إن الحرب العبثية التي يشنها صالح وحلفاؤه الحوثيون ،ضد الشعب اليمني قاربت على عام كامل من القتل والتدمير والتهجير القسري، وكانت خسائرها وضحاياها الآلاف من أبناء الشعب اليمني . حرب إجرامية ليس فيها أخلاق الفروسية, ولا أهداف وطنية ,ولا شرعية , وإنما اغتصاب لآمال وأماني شعب بأسره خرج ثائرًا منتفضاً عام 2011م , يرفض سلطة التوريث والقمع , وعندما شعرت بنهايتها تحالفت مع القوى الظلامية – السلالية – الطائفية – الحوثية, ليتخندقا معاً ضد شعب بأسره .
تذكرنا هذه الحرب بالهمجية والوحشية في العصور الوسطى كحروب المغول والفايكنج , حرب بلا غايات ولا أهداف وطنية , أبطالها مجرد دمى في مسرح العرض، تحركها أصابع إقليمية تسببت في معاناة ملايين اليمنيين ولن تندمل جراحاتها بعد عشرات السنين .
والخاسرون في هذه الحرب هم :
أولاً : الأحزاب السياسية
- الحزب الاشتراكي اليمني عراب المصائب والنكبات ومهندس الوحدة الفاشلة التي جلبت معها الخراب والدمار وأساس البلاء في اليمن شمالاً وجنوباً , وهو الحزب صاحب النظرة الأحادية والإلحادية والإقصائية الضيقة وهو رأس الأفعى في كل حروب اليمن العبثية .
هذا الحزب الشمولي لم يستفد من قراءة التاريخ أو أخذ العظة والعبر من تاريخه الدموي ولازال مستمراً في غيه وشذوذه عن الصف الوطني حتى وهو يحتضر , وكان من المفترض أن يقف في صف الشرعية إلا أنه أصبح ذيلياً , وتابعاً للآخرين , من خلال مواقفه المترددة عندما انقسمت قياداته وقواعده إلى أربع فئات .
الاولى : يمثلها عبد الرحمن السقاف الأمين العام الحالي وقد انضمت إلى وفد الحوثيين في جنيف.
الثانية : أمينه العام السابق ياسين سعيد نعمان ،عينه الرئيس هادي سفيراً في لندن .
الثالثة: القيادات الهرمة التي تعيش في الشتات وتسترخي في أفخم الفنادق والقصور من النمسا مروراً بدمشق حتى دبي , وتملك أرصدة في البنوك وعقارات بمئات الملايين من الدولارات هي حصيلة ما سرقته من قوت الشعب اليمني , والتكسب من مآسيه، والحروب التي أشعلتها ،وهذه القيادات الهرمة ،تظهر في المناسبات مع كل حدث، كأبطال الأفلام للترويج لأفلامهم وتلميع أنفسهم، لا لإنقاذ الشعب من معاناته، وهي لا تملك قرارها ولا قواعدها وأصبحت منعزلة جماهيرياً .
الرابعة : وهذه الفئة تنقسم إلى قسمين :
أ- قيادات الصف الثاني للحزب الاشتراكي وقد حضرت مؤتمر الرياض وتفاعلت مع الأحداث نوعاً ما .
ب- المجموعات الشبابية وهذه الفئة من قوى الحراك الجنوبي هي وقود الحرب ونارها المشتعلة وقد برهنت منذ 2007 م على ذلك , ولكن بروزها الباهر كان أثناء مقاومتها لحرب صالح – الحوثي وجحافلهم الغازية , وقد سطرت ملاحم قتالية مع باقي القوى الوطنية الأخرى وخاصة في عدن والضالع .
وفي النهاية فإن الحزب الاشتراكي سيخسر مع كل فئاته المذكورة آنفاً لاختلافه مع واقع الجنوب وقواه الحقيقية ،ومختلف مع نفسه, ومشتت الرؤى , ولا يملك حتى مشروعاً للتصالح مع نفسه ومع الآخرين ودون قيادة موحدة .
أحزاب اللقاء المشترك :
- يتكون من : الحزب الاشتراكي اليمني – حزب الإصلاح اليمني – التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري – حزب البعث العربي الاشتراكي القومي – حزب الحق – اتحاد القوى الشعبية اليمنية – وكل هذه الأحزاب منقسمة على نفسها ودون فاعلية وهي مجرد نمور كرتونية مخالبها من ورق، ولعل أبرزها حزب الإصلاح الذي يعمل بوجهين ، ولا مانع لديه من القفز في أول سفينة مبحرة .
المؤتمر الشعبي العام :
أصبح المؤتمر الشعبي أكثر الأحزاب السياسية تجزئة وانقساماً وقد يتحول إقطاعيات بسبب تحالفه مع الحوثيين، وإشعاله للحرب الأهلية في اليمن , ومعاداة السعودية ودول الخليج ،والتي ترتبط بها زعامات قبلية , كما أن الحزب قد تخلى عن دوره الوطني، وأصبح حزباً عائلياً وشللياً، وأداة بأيدي المليشيات الحوثية ،وسيسقط هذا الحزب سقوطاً مدوياً ومعه أمراء الحرب وسماسرتها .
