كثرت التصريحات الرسمية والإعلامية من دول التحالف العربي حول الحلول المناسبة أساسا لتضع الحرب اليمنية أوزارها والتي قد تقبل بها بعض وليس كل الأطراف ،وقد لاحظنا تصاعد النبرة السياسية والإعلامية (التمهيدية) للحلول المقترحة التي تتحدث صراحة عن حرص بعض الأطراف على وحدة اليمن وتماسكه رغم نتائج الحرب المدمرة التي أكلت الأخضر واليابس !!
والأغرب من ذلك كله التجاهل التام لقضية شعب الجنوب وأرضه ،حيث أن تلك الأطراف تتجاهل عمداً ذكرها أو حتى بحثها !!
وقد يقول قائل: سيكون رد التحالف منطقياً إذا قالوا لأبناء الجنوب :
تمهلوا ..ولا تستعجلوا فنحن والمقاومة والجيش الوطني نقاتل تحت مظلة الشرعية المسلوبة في اليمن والمدعومة بقرار مجلس الأمن رقم 2216 من أجل عودة الشرعية على كامل التراب اليمني الموحد التي استبيحت من قبل (صالح- الحوثي )
وبعد ذلك لكل حادث حديث !!
وفي هذا الطرح وجهة نظر سليمة وحجة منطقية تجعلنا نصدقها ،فالحرب إذن قامت أساساً لاستعادة الشرعية وكامل اليمن ،وليست من أجل انفصال الجنوب!!
إلا أن ما يخشاه الجنوبيون أن تضع الحرب أوزارها حتى يكتشفوا بعد فوات الأوان أن هناك صفقات قد أبرمت بين التحالف والطرف الآخر (صالح – الحوثي) يصبح فيها الجنوب خارج المعادلة السياسية ، وأشد ما نخشاه أن تتفق الأطراف على استمرار الوحدة الاندماجية كما كانت عام 1990م ، وفي أفضل الحالات أن تقوم على (وحدة الأقاليم الستة ) بموجب المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الطيب الذكر!!
وفي هذه الحالة أو تلك لا أعتقد أن شعب الجنوب سيقبل بذلك ، بعد أن دفع آلاف الشهداء والجرحى لنيل حريته واستقلاله واستعادة دولته المسلوبة تحت شعار كاذب اسمه (الوحدة اليمنية ) تجرعوا فيها الذل والمهانة والاحتلال طوال 25 عاماً!!
وأشد ما نخشاه أن تكون الصفقات السياسية قادمة لا محالة وأتمنى أن لا يتحقق ذلك ،ولكن المراقب لما يجري في الساحة اليمنية من خلال سير المعارك ووقعها الرتيب ، والخيانات المستمرة من الأطراف الشمالية ،يؤكد أن وراء الأكمة ما ورائها !!
حيث أن الحسم سيكون شمالاً سواء سلماً أم حرباً ، وسيتم وضع تفاصيله في الغرف المغلقة ، ومن ذلك نستند على ما يلي :
- لا توجد في المناطق الشمالية وخاصة (الزيدية) أدنى مقاومة شعبية ضد الانقلابيين من القبائل أو الأوساط الشعبية خاصة وقد استلم شيوخ القبائل ولا زالوا الملايين من العملات لاستمالة قبائلهم وكسب ولائها وإخلاصها يعد من رابع المستحيلات .
- معظم فروع الجيش اليمني بما في ذلك الحرس الجمهوري تقاتل علناً تحت راية (صالح – الحوثي ) وهي في مجملها من العناصر الزيدية ، وحتى لو انضمت بعض قطاعاتها إلى الشرعية فهي تؤدي مهمات قتالية كلفت بها مثل : التجسس وكشف مواقع التحالف !!
-المناطق الشافعية مثل : (البيضاء – تعز – مأرب –الجوف ) تقاتل تحت مبدأ الصلاة مع علي أتم ومائدة معاوية أدسم ..وهي منقسمة بالتراضي فيما بينها ، وتتوزع الأدوار والمصالح فيما بينها ،واقتسام الفيد والغنيمة مباح ومشروع في أعرافها وثقافتها وحلال ما حصلوا عليه من طرفي النزاع !!
- رغم الحشود العسكرية الكثيفة للتحالف والغارات المستمرة على مواقع الانقلابيين في الشمال إلا أن الهجمات الانتحارية المستمرة في الجنوب وخاصة في عدن تتم تحت مسميات شتى مثل :
داعش ، القاعدة ، السلفيون أو طيور الجنة الخ ..قد انتشرت في المحافظات الجنوبية : أبين – شبوة – حضرموت .
