نعم القدرة الآلهية انقذت شعب الجنوب من الوقوع مجدداً في حفرة أعمق من ثقب الوحدة الأرتجالية لوتم تمرير مشروع الدستور الاتحادي
ومن حسن الحظ أن جماعة انصار الله رأوا في مشروع الدستور الاتحادي ونظام الآقاليم الست يتعارض مع مصالحهم العليا مما دفع بهم الي إختطاف الدكتور أحمد بن مبارك قبل تسليمه نسخة مشروع الدستور الي فخامة الرئيس هادي واحمد بن مبارك لمن لا يعرفه هو( مدير مكتب الرئيس هادي حينها والشخصية الرمادية ورجل الثقة لدي الرئيس ولدي عاصمة الدولة التي عين فيها سفيراً لليمن في واشنطتون ) ولا غرابة إذا كان رئيس اللجنة الدستورية اسماعيل الوزير التي كلفت بإعداد الدستور هو واحد من أوفياء عفاش ومن أمهر ترزية القوانين مع عبد الله غانم الذي استعان بهم طيلة فترة حكم الرئيس السابق في تطويع القوانين حسب رغباته الشخصية في إدامة حكمه لليمن وليس العمل وفق المصلحة العامة للدولة . فهل من المنطق والعقل السليم تكليف أحد ترزية قوانين صالح ليترأس لجنة تهدف كما قيل الي إرساء دولة إتحادية تقوم علي سيادة القانون واحترامه وهم الخبراء طيلة حياتهم المهنية كترزية قوانين في طرق الالتفاف عليها وكما يقال باللهجة الحضرمية ( عاد في عقل ) عند السلطة الشرعية في خياراتها كهذه اللامعقولة ؟؟
هل فاتهم السوابق التاريخية في انتقال الدول من نظام الي آخر ماحدث بعد الحرب العالمية الثانية حين قام الحلفاء بحل القيادات العسكرية والامنية في كل من المانيا النازية واليابان واستبدالها بقيادات جديدة للمرحلة الجديدة ؟؟
سألت أحد الزملاء القانونيين البارزين من الجنوب وكان احد قضاة المحكمة العليا في الدولة الجنوبية لماذا لم يتم إختياره ضمن أعضاء اللجنة الدستورية ( وهو كان بالمناسبة عضوا في لجنة إعداد دستور الوحدة ) فأجابني بالقول انهم لا يبحثون عن المهنيين القانونيين وإنما يختارون الأشخاص ذوي القدرة في التلون والعمل بموجب التوجيهات اناس من جماعة حاضر ومرحبا سيدي وللأسف وضعوا من الجنوبيين في اللجنة الذي انتقدتها حينها شخصيات تتمتع بمرونة كبيرة بدليل موافقتها وعدم إعتراضها علي نصوص جدا خطيرة علي مستقبل الجنوب وخضعت الي التوجيهات الصادرة اليها
ولعل تقسيم الدولة الأتحادية الي ٦ أقاليم أثنين للجنوب و ٤ اقاليم لليمن تحول وضع الجنوب الي “ دويلة “ صغيرة امام اربعة دويلات كبري في النظام الاتحادي اليمني
والأمر المعيب الآخر يتعلق بالمالية العامة من ناحية تقاسم الإيرادات الوطنية وفق تعبير نص المشروع “بشكل ومنصف بين مستويات الحكم “ فعلي سبيل المثال في مجال النفط والغاز جعلوا الرئيس هادي في احدي خطبه للترويج لمشروع الدستور يقول بما معناه ان المناطق المنتجة للنفط والغاز هي التي ستتولي من الآن وصاعدا مسئولية في إدارة الثروة النفطية - والغازية المتواجدة في منطقتها وهذا غير صحيح كما سنوضحه الآن بشكل عابر
حيث نصت احد مواد مشروع الدستور دور الولاية المنتجة للنفط فقط بأن “ تتولي الولاية إدارة عقود الخدمات المحلية للنفط والغاز بالتنسيق مع حكومة الأقليم “ بينما الامور الاكثر اهمية المتعلقة بأدارة “ شئون النفط والغاز والمعادن وفتح عقود الإستكشاف والتطوير “ ستقوم بها “ هيئة وطنية مستقلة ممثلة فيها الحكومة الأتحادية والأقاليم الست والولايات “ بمعني آخر ان الدور الرئيسي والأهم منوط خارج صلاحيات الولاية المنتجة للثروة من ناحية إدارة شئون النفط والغاز وفتح عقود الاستكشاف والتطوير خصصت للهيئة الوطنية والامور الثانوية أعطيت للولايات المنتجة وحتي في هذه الجزئية البسيطة قيدت بالتنسيق مع حكومة الأقليم
