حين تتبلطج السياسة

2016-11-19 06:41

 

حين يصدر قراراً جمهورياً من الرئاسة اليمنية يتحدث فيه عما يسمى (اقليم سبأ) وكأنه اقليم دستوري نافذ على الواقع ضمن مشروع الستة الأقاليم المزعوم ,فنحن هنا أمام حماقة وبلطجة سياسية فاضحة بكل ما لكلمتَي البلطجة والحمق من معاني أوصلت معها الأوضاع الى هذا الحال من البؤس والضياع منذ انتهاء حوار صنعاء (موفنبيك). أتحدث عن قرارات جمهورية عدة صُـدرت بهذه الشأن, منها هذا القرار الذي صدر قبل يومين: (....القرار الجمهوري رقم 145 لسنة 2016 م بإنشاء جامعة في محافظة مأرب تسمى جامعة إقليم سبأ.يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية......).

 

فأن نسمع خبر من ناشط سياسي أو (مفسبك غِـر) يخبط خبط عشواء بأمور السياسة على شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى تصريحا سياسيا لوزير أو أي مسئول رسمي بسلطة (الشرعية الهاربة) في ظل هذه الفوضى التي تعصف بالعقول يروّج فيه لمشروع الستة الأقاليم, فهنا يكون الأمر عادياً ولا يبعث عن الدهشة أو الاستفزاز,لكن أن تأتي عبر قرارات جمهورية وتنشر بوسائل إعلام رسمية ,فهنا نحن فعلاً أمام استخفاف وقح لا نظير له بالإرادة الشعبية وخصوصاً الارادة الجنوبية واستهتاراً فجاً بخطورة وحساسية المرحلة المتفجرة أصلاً التي تمر بها البلاد شمالا وجنوبا,

 

وتحدياً لأصحاب الحق الجنوبي وتضحياته مع استمرار غياب الحل العادل لقضيته ,وتنكرا للجنوب وما حققه من انتصارات بهذه الحرب التي شارك فيها الى جانب هذه السلطة التي ادارت له ظهر المجن ,وهي السلطة التي عجزت عن استعادة مديرية كاملة بالشمال برغم من لديها من امكانيات ضخمة تورد لجيوب لصوصها وحراميتها.ناهيك عن أن هذه السلطة برموزها الشمالية والجنوبية هي رأس حربة في غزو الجنوب عام 94م.

 

فأن كانت هذه السلطة التي يسيطر عليها حزب الاصلاح وجماعات نفعية متعددة الانتماءات الحزبية والجغرافية تعتبر أن الأمر قد قُضي وحسم بمسألة مشروع الستة الاقاليم, و أنه قد أضحى واقعا مفروضا بحديد البلطجة ونار العيفطة الشوارعية,و يتم تنفيذه عملياً على الصُـعد السياسية والإعلامية والشعبية والحزبية والدبلوماسية فماذا أبقت هذه السلطة لمفردة الحوار ومصطلح المشاورات من معنى ومساحة؟

 

وعن أي شيء يمكن الحوار والنقاش فيه مستقبلا ان كان أهم نقطة فيه قد تم حسمها بهذه الطريقة, ونقصد بهذه النقطة هي شكل الدولة على انها دولة من ستة أقاليم ؟. عن أي حوار يمكن ان يشترك فيه الجنوبيون إن كان قد تم إلغاء واستبعاد النقاش عن مشروع استعادة الدولة الجنوبية الذي يمثل مشروع غالبية الجنوبيين واستبعد معه مشروع الدولة الاتحادية من إقليمين بحدود عام 90م؟ وقرر فيه الإبقاء على وحدة 94م على شاكلتها؟, وهذا المشروع الأخير أي مشروع الدولة من إقليمين قد تقدمت به أكثر من جهة جنوبية وشمالية أبرزها مؤتمر القاهرة الجنوبي ورؤيتَـيّ مؤتمر شعب الجنوب والحزب الاشتراكي بحوار صنعاء بل وحتى جماعة الحوثيين (أنصار الله)؟.