وبعد أن قاتل الوطنيون من أبناء الجنوب في المقاومة الشعبية تلك الجموع الغازية من أتباع صالح -الحوثي وأخرجوهم ودحروهم من تلك المحافظات ,حتى ظهرت الرايات السوداء فجأة واستولت عناصرها على : أبين – وعزان – ويقومون بتفجيرات إرهابية تكاد تكون يومية ضد قادة المقاومة الشعبية الجنوبية والقادة العسكريين في عدن .
فمن المستفيد من تلك الأعمال الإرهابية ؟
ولمصلحة من تعمل تلك القوى ؟
والجواب هو أن البعض يستخدم اسم "داعش" لجلب التدخل الخارجي بحجة محاربة الإرهاب، والحقيقة التي لا تقبل الشك أو الجدل هي أن من يقوم بالإرهاب هي أطراف سياسية تعمل لصالح جهاز أمن الدولة الذين يديرون شبكة إرهابية تحت مسمى " القاعدة " وأخواتها ..!
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن :
أين هؤلاء وأذنابهم عندما كان المسلحون الحوثيون يمارسون القتل وسفك دماء الأبرياء في عدن ؟
أين كان هؤلاء الدواعش الذين أدعت مليشيات الحوثي أنها تبحث عنهم وتدعي أنها أتت لقتالهم واقتلاعهم في عدن والجنوب؟
لقد وضح للعالم بأسره أن ما يجري في عدن ما هو إلا امتداد لحرب صالح – الحوثي وما تلك العناصر الإرهابية التي تعيث في الأرض فساداً ليست سوى أدوات صالح ,ولا يوجد داعش في اليمن ولا القاعدة فهؤلاء جميعاً هم من أذناب وعملاء صالح !!
وليسوا سوى أدوات رخيصة في لعبة سياسية قذرة يديرها المخلوع وأجهزة استخباراتية خارجية!
وعود على بدء تبرز أسئلة جديدة في خضم الأحداث وهي :
- أين القيادات الجنوبية "التاريخية" رغم مثالبها وعلاتها وهي تقف سلبية متفرجة لم تشارك فيما يجري اليوم على أرض اليمن ؟
- ولماذا تم تهميشها واستبعادها من المسرح السياسي رغم أنها لم تعد مقبولة لسلبيتها وعدم مشاركتها أثناء اجتياح الجنوب ؟
وهل اكتفت بالاسترخاء قي الفنادق والتمدد في المنتجعات السياحية؟
وتنتظر حتى تقفز في أول سفينة مبحرة تحت أي تسوية سياسية؟
- أين رجال الإعلام من أبناء الجنوب , ولماذا تم إقصائهم عن المشهد السياسي ؟
هل يتم ذلك عمداُ أم مصادفة ؟
بينما نجد بلابل الشمال تغرد في الفضائيات كل مساء منذ اندلاع الحرب ؟!!
وبعد كل ما سبق أخشى ما أخشاه أن ينفض السامر وقد تم تسويق الجنوب كجائزة ترضية للأطراف المتنازعة في اليمن ؟!!
بينما أهلها غافلون ومنشغلون بصراعاتهم وارثهم البغيض وانقساماتهم القبلية والحزبية وحروبهم منذ العهد الماركسي ؟
وأخيراُ
هل يمكن أن يحدث ذلك وبمباركة دولية وإقليمية بحجة استقرار اليمن ؟
إنني لا استبعد ذلك !!
ولكن هل سيقبل شعب الجنوب بتسويات ونتائج الحرب المفترضة التي قد تكون مخيبة لآماله دون الأخذ بعين الاعتبار أي خيارات ليقول رأيه لتحديد مستقبله باستفتاء شعبي حر ؟
وعندما ننظر إلى العالم من حولنا ونتمنى أن نكون مثل الشعوب الحرة التي يؤخذ رأيها في الاعتبار!!
فالشعب البريطاني يطالب كاميرون رئيس الوزراء بإجراء استفتاء حول بقاء بريطانيا من عدمه في الاتحاد الأوربي ؟
أما نحن فلا نسأل عن خياراتنا !!
أليس من حق شعب الجنوب أن يقرر مصيره بنفسه ؟ أم أنه سيطرح شعباُ وأرضاُ للبيع في سوق المزادات والتسويات من جديد ؟