والأدهي في كل ذلك ان القانون الإتحادي هو الذي يحدد معايير ومعادلة توزيع العائدات والموارد الطبيعية ومنها النفط والغاز ( حبكت تماماً ) العملية برمتها لتبديد الثروة النفطية والغازية الجنوبية لكي لا يتبقي من جديد إلا الفتات من ايرادات النفط للتنمية الأقتصادية في الجنوب لانه ليس هو من يمتلك صناعة القرار في توزيع موارد النفط كما هو الحال عليه في دستور الامارات العربية المتحدة الذي ينص صراحة في المادة ٢٣ من دستوره الأتحادي بأن “ تعتبر الثروات والموارد الطبيعية في كل إمارة مملوكة ملكية عامة لتلك آلإمارة “ وكان الأجدي للجنة الدستورية التي استظافتها الأمارات نحو شهرين لصياغة الدستور ان تستوحي من تجربة الإمارات في هذا المجال
في الخلاصة
قد يقول قائل لماذا الان يشير الدكتور السقاف الي هذا الموضوع ولم يذكره في السابق ؟؟
لسببين رئيسين - اولا لقرب مرحلة الدخول في التسوية السياسية كما يبدو وبالتالي رأيت من الاهمية بمكان تسليط الضوء حول مشروع الدستور الاتحادي
وثانيا- ان السلطات الشرعية لا تبالي دائما بما يكتب عنها وأعطي مثالا واحدا فيما يخص التوقيع علي إتفاق السلم والشراكة الذي وضحت عيوبه الجسيمة وانتهاكه لنصوص الدستور النافذ وكتبت مقالا حول هذا الموضوع بعنوان الرئيس هادي لم يعد سيد قراره بموجب ذلك الاتفاق المشين وعمل الرئيس هادي بعد خروجه الي عدن الي الغاء ذلك الاتفاق وعدم الإعتراف به والأغرب مافي الأمر وهذه أحدي صور التخبط والأرتجالية في التعيينات في المواقع الهامة ان مندوب اليمن في الامم المتحدة (خريج صحافة من كوبا ) لم يعترض علي إدراج اتفاق السلم والشراكة في بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم (٢٢٠١ ) لعام ٢٠١٥ في الفقرة ١٣ من القرار مما يجعل الحوثيين يطالبون الامم المتحدة بالعمل به واخذه في عين الأعتبار لانه جزء من القرار الأممي وهنا يتضح وسيتضح اكثر امام الحكومة الشرعية تداعيات قراراتها الأ رتجالية وأختيار الكفاءات غير المؤهلة في المناصب الحساسة والدولية
ومن الامور المعيبة الاخري اعتراف الزميل الدكتور احمد بن مبارك في مقابلته مع سكاي نيوز العربية في اواخر ديسمبر ٢٠١٥ بأن نظام الدولة الإتحادية من ست أقاليم “ كان فخ نصبه حزب المؤتمرالشعبي العام ..بالتحديد ياسر العواضي وبن دغر وغيرهم وقد كان فخ للدفع بأبناء الإقليم للثورة نتيجة الشعور بالظلم في التقسيم “ ويلاحظ في هذا الاعتراف الحميد والمتأخر جاء علي أثره بعد ذلك بفترة تعيين نفس الدكتور احمد بن دغر رئيسا للحكومة الحالية المتهم بالامس انه ضمن من نصبوا الفخ للسلطة الشرعية فيما يتعلق بنظام الأقاليم الست ؟؟
في خلاصة الخلاصة يمكننا القول دون تردد ان فخامة الرئيس هادي اثبت بجدارة انه رجل إستراتيجي وعسكري بإمتياز في مجال تخصصه كخريج ارقي الكليات العسكرية البريطانية والسوفيتية والمصرية والانتصارات علي الحوثيين وصالح واضحة المعالم اخرها الانتصارات في المكلا وحضرموت بدعم ومساندة الاشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أما في المجال السياسي والدبلوماسي والاعلامي فهذا أمر آخر وتفاوت كبير بعيداً جدا عن النجاحات التي تحققت في المجال العسكري
والمرحلة الحالية في حال الدخول في التسوية السياسية من الضروري معالجة هذا القصور الفادح الذي يعتري الجانب السياسي والدبلوماسي باعادة النظر في معظم التعيينات في المراكز السياسية والدبلوماسية للدولة
وما ذكرناه أعلاه بخصوص مشروع الدستور الاتحادي علي افتراض ان الجنوب مستعد ان يدخل في دولة فيدرالية او كونفيدرالية هل سيكون الجنوب امام واحد من الخيارين المذكورين ام سيختار طريقا آخر غير ذلك
بريطانيا في ٢٩ ابريل ٢٠١٦