تعود المجتمع الجنوبي على سياسة التطبيل والتزمير للأصنام البشرية المعصومة من الأخطاء التي زرعها فيه حكم الحزب الواحد وتخوين ما عداها !!
وعندما نتكلم بصراحة قد يتهمنا البعض بالانهزامية ويطلقوا علينا العديد من المصطلحات الجوفاء الفارغة من المحتوى والمضمون لأننا لم نتعود سياسة النقد والمحاسبة !!
وما أبرع الجنوبيون في اطلاق التسميات الشنيعة على بعضهم البعض حيث أصبحوا يتراشقون بها كسهام الليل تصيب الأبرياء والمتهمين على حد سواء وتلصق بهم أبشع التهم دون دليل ولا يحرك ذلك كله إلا الأنانية المطلقة التي جبلوا عليها وثقافة الإقصاء والتهميش للآخرين التي تربى عليها جيل كامل، ثقافة أحادية عممها الحزب الاشتراكي، وجرت في دماء الكثيرين مجرى الدم .
وشعب الجنوب عامة دفع ومازال يدفع ثمناً فادحاً لتلك السياسات الحمقاء التي زرعها الحزب الاشتراكي وأوصلته إلى ما نحن فيه من دمار وخراب حينما اختزل الحزب وقياداته وكوادره شعب الجنوب بأسره في شعار واحد : هو " لا صوت يعلو فوق صوت الحزب " , وردد جيل كامل شعارات عديدة منها شعا ر " اليمن الديمقراطي الموحد " !!!
وتخلوا عن تاريخ الجنوب ، ولم يكلفوا أنفسهم حتى قراءته وتأمل أحداثه وتجاوزوا واقعه وقفزوا عليه عشرات السنين !!
وكذلك لم يقرأوا تاريخ اليمن " الشمال " منذ ألف عام والفارق الكبير بينهما سياسياً وثقافياً واجتماعياُ بل ولم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد إلقاء نظرة تاريخية على الأحداث الدامية أإثناء الصراع منذ عهد الملك السبأي كرب إل وتر وحتى عهد الإمام المتوكل إسماعيل وانتهاءً بالحروب الشطرية بين البلدين .
والسبب في ذلك كله الجهل والحماقة والطيش والتسرع وما رضعوه من ثقافة ماركسية جعلتهم يقفزون على واقع اليمن عشرات السنين، وكانت النتائج كارثية ، ونسي هؤلاء الحمقى أن الجنوب تاريخياً كان يتكون من 22 سلطنة وإمارة ومشيخة، بدأت ست إمارات منها تأسيس " الاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي " عام 1959فقط !!
وجاء عام الاستقلال 1967م ولم يكتمل انضمام بعض تلك الإمارات والسلطنات إلى الاتحاد ولعل أبرزها السلطنتان : الكثيرية ، والقعيطية اللتان جرى ضمهما بالقوة العسكرية إلى الكيان الجديد تحت مسمى ( جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ) التي قسموها إلى محافظات بالأرقام من 1- 6 وتم حكم البلاد بالاغتيالات والقمع وفرض الماركسية على البلاد والتخلي عن إرثها التاريخي والديني ، أما في الشمال الذي كان يحكم مركزياً منذ ألف عام بداية من صعدة العاصمة الدينية للأئمة ،وانتهاءً ب صنعاء العاصمة التاريخية لليمن حتى جاءت الثورة اليمنية الكبرى في 26 سبتمبرعام 1962م وأسقطت الحكم الإمامي ولكنها لم تسقط الهيكل العام والهرمي لنظام الحكم، الذي بقي متماسكاً لم يتغير فيه سوى الاسم فقط ؟ حيث بقيت سلطة القبيلة ومشايخها والسلطة الدينية في هرم النظام ثم الطبقات الاجتماعية نزولاً حتى قاعدة الهرم ( الرعية ) وتمت الوحدة عام 1990 م بين نظامين وثقافتين مختلفتين ونتج عن ذلك الاندماج وليداً مشوهاً اسمه " الوحدة اليمنية " ورغم ذلك كله فأنا أحترم الشماليين لأنهم أكثر واقعية وحكمة من الجنوبيين، فالقبائل الشمالية تمتاز بالدهاء وتحترم مرجعياتها وعندما يجتمعون تصغر أمامهم أكبر المشكلات ويحلونها بأسرع وقت بالجاه والتراضي حتى في حالات القتل يتم بالتحكيم والحل ,والجنوبيون يفعلون العكس تماماً وبعض القبائل الجنوبية تمتاز بالحماقة والطيش وإذا قتل منهم أحد أخذوا مقابله عشرة ؟ كما حصل ذات مرة في شبوة .
فهم الإخوة الأعداء ما أشجهعم على بعضهم البعض، وماأجبنهم على الغريب !!
