باختصار شديد, مشروع الأقلمة الذي تسعى لفرضه قوى يمنية وعلى رأسها حزب الإصلاح وجماعة السلطة المسماة بالشرعية اليمنية ومن خلفهم دول إقليمية هو بالأساس استهداف لمستقبل الجنوب السياسي, استهدافا مباشرا وطمسا بائناً لمعالم قضيته الوطنية والسياسية وانتزاعها من على الخارطة السياسية بعد أن فرضت نفسها بقوة على رقعة هذه الخارطة المتشكلة حديثا, ليتسنى لهذه القوى الاستفراد بالجنوب أرضا وثروات وموقعا وإنسانا كل إقليم على حده, وبالتالي دفن القضية الجنوب إلى غير رجعه, من خلال طمس ثنائية الشمال والجنوب عن طريق القضاء على هويته وخصوصيته وإبدالهما بمفهوم الأقاليم اليمنية .
فمثلا بدلا من أن يقول المواطن في عدن ولحج وأبين أنا جنوبي الهوى والهوية والانتماء يقول أنا يمني الانتماء, عدني الإقليم. والحضرمي والشبواني والمهري أنا يمن حضرمي الإقليم, تماما مثلما سيقول صاحب تهامة أنا تهامي أو مواطن إقليم أزال أنا أزالي يمني …. وهكذا.!
نحن هنا لا نتحدث عن موضوع يمنية الجنوب من عدمها. فهذا الموضوع له شجون وأحاديث. وقد كان لنا أكثر من مرة الإشارة إلى ان الجنوب جزء لا يتجزأ من(( اليمن الطبيعي)) كمفهوم جهوي وجغرافي لليمن الكبير عبر العصور الأزمان, وليس بالضرورة جزء من اليمن السياسي.
هذا المشروع -أي مشروع الأقلمة- لا يحافظ على الوحدة اليمنية كما يفهمها البسطاء بالشمال الذين يخادعهم إعلام هذه الأحزاب التي تقدم نفسها على انها حامية حمى الوحدة, بل يرمي إلى استيلائها على الجنوب والشمال على السواء استيلاءً دون وجه حق…ففي الجنوب يكون شفط الثروة وفي الشمال شفط الدوائر الانتخابية. وإلا لكانت هذه القوى وقفت خلف مشروع الإقليمين الذي يحفظ الوحدة, ويوفر للجنوبيين الحد الأدنى من مطالبهم التحررية, مع أنهم أي الجنوبيون أضحوا منذ مارس 2015م -وحتى قبل هذا التاريخ أيضا- يرون ان مثل هذه المشاريع ما هي إلا ضربا من ضروب الاستخفاف بتضحياتهم الكبيرة, ومؤامرة مغلفة بلفافة منمقة اسمها أقاليم تجرهم ثانية إلى شــرَك وحدة أثبتت التجارب عشرات المرات فشلها.
تخيلوا لو إن طبيبا سـجّـل دواءً واحداً فقط لكل المرضى الذين يعاني كل واحدا منهم من مرض مختلف عن الآخر, ماذا ستكون النتيجة؟؟
فمشروع دولة الأقاليم الستة أو الخمسة أو حتى الأربعة قد يكون حلا ناجعا بالنسبة للشمال الذي يمتاز عن الجنوب بعدة سمات مختلفة تتداخل فيها العوامل الجغرافية والمذهبية والقبيلة ,وتستبد فيه هيمنة المركز على الآخر منذ عقود. كون هذا المشروع بالشمال هو حلا لمسألة الحكم المحلي التي ستكون المخرج من هذا الوضع ان تم حلها حلا أمثل وليس عن طريقة الفهلوة والخداع, أما في الجنوب فهو مؤامرة يتم نسج خيوطها منذ شهور بأيادٍ شمالية وجنوبية وإقليمية. فلم يكن للجنوب يوما من الأيام سواء قبل أو بعد الوحدة مشكلة تتعلق بالحكم حتى يتم تقسيمه الى قسمين.
فمن السخرية بعقول الناس القول أن تقسيم الجنوب هو حلا لمطلبه التحرري, وحلا عادلا لقضيته. ومن الاستخفاف بمشاعرهم الزعم ان وضع الجنوب بمربع واحد بموضوع تهامة والجوف, وتصنيف قضيته الوطنية والسياسية التي تستند على خلفية دولة ذات سيادة كان أسمها جمهورية اليمني الديمقراطي انخرطت ذات يوم بوحدة مع دولة أخرى هي الجمهورية العربية اليمنية.
فأي عقل و أي منطق يمكن أن يصدق ان تقسيم الجنوب هو حلا لقضيته واستجابة لمطالبه ؟ فهل طالب الجنوب ذات يوم بان يتم شقه نصفين ا وان يتم مساواته بقضية محافظة شمالية؟. هذا المشروع ليس فقط هروبا من حل للمشكلة الجنوبية ولا تملصا من مطالب شعب الجنوب التحررية بل هو مشكلة بحد ذاته, وقضية لا يجب ان يتحملها ملف. فهذه هي المرحلة الأكثر دقة وخطورة على مستقبل الجنوب, فالسكوت لا يمكن ان يفسر إلا على انه (تآمر) أو في أحسن حال (تخاذل) . فقد انتهى- أو يجب ان ينتهي -عهد الكنس تحت السجاد.