"عرض وتلخيص د. علوي عمر بن فريد"
*- خاص لـ شبوه برس
طريقة التعمير وبيع الأراضي:
لم تترك حكومة عدن المحلية والتي كان لها إدارة التخطيط للمدن الحبل على الغارب لشراء الأراضي وتشييدها كما يريد المالك, والطريقة التي اتبعتها هي تخطيط المباني بحيث تكون متناسقة في الارتفاع والشكل وعلى خط مستقيم, والشرط أن يتم البناء خلال عامين والهدف عدم تركها ثم المضاربة عليها لاحقاً, ومن إيراد ثمن الأراضي تقوم حكومة عدن المحلية بإنشاء المجاري وتعبيد الطرقات والإنارة العامة ومد أسلاك الهاتف بحيث لا يكتمل البناء إلا وقد اكتملت هذه الخدمات, أما الميزانية العامة فكانت من الضرائب التصاعدية من الدخل والخدمات البريدية واستثمار الفائض من الأموال المودعة في الخارج.
بعد محاولة د. مصدق الطائشة في تأميم الشركة الأنجلو إيرانية للنفط, اتجهت بريطانيا إلى تشييد أكبر مصفاة للنفط في الشرق في عدن الصغرى التي كان لها مرفأ طبيعي خاص لاستقبال ناقلات النفط وتم إنشاء وتشييد المصفاة خلال أربع سنوات ثم تدفق عليها النفط من الخليج العربي, ثم شرعت حكومة عدن في مفاوضات مع شركة النفط البريطانية لإنشاء صناعة واسعة من مشتقات النفط وخاصة الصناعات البتر وكيماوية والملابس المصنوعة من النفط, وبلغت تكلفة المشروع ثلاثين مليون جنيه إسترليني, ويستوعب أعداداً هائلة من الأيدي العاملة ولكن سلسلة الإضرابات العمالية في الميناء جعلت الشركة البريطانية تصرف النظر عنه.
والحقيقة أن تصرفات النقابات العمالية العدنية كانت خالية من المسؤولية, وكانت تعمل بإيحاء من الخارج وقد كانت طائشة مستهترة في حين أن الحكومة العدنية غير حازمة بل وعاجزة.
وفي الفصل السابع من كتاب القيم يستعرض الوزير عوبلي (التنظيم الإداري والخدمة المدنية), فيقول: فصلت حكومة عدن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية, كما فصلت بين الوزارة والخدمة المدنية, ولم أتدخل إلا حين شعرت بأن الخدمة المدنية أخذت تتدخل في السياسة ولها اتصالات بالجبهة القومية وجبهة التحرير, وكانت سياستي تقوم على منع اشتغال أعضاء الخدمة المدنية والعسكرية في السياسة على أساس أن من يريد نقد الحكومة عليه أن يستقيل أولاً من الخدمة الحكومية.
وفي الفصل الثامن من الكتاب يتطرق السيد عوبلي لسياسة بريطانيا حول التعليم العالي والجامعي ويقول: نشأت في عدن المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في أواخر القرن التاسع عشر, وافتتحت أول كلية للتعليم العالي وأوفدت البعثات من عدن للدراسة الجامعية في الخارج عام 1910م, وكانت لغة التدريس الانكليزية والمقرر للبنين طبقاً لمقررات جامعة لندن, والبنات طبقاً لمقررات جامعة كامبريدج, ومنذ عام 1950م بدأت حكومة عدن إرسال البعثات على مسؤوليتها لدراسة القانون والاقتصاد والعلوم السياسية والإدارة العامة والطب والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا الحديثة, شرط الحصول على شهادة الثقافة العامة لجامعة لندن وكامبريدج, ومن ضمن لوائحها أن الحاكم العام البريطاني وضع مادة تمنح كل من أقام في عدن عامين حق الحصول على تلك المنح مهما كانت البلاد التي ولد فيها, في حين حرم أبناء الجنوب العربي واليمن من ذلك.
ولكنني وضعت شرطاً أساسياً للمنح الجامعية وهي أن أي طالب عدني من أصل غير عربي يجب أن يجتاز امتحاناً خاصاً في اللغة العربية وآدابها, وكان من العسير اجتيازه. أما بالنسبة للطلاب اليمنيين الذين كانوا يتخرجون من المدارس الأهلية بتفوق فكنت امنحهم حق الدراسة الجامعية في الخارج وكنت أفرض سلفاً أنهم ولدوا في عدن ولا أسأل عن أي وثيقة أو شهادة ميلاد. أن بريطانيا تتحمل عن عمد تجهيل شعب الجنوب العربي, في حين كان تعليم العدنيين يسير على قدم وساق وبسرعة مذهلة, الأمر الذي خلق هوة سحيقة بين العدنيين والجنوبيين مما أدى فيما بعد إلى تصادم فكري رهيب بين الجانبين.
ومن المفارقات العجيبة أن بعض الجنوبيين الذين درسوا في الجامعات المصرية أو جامعات بعض الدول العربية سواء حصلوا على مساعدتها أو على نفقتهم الخاصة أو بعض الجمعيات الوطنية, كانوا من القلة بحيث كانت النسبة أن كل خمسة من طلاب الجنوب العربي يتخرجون يقابله ذلك مائة عدني يتخرج من جامعات بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.
في حين أن نسبة التعليم العام في عدن 95% بين الذكور, و40% بين الإناث مقابل 7% في المحميات و 1% من الإناث.
وقد لاحظت الشيوعية الدولية وخاصة الاتحاد السوفيتي هذا التناقض, فقامت بمنح أبناء الجنوب العربي مئات المنح في روسيا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا والمجر وألمانيا الشرقية بواسطة عبدالله باذيب سكرتير الحزب الشيوعي في عدن, ولم تكن المعاهد الشيوعية تطلب شهادة توجيهية وكانت العملية غسل دماغ وتلقين الطلاب بالمبادئ الشيوعية, حيث كانت النتيجة المحتمة أن الأفكار الغربية والعلوم الحديثة انحصرت في عدن, في حين انتشرت الأفكار الشيوعية في الجنوب العربي.
وكان التناقض والاقتتال والحرب الأهلية في عدن نتيجة حتمية لتلك السياسات التعليمية الخاطئة, وفي عام 1966م فتحت الباب على مصراعيه لالتحاق كافة أبناء الجنوب العربي في معاهد عدن, وألغيت سياسة التمييز وقمت بإرسال بعثات من أبناء الجنوب إلى جامعات بريطانيا والولايات المتحدة. وبعد بضعة أشهر عادت الجبهة القومية للتدخل من جديد وخاصة في "كلية الاتحاد" التي كانت خاصة بأبناء الجنوب العربي فقط, حيث كان لها أنصار عديدون من الشيوعيين الذين كانوا يقومون بالإضرابات المتكررة.
وإلى اللقاء في الحلقة الخامسة.
*- يمكن الإطلاع على الحلقة الثالثة على الرابط التالي : اضغــــــا هنــــا