أحدث خبر تأجيل موعد إنطلاق مفاوضات السلام بين الأطراف المتحاربة في اليمن من الأثنين 18 أبريل إلى مساء يوم الخميس 21 أبريل ، لتخلف وصول وفد المتمردين الحوثيين وصالح حسب الموعد المحدد إلى الكويت البلد المتفق على انطلاق جولة المفاوضات بين اليمنيين فيها التي ترعاها الأمم المتحدة، خيبة أمل لدى اليمنيين من جدية الأطراف المتصارعة في اليمن وتعاطيها مع جهود السلام الأممية وتطلعات الشعب اليمني بوقف الحرب وتدشين مرحلة السلام في هذا البلد الفقير الذي تزداد معاناة ابنائه بسبب استمرار الحرب فيه منذُ ما يزيد عن العام، وجاء هذا التطور خلافاً للتوقعات ومشاعر التفاؤل لدى المواطنين من عقد جولة المباحثات الجديدة في الكويت. وكان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السيد إسماعيل ولد الشيخ قد أشار في كلمته التي القاها في اجتماع مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي 15 نيسان الجاري إلى "ان طريق السلام شائك ولكنه سالك" لنستشف من هذه الكلمات بدلالاتها ومعانيها أن طريق السلام في اليمن ليس معبداً ومزروعاً بالورود ، إنما مليء بالأشواك، وقد تكون بعض العقبات أخطر من العقبات السياسية ولعل أبرزها تنظيما (القاعدة وداعش) هما أبرز التحديات وأخطرها مستقبلاً على جهود السلام في اليمن، اللذان يصعب على اليمنيين بمفردهم محاربتهما، رغم النجاح الذي حققته القوات اليمنية والجانب الإماراتي في تطهير (محافظتي عدن ولحج) جنوب اليمن من العناصر الإرهابية.
أن التحدي الأمني ومستوى القوة الذي وصلا اليه تنظيما (القاعدة وداعش) في اليمن يتطلب التخطيط المبكر للتعامل معهما بما يضمن شل قدراتهما بعد أن باتا في مستوى يقترب من موازاة قوة الدولة اليمنية على الأرض ، فهذا يجعل التحدي الأمني يختلف عن بقية التحديات السياسية والاقتصادية، ولما يشكله بتجاوز خطره الحدود لدول الإقليم أصبح يستدعي تضافر كل الجهود اليمنية والإقليمية "دول التحالف " والمجتمع الدولي لمجابهته، لأن التفرد في مجابهته من قبل اليمنيين ودول التحالف فقط إذا لم يحرز أية نتائج تشل قدرته فإنه بالطبع سيأتي بنتيجة عكسية، وقد يتحول أي أخفاق إلى عامل محفز لهذه التنظيمات الإرهابية، وسيكسبها تحالفات جديدة سيصعب التعامل معها أو تفكيكها مستقبلاً.
لقد صبت نتائج الحروب السابقة العشوائية الذي خاضها الجيش اليمني منفرداً مع الجماعات المسلحة ومع التنظيمات الإرهابية في مصلحة تلك الجماعات والمنظمات الإرهابية، وعادت بالفائدة عليها مادياً وتنظيمياً ومعنويا، وعززت قدراتها في إخضاع المجتمعات المحلية في ومناطق متعدده، والسيطرة عليها واستقطاب الشباب إلى صفوفها بأقل كلفة، وتحول وجودها في مناطق متعددة في اليمن إلى كيان يوازي كيان الدولة من حيث السيطرة والقوة والمال والتأثير. وحضرموت أحد الشواهد للمعضلات القادمة ، فالتعامل الانفرادي هو الخطاء بعينة الذي تسبب في تدمير مؤسسات الدولة وفقدان هيبتها وثقة المواطن بها. هذه المحاذير الذي يشدنا حرصنا على الوطن لنتناولها، هي ليست للاستهلاك الإعلامي أو لتسجيل المواقف استباقاً ، إنما للاسهام وألقيام بواجبنا الوطني لتحديد موضع الألم لعل هذا التحذير يجد من يتفاعل معه للتخطيط المبكر لكيفة مجابهته، وتبديد مخاوف اليمنيين من القادم المجهول بإزلة هذه المعظلات التي ستعيق مساعي السلام في بلادنا.
ليس جديداً على التنظيمات الإرهابية في اليمن المليء تاريخها بالأعمال الإرهابية أن تقف عائقاً أمام جهود السلام في اليمن،حيث دأبت في الأعوام الماضية على رفض أي مساعي تؤدي للاستقرار السياسي وحقن دماء اليمنيين .. ففي الأعوام السابقة بعد انطلاق ثورة الشباب في 2011م تعودنا على استباقها قُبيل إحراز أي تقدم سياسي في مسار التسوية السياسية ونقل السلطة بتنفيذ عملاً إرهابياً لخلط الأوراق لتعطيل مسار التسوية الذي اتفق عليه اليمنيين، ونتذكر جيداً جريمة تفجير ميدان السبعين وقتل أكثر من مائة جندي في مايو 2012م، وتفجير بوابة كلية الشرطة بصنعاء ، وتفجير مستشفى العرضي بصنعاء وغيرها من العمليات الإرهابية التي طغت على المشهد السياسي في اعوام 2012م-2014م.
قد لا يدرك البعض أن وضع تنظيمي (القاعدة وداعش) أختلف عما كان عليه قبل الحرب حيث خرجا منها با أستفادة كبيرة، كما يصفهما الكثيرون، ولا شك أن هذا يزيد مخاوف إحتمال تنفيذهما هجمات أكثر شراسة من ما حدث في فترة الأزمة التي سبقت الحرب لتقويض الجهود الأممية لإرساء دعائم السلام ، لذلك تستدعي الحاجة للاستعداد لما هو اسوء لكبح جماح أي محاولات إرهابية لتقويض جهود السلام الذي يتطلع اليمنيون لتحقيقه ، لوضع حدٍ للاحتراب وتدشين مرحلة جديدة يسودها التعايش والوئام لأنهاء الصراعات الدموية التي ضاعفت معاناتهم.
ينشغل اليمنيون هذه الأيام بصراعاتهم السياسية وبمواقف المد والجزر بعدم الالتزام لمقتضيات السلام ، تاركين الأبواب مفتوحة في بلدهم أمام التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش) التي تعد المستفيد الأول من الحروب، ومن بين النقاط الخمس التي ستناقش في مباحثات الكويت تسليم مؤسسات الدولة وهذا بحد ذاته سيجعل الجماعات الإرهابية تستنفر للخروج من مخابئها لإفشال أي خطوات تتعلق بهذا الجانب . رغم المواقف السياسية المفتعلة من طرفي الحرب والتلكؤ في ابداء حسن النوايا لإحلال السلام، إلا انهما حتماً سيصلان إلى نقطة النهاية والاذعان لصوت العقل والانخراط في عملية السلام ،التي تتطلب منا مبكراً استشعار المعظلات القادمة لأخذ الحيطة والحذر منها لتفويت الفرصة على قوى الإرهاب (القاعدة وداعش) اللذان سيحاولان بكل أمكانياتهما كعادتهما لإحباط مساعي جهود السلام في اليمن.