بينما في الشمال يتحالفون ويتعاهدون في ما بينهم على الغريب حتى يبعدوه عنهم ولا يرضون في بعضهم البعض ، وكما قال الرئيس هادي : ( القادة الحوثيون والقبليون يؤمنون بأن قتل القبيلي لأخيه القبيلي في تلك المناطق حرام ومقاتلتهم للألوية العسكرية بكل تشكيلاتها جائز )؟
ومعنى ذلك أن قبائل الشمال لاتبيع بعضها البعض للغرباء كالجنوبيين بل يساومون خصومهم لمصلحتهم جميعاً ومن برز منهم دعموه وأيدوه بينما في الجنوب خالفوه وحاربوه ودمروه ؟
الشماليون يتكاتفون ، والجنوبيون يتكارهون ويتحاسدون ،الشماليون أكثر دهاء وحنكة والجنوبيون حمقى وعاطفيون، وليس في قاموس الشماليين حقد دائم بل مصلحة دائمة، والشجاعة في مفهومهم هي التفكير والتدبير وفي مفهوم الجنوبيين هي الحماقة والاندفاع.
ومنذ عام 2007ظهر الحراك الجنوبي ، وتشكل الوعي في الذاكرة الجنوبية للانفصال والإنعتاق من الوحدة المزعومة!!
وفي العام 2015م خرجت المقاومة الجنوبية من مخاض المعاناة والألم وجابهت بشجاعة جحافل الغزو لصالح والحوثي في عدن والضالع وشبوة وأبين ،وتمكنت من دحرهم بمساندة قوات التحالف العربي ، وشكلت تلك المقاومة نقطة مضيئة في تاريخ الجنوب وبارقة أمل ولكن سرعان ما تغير المشهد تماماً،وبدأت أعمال الاغتيالات بالدرجات النارية لقادة المقاومة وكبار العسكريين ..وزرع العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية ..ومهاجمة النقاط الأمنية !!
وصرخ الجنوبيون بالقول :انهم عملاء صالح من خلايا نائمة ..وداعش ..والقاعدة ..والإصلاح..للسيطرة على الجنوب ،ولم يسألوا أنفسهم السؤال المهم:من هم الأدوات الذين ينفذون تلك الأعمال الإجرامية في عدن ؟؟
أليس الغالبية منهم من أبناء الجنوب ؟ أليس من هؤلاء من ارتضى أن يبيع نفسه بثمن بخس لصالح و أجهزته الأمنية ؟ أو للإصلاح وغيره من المتنفذين في صنعاء الجواب هو نعم !!
إذن لماذا نكيل الاتهامات ونعلق المشانق للشماليين ونتهمهم والعيب فينا نحن ؟
وعندما نتأمل المشهد الجنوبي نجد العديد من التيارات المتصارعة فيه مثل : تيار علي سالم البيض ، تيار علي ناصر محمد ، تيار حسن باعوم ، المشاركون في الحوار ، الرئيس هادي وأنصاره ، فصائل وأحزاب وشخصيات عديدة مدعومة من دول الخليج ومع ذلك كله لا توجد لهذه المكونات رؤية موحدة رغم أنهم يرفعون شعارات منها : استعادة الدولة ، أو دولة فيدرالية وفي هذا الخضم المتصارع نجد أن القيادات الجنوبية قد ورطت شعب الجنوب وهربت من المسؤولية التاريخية أمامه، والمشهد يتعقد كل يوم حيث لا توجد قيادة جنوبية موحدة ولا مؤتمر يضم كل الفصائل والمكونات الجنوبية فالتحديات أمامهم كبيرة في ظل غياب المؤسسات الأمنية وبروز المنظمات الإرهابية والفساد المالي والإداري في ظل ما يعرف بالشرعية الذين ينهبون مخصصات الجرحى ويسرقون مرتبات المقاومة والجيش والأمن حتى طالت السرقة والنهب المساعدات الإنسانية من دول التحالف، وأصبحوا يبيعونها مع السلاح في السوق السوداء ومنهم من بدأ يسرق الأراضي البيضاء في عدن مثل : منطقة المملاح وعلى عينك يا تاجر أي فساد بعد هذا كله ؟
رغم ذلك كله لازلنا نحلم بدولة مستقلة والفساد قد سرى في الدم ونخر العظم ،فكيف يمكن لنا أن ندير دولة ونحن لا نثق في بعضنا البعض؟؟ .
لا حافظنا على ماضينا ولا حاضرنا، ونفرط اليوم في مستقبل أجيال لاحقة ، دمرنا عاداتنا وأخلاق الفرسان والمرؤة والشهامة واستبدلناها بثقافة الفيد والغنيمة والتهريب والإجرام والعصابات والبلطجة !!
وهذا ما أخذناه من دروس المتنفذين.
وفي الختام رغم أنني لا أقر ما فعلته هذه الحرب في اليمن عامة والجنوب خاصة من تحالف صالح – الحوثي ولا أقر ما يفعلوه إلا أنني أحترم الشماليين رغم مساوئهم إلا أنهم الأفضل وأكثر حنكة ودهاء ، بينما نحن في غاية الغباء والسذاجة والحمق مع بعضنا البعض .