الحوثيون :
وهؤلاء لا يمكن أن نطلق عليهم صفة الحزب ،حيث أن قياداته لا تملك خبرة إدارية ،ولا رؤية سياسية، وتعتمد على المليشيات والقمع والقتل , كما تسير حسب أجندة خارجية وتسببت في تدمير علاقات اليمن بجيرانه، وقضت على التعايش السلمي ،ودمرت النسيج الاجتماعي، واعتمدت على الطائفية ،والمناطقية ،وتعمل على الثأر والإنتقام، واقصاء الآخرين , وتدعي الحق الآلهي في حكم اليمن , وتستجر تاريخاً وارثاً ثقيلاً منذ ألف عام ذاق خلاله الشعب اليمني في الشمال أصنافاً من القهر والتخلف ولفظه في ثورة سبتمبر عام 1962 م .
خسائر اليمن :
لاشك أن الشعب اليمني سيكون هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب خاصة وهو يعتمد على نصف ميزانيته من السعودية ودول الخليج ،ويعيش نصف مواطنيه ،على أقل من دولار واحد في اليوم , مع تراجع التحويلات للعمالة اليمنية في الخليج , وقال وزير حقوق الإنسان عز الدين الأصبحي : " إن الاحصائيات الأولية لنتائج الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي وصالح تشير إلى مقتل عشرة آلاف شخص إضافة إلى نحو 15 ألف جريح , وبلغ عدد النازحين داخل اليمن أكثر من 2,5 مليون يمني منهم 120 ألف يمني إلى الخارج .
كما تمت محاصرة مدن : صنعاء – تعز – الحديدة , لقمع أي إنتفاضة وطنية كما طالت الاعتقالات أكثر من 1470 شخصية معروفة .
وذكرت جريدة الحياة في تاريخ 11 يناير 2016 م(( أن خسائر القطاع السياحي بلغت 12 بليون دولار حسب وزارة السياحة اليمنية بسبب الحرب، شاملة : المنشئات والمواقع والمزارات والمدن والقرى السياحية والتاريخية والأثرية وتدميرها وتوقف الحركة السياحية الوافدة مما تسبب في خسارة 250 ألف شخص وظائفهم , وتوقف العمل في 15 ألف منشأة سياحية وتدمير 300 موقع ومزار ومنشأة سياحية , وخسارة 1،322مليون سائح قبل الأزمة كما توقف عن العمل 44،350موظفاً يعيلون 500 ألف شخص بشكل مباشر و 1،5مليون بشكل غير مباشر)) . كما أعلن البنك الدولي أن الوضع في اليمن مازال هشاً وقدر الدين العام ب 74% من إجمالي الناتج المحلي عام 2015 , وقدر الأضرار مبدئياً في أربع مدن : عدن – صنعاء – تعز – زنجبار في ستة قطاعات هي : التعليم – الصحة – الطاقة – الإسكان – النقل والمياه والصرف الصحي تتراوح بين 4و5 بلايين دولار .
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن أكثر من 15 مليون لا تتوفر لهم سبل الوصول إلى المنشئات الصحية كما أن 1،8مليون طفل لا يحصلون على أية خدمات تعليمية .كما بلغت خسائر القطاع الزراعي 2،6بليون دولار .
وذكر وزير التخطيط في الحكومة اليمنية : " إن إعادة إعمار اليمن تقدر بنحو 100مليار دولار، وقال أن 80% من سكان اليمن انزلقوا تحت خط الفقر .
كما انكمش الناتج المحلي بمعدل 40 % بينما كان في عام 2014 م 2%- 34% العام الماضي أما العجز في الاحتياطي يتجاوز 5 مليارات دولار, ونسبة البطالة 65% بينما أغلق 75% من قطاع الأعمال في اليمن , وفي ظل هذه الأرقام المخيفة التي يخسرها اليمن تتجاوز إيداعات أثرياء الحرب في البنوك أكثر من 90مليار دولار من خلال أصول يمتلكها القطاع العام والخاص تم بيعها , إضافة إلى ثروات معدنية ،ونفطية ،وبحرية ،وتجارة البشر، وشراء الذمم ،وسرقة الآثار والقطع الأثرية , وأخيراً فالحرب سيطول أمدها ،وحتى لو انتهت ستكون نتائجها أكثر هولاً ورعباً على اليمن، وستكون كارثية بكل المقاييس ،وستنعكس عليه نتائجها أرضاً وشعباً داخلياً وخارجياً، وستعمق الجراحات مع دول الخليج وستدمر النسيج الاجتماعي، وتعمق الحقد الطائفي ,كما تسببت تلك الحرب في وأد الحلم الوطني بفعل الطموحات الضيقة والإستعلاء التاريخي ، والخيانات المتراكمة، وتلاشى الأمل في رسم ملامح الهوية اليمنية الوطنية.
وفي النهاية سيبقى اليمن هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب ،اما من أشعل فتيلها فهم لن يخسروا السلطة التي اغتصبوها فحسب بل سيخسرون أنفسهم وستتبخر أحلامهم ولن يرحمهم التاريخ فيما فعلوا .