في بلادنا تحولت بعض النخب السياسية والإعلامية والمعارضات إلى توابع وأصداء لما يجري على الساحة اليمنية عموماً, لأنها لا تفكر إلا بغنائم النظام الجديد والدولة البديلة أكثر مما تفكر بعذاب الناس وفقرهم وتشردهم ومآسيهم, وتذكرني بعض الفضائيات العربية مع الأسف الشديد بصحفيين ومعلقين ومنهم من كان يسبح بحمد نظام صالح وزبانيته ثم تحول إلى معارض له علماً أن النوايا لا يعلمها إلا الله! كما قال الأستاذ عبد الباري عطوان: أستطيع أن أعلق وأحلل أي أحداث إلا مايجري في اليمن, فلا تسألوني عن ذلك!؟!
وهناك شواهد تاريخية تُعيد نفسها على الساحة اليمنية منذ قيام ثورة سبتمبر 1962م ومازالت تلك الشواهد قائمة حتى اليوم فمنذ الحرب الأهلية بين اليمنيين الذين انقسموا على أنفسهم بين ملكي وجمهوري.. كان العرف السائد بينهم أن الولاءآت تخضع للمصالح وليس للمبادئ ولا مانع في العرف القبلي السائد أن يمسي المرء ملكياً ليلاً ويصبح جمهوري نهاراً!!
ولازال الحبل على الجرار منذ التدخل المصري في اليمن وعاصفة حزم اليوم!!
ففي مدن الجنوب كانت المقاومة الشعبية تتصدر المشهد وتقاتل الرئيس المخلوع صالح وحليفه الحوثي وسقط من أبناء الجنوب مئات الشهداء وكانت الأرض والشعب حاضنه شعبية للتحالف العربي بينما ما يجري في الشمال على العكس تماماً.. فمعظم القبائل في الشمال اليمني لا زالت تشكل حاضنة شعبية لصالح والحوثي معاً.. ولا مانع لديهما من تعدد الولاءآت والإنقسامات إذا كان باب الرزق سيظل مفتوحاً لهم!!
ورغم تدفق السلاح المتنوع والأموال الكثيرة إلى بعض رموز تلك القبائل بقصد كسب ولائها إلا أنها لا زالت تستعمل منشار النجار أو كما يقول المصريون :"طالع وأكل.. نازل و اكل"
ليس هذا فحسب بل ويعمل البعض كجواسيس وعيون راصدة لمواقع جنود التحالف كما حصل في مأرب لجنود التحالف العربي العام الماضي حيث سقط منهم أكثر من ستين شهيداً بصاروخ باليستي, ويذكرنا هذا العمل الجبان بما كان يفعل أسلافهم مع المصريين والأتراك الذين أطلقوا عليهم "يمن خيانات" وهي صفة ذميمة ووصمة مخزية مازالت تلاحقهم حتى اليوم ونحن لا ندعي أن أبناء الجنوب جميعاً يتصفون بالنزاهة والإستقامة والإخلاص فهناك العشرات أن لم يكن المئات قد أصابهم فيروس الخيانة وتفشى الفساد في مفاصلهم حتى أصبح آفة يستعصى علاجها حيث تمكن نظام المخلوع صالح من ترويضهم بل تدجينهم في حظائر الفساد خلال 25 عاماً هي عمر الوحدة المزعومة!!
لقد ترعرت ونمت طفيليات الإرهاب من مجموعات القاعدة وأخواتها وهي تضرب الأمن في عدن كل يوم وتقوم باغتيال الكوادر والنخب الأمنية الوطنية الجنوبية وتشكل خلايا نائمة ترقد على متفجراتها وترسل مرتزقتها يعيثون قتلاً وحرقاً وتدميراً وقد داست أقدامهم الهمجية البشر والشجر والحجر وتحرق الزرع و الضرع !!
وهاهو المجرم الذي أطلقت عليه بعض الأبواق لقب "الزعيم" هاهو ينفذ مجازر وحشية مع حلفائه الحوثيين ضد أبناء الشعب اليمني وهناك بعض القادة العرب إلا من رحم ربي يريدون للمخلوع أن يستمر في غيه وبطشه بل وينتصر على القتل غير الرحيم وهاهم فقهاء الظلام مازالوا على فتاويهم المخزية بعدم الخروج على السيد المطاع"الحوثي" صاحب الحق الإلهي في حكم الشعب اليمني ..وقد وصف الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الشهير"طبائع الاستبداد" مايلي:
"إن الحكومة المستبدة تكون مستبدة في كل فروعها ومراتبها التي يقف المستبد الأعظم على رأسها. وأعوان المستبد الأعظم ورجاله لا تهمهم الكرامة وحسن السمعة, إنما غاية مسعاهم
أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته ومن أنصاره. وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه. فيشاركهم ويشاركونه. وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الإستبداد وخفته. فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى جيش المتمجدين العاملين له الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة. واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المرتبة بالطريقة المعكوسة. وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفة وقرباً.
ولهذا لا بد أن يكون الذين الأعظم للمستبد اللئيم الأعظم في الأمة. ثم من دونه لؤماً, وهكذا تكون مراتب الوزراء والأعوان في لؤمهم حسب مراتبهم في التشريفات والقربى منه."
(انتهى الاقتباس)
ولسنا نضيف جديداً فالمستبد زعيم العصابة يختار أعوانه فمن هم على شاكلته, و هؤلاء يتوحدون معه بمرور الوقت ويضفون الصبغة المؤسسية عليه, بما يحول أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة إلى أذرع له, لذلك تصبح عملية اقتلاع الاستبداد بالغة الصