلة آل ديان – العوالق العليا

يذكر له ما عا ناه خلال تلك الحرب وما جرت على بلاده من تشرد له ولقومه، وفيما يلي  أهم ما جاء فيها:

- يشكو من الجيوش الكبيرة التي أرسلها إليه الإمام يحيى بن محمد من صنعاء إلى بلاده في البيضاء والظاهر ومسوره، وبدون وجه حق كما يقول، وبغدر وعيب، وقد أخرجوه إلى نفاق السلمي وذي معوره عند آل ديان بأرض العوالق.

- يذكر له التهديدات البريطانية التي تعرض لها آل ديان، ويثني على شجاعتهم، وذكر أنها قد جرت اتصالات بينه وبين السلاطين: العوذلي والعبدلي، وقد أرسل ابنه صالح، وذكر لهم أن الشوافع كما ذكر له الشيخ مذيب بن صالح، يريدون الحياة ولو كانت ذليلة تحت رجل الحمار.

- يشكر السلطان الشيخ مذيب على ما أبداه من تعاطف معه، حيث عرض استضافته عنده بالصعيد بالعوالق العليا، وذكر له انه في حالة يواجه مضايقة فإنه سيكون على اتصال به.

- بلاد الرصاص المعروفة بالظاهر والبيضاء والمجاورة لمنطقة العوالق، بين قبائلها والعوالق ترابط تاريخي ففي الوقت الذي لجأ فيه السلطان مع بعض قبائله إلى آل ديان في خوره خلال حربه مع الإمام، نجده هنا يفتح بلاده لاحقا بعد عودته إليها وخاصة لقبائل الربيز العولقية عندما واجهت منطقتهم الحرب من بريطانيا.

- في منتصف الستينات عام 1964م كان الاستعمار البريطاني قد كثف من هجماته الجوية بقاذفات القنابل الضخمة على كور العوالق، وبالذات على منطقة (حطيب) حيث قام الربيز بإجلاء عائلاتهم إلى أرض بنير أرض السلطان الرصاص.

- وكان الربيز يهاجمون المراكز الحكومية على شكل حرب عصابات منظمة، كما كانت منطقة (بنير – الظاهر – البيضاء) تشكل قاعدة خلفية للعوالق أثناء حروبهم مع بريطانيا، وكذلك أثناء قتالهم ضد النظام الشمولي في عدن من عام 1967م – وحتى سقوط النظام).

 

وفي عام 1950م وعند عودة السلطان حسين بن احمد الرصاص من الحج عاد إلى عدن ثم غادرها إلى تعز لمقابلة الإمام احمد بن يحيى حميد الدين واستدرجه وأرسله إلى صنعاء وأودع السجن ومكث فيه 12 عاما أي حتى قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م وأطلق الجمهوريون سراحه

 

وعند استيلاء الجبهة القومية على حكم الجنوب عام 1967م هاجمت بجيشها وميلشياتها مدينة مسورة مقر السلطان حسين الرصاص وبعد معركة دامية قتل فيها نجله الأكبر الأمير صالح بن حسين واقتيد السلطان حسين الى سجن المنصورة في عدن ومكث فيه عدة سنوات .

 

والجدير بالذكر أن قبائل البيضا ء وال الرصاص ساعدوا ثوار العوالق والعواذل والمصعبين ودثينه والنسيين ويافع  وساندوهم أثناء مقاومتهم للاستعمار البريطاني وكذلك مقاومتهم للنظام الشمولي في الجنوب واتخذ ثوار العوالق من ترمد وقرى الظاهر مراكز لانطلاق عملياتهم الحربية

 

ومن هذا التحليل التاريخي للأحداث يتضح لنا ما يلي:

- إن قبائل البيضاء  تاريخيا تعتبر جزء لا يتجزأ من الجنوب العربي بحكم الروابط التاريخية والجوار المشترك والمصير الواحد.

- إن قبائل البيضاء عانت عشرات السنين من التسلط الزيدي عليها وتهميش أهلها وقمعهم.

- التجانس القبلي والديني المذهبي هي اقرب للجنوب العربي منها إلى القبائل الزيدية.

- الإرث القبلي والعادات والتقاليد واللباس والنظام القبلي يتطابق مع قبائل الجنوب وعليه فإننا نرحب بالبيضاء وأهلها ليكون جزء لا يتجزأ من نسيج الجنوب العربي الاجتماعي والسياسي والثقافي.

 

*- بقلم  : بقلم الدكتور علوي عمر بن فريد

*- للإطلاع على الحلقة الأولى : اضغــــــــط هنــــا