بعد ربع قرن من تأسيسه خرج «حزب التجمع اليمني للإصلاح» ببيان أعلن فيه براءته من تنظيم «الإخوان المسلمين» معتبراً أن الربط بين الحزب والتنظيم الإرهابي يُعد خطأً على اعتبار أن مقومات الحزب هي ذات مرجعيات وطنية ولا تنتمي ولاءات الحزب إلى خارج اليمن، كان البيان لافتاً ومحل اهتمام واسع فـ «حزب الإصلاح» هو ثاني الأحزاب السياسية في اليمن ولاعب مهم في الحياة السياسية، وهذا يدعونا لقراءة أولية في بيان الحزب الصادر في 13 سبتمبر 2016م.
تُعرف الأحزاب السياسية المرتبطة بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بصفة (البراغماتية) كلما شعرت بالهزيمة والشواهد كثيرة منها ما حصل مع جماعة الإخوان في الكويت مثلاً، جمع الحزب في نسيجه التكويني ثلاثة روافد مهمة ومؤثرة، الأول هو الرافد الديني المتمثّل في معظم التيارات الإسلامية، والثاني هو القبيلة، متمثّلة في انضمام بعض رموز القبائل ووجهائها لحزب الإصلاح، من أمثال الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي صار رئيساً للحزب، ورئيساً لمجلس النواب، وهو شيخ شيوخ قبيلة حاشد، ولما اجتمع للحزب الخطاب الدعوي الديني المؤثر مع السلطة والوجاهة القبلية، كان لا بد أن يكون هناك رافد ثالث للحزب، هو رافد التمويل الاقتصادي، وتم ذلك بضم عدد من كبار التجار وأصحاب رءوس الأموال للحزب. ونرى هنا أن حركة الإخوان حاولت أن تتجنب ما سقط فيه غيرها من الجماعات والتيارات الإسلامية الأخرى التي افتقدت رافد التمويل الذاتي.
بثت قناة (الجزيرة الإخبارية) بتاريخ 12 سبتمبر 2012م (الذكرى الـ 22 لتأسيس حزب الإصلاح) لقاءً خاصاً مع رئيس الحزب محمد اليدومي الذي أسبغ عليه المذيع أحمد منصور عبارات الثناء سخية على أساس أن اليدومي قائد إخواني منتصر في زمن (الربيع العربي)، لم يعترض اليدومي ولم يكن في توقيت يُسمح له أو لغيره من قيادات «حزب الإصلاح» أن يفكروا بالبراءة من تنظيم الإخوان المسلمين، بل إن حميد الأحمر وهو أحد الأذرع الاقتصادية والقبلية التي تُشكل الحزب الإسلامي ظهر في إسطنبول يُعلن أن تركيا هي أرض الخلافة الإسلامية متجاوزاً كامل الحواجز والمحظورات، مؤكداً الانتماء إلى الجماعة بل وتنفيذ مشروعها السياسي.
«حزب الإصلاح» تعامل مع ثورة التغيير 2011م كما تعاملت جماعة الإخوان في مصر مع ثورة 25 يناير تماماً، فبعد أن أثبت الشباب موقفه في الشارع وقدم تضحياته ظهر «حزب الإصلاح» ليركب الموجة ويعلن تأييده لثورة التغيير، ثم يعمل على إزاحة الشباب عبر كوادره المؤهلة لتلعب هذه الأدوار وهو ما فعلوه تماماً، وزاد مؤيدو حزب الإصلاح من نفوذهم داخل مخيمات الاعتصام، وظهر الشيخ عبد المجيد الزنداني في ساحات الاعتصام معلناً قيام «دولة إسلامية»، وردد أعضاء حزب الإصلاح هتافات غير التي رددها الثوار المستقلون، فقالوا: «لا حوثية ولا إيران ثورتنا ثورة إخوان»، في حين كان شعار الشباب المستقل «لا حزبية ولا أحزاب.. ثورتنا ثورة شباب»، رافضين أن يستحوذ حزب أو جماعة على ثمرة تحققت بدماء الشعب اليمني الحر، متهمين حزب التجمع للإصلاح بالتردد، وأنه يمثل الماضي بكل سلبياته.
لم تكن هناك مشكلة كبيرة بين جماعة الإخوان بوجه عام والثورة الإيرانية، بل على العكس كان هناك إعجاب وتأييد للثورة الإيرانية، ثم لحزب الله، ذراع إيران في لبنان في حرب 2006م مع إسرائيل، ولم يحصل اعتراض من كل القيادات الحزبية للقاء محمد مرسي مع أحمدي نجاد في طهران، بل إن التنظيم الدولي لحركة الإخوان كان أكثر تأييداً لتلك الزيارة عبر استخدام ما توفر لهم من قنوات فضائية يمنية سيطروا عليها أو كانت تتبع لهم.
«حزب الإصلاح» الذي تردد في إعلان تأييد «عاصفة الحزم» هو ذاته الحزب الذي أعلن النفير العام ولم يحصل ذلك في كل الجبهات بما في ذلك محافظة تعز التي يسيطر عليها الحزب، في ذات السياق ما زال «حزب الإصلاح» غير قادر على إثبات قدرته الميدانية العسكرية، وهذا يدفعنا إلى اعتبار أن بيان الحزب هو تكتيك في محاولة التموضع السياسي عبر ما تطلبه المرحلة المقبلة، فليس أمام «حزب الإصلاح» سوى أن يعود شريكاً في اللعبة السياسية بعد الفشل الذريع الذي أُصيب به.
كنا سنحترم بيان «حزب الإصلاح» إن كان يحمل مراجعة لتجربته السياسية بما في ذلك تجربة «اللقاء المشترك» كتجربة يمكن البناء عليها لاحقاً أو حتى احترام أنصاره بتجميد نشاط الحزب بعد الفشل، لكن أن يذهب إلى البراءة من الارتباط من جماعة الإخوان فهذه قفزة في الهواء الطلق تُعبر فقط عن انسداد أفق أمام قيادات الحزب التي كانت وستبقى جزءاً لا يتجزأ في معاناة الشعب اليمني.