 

وبالتالي يمكن القول أن أي حوار مستقبلي سيكون على قاعدة فرض الأمر الواقع المسبق لن يكون بالنسبة للجنوبيين إلا تحصيل حاصل لتنفيذ مشروع قد تم فرضه وإقراره سلفاُ بقانون القوة والاستقواء بالخارج والداخل اليمني العسكري وبقوة الأغلبية العددية الشمالية- وإن كان بأيادٍ جنوبية-, بل وسيكون من يشارك فيه في نظر الغالبية العظمى من أبناء شعب الجنوب شاهد زور بامتياز ومنتحل صريح للإرادة الشعبية والثورية الجنوبية, ومسترخص فاجر لدماء وتضحيات وأوجاع الناس منذ عقدين من الزمن وجب فضحه وكشفه. فالمشاركة بشرعنة وتمرير هكذا مشاريع مصيرية تضرب الجنوب بمقتل لا يمكن اعتبارها وجهة نظر, أو اجتهاد سياسي, بل هي طعنة بمقتل تمت عن عمد وسبق إصرار.

 

أعرف ومعي الكثيرون من أن مشروع الستة الأقاليم أو ما يسمى بالدولة الاتحادية هو مشروع أكبر من يتبناه الرئيس هادي وحزب الاصلاح وأنه مشروع أقليمي دولي يخفي في ثناياه تقاسم الجنوب وثرواته وموقعه الجغرافي خفي في طور التشكل للدول الاقليمية والقوى العظمى التي تضع مصالحها فوق رؤوس الجميع في اليمن وغير اليمن. هذا صحيح ولكن هذه الدول وبرغم ما تمتلكه من اسباب القوة والسطوة المالية والعسكرية والإعلامية والسياسية لا يمكن لها تنفذ أي مشروع سياسي بسيط ناهيك عن استراتيجي مصيري كمشروع الستة الاقاليم باليمن إن لم تجد لها أدوات محلية بالداخل تسند لها المهمة.

 

وصحيح أيضا أن التخاطب يجب أن يكون مع الرأس لا مع الذيل. لكن طالما والمشروع كما أسلفنا مازال مشروعا سياسيا خفيا لهذه الدول الإقليمية ومازال في مرحلة جس النبض ويتم على طريقة التمرحل والتقسيط ولم يُـعلن عنه, فنحن مضطرون أن نلقي باللائمة على لأذناب ونتصدى بأعلى الأصوات لمساعيها ليكون لأصواتنا صدىٍ ورجع تسمعه أذان الرؤوس الكبيرة خلف الحدود.

 

وكذلك صحيحاً أن هذه التحركات لهذه القوى اليمنية الحزبية والنفعية الجنوبية باتجاه فرضها لهذا المشروع لن يكتب له النجاح طالما ثبت الجنوب على حقه واستمسك بما حققه على الأرض وعلى المؤسسات وضاعف من نشاطه بهذه الاتجاه, إلاَّ أن عدم التصدي لهذه القوى وهي تسـوّق هكذا مشروع قد يفهم منه العالم والنخب العربية والخليجية على وجه التحديد انه رضاء جنوبي, من منطق (الصمت علامة الرضاء).

 

تصدينا لهذه الشيطنة السلطوية اليمنية التي تحاول فرض مشروعها بقوة العنجهية يأتي من رفضنا لأسلوب الوصاية على شعب الجنوب ورفضا لتكرار التعامل مع هذا الشعب كقطيع اغنام يساق الى المجهول. فهذا الوضع البائس الذي يمر به الجنوب منذ عام 1994م هو أصلا نتاج لقرارات مصيرية قاتلة اتخذت غداة يوم 22ماير 1990م تم فيها تغييب صوت الشعب ورأيه وجــره الى صنعاء على طريقة نخّاسي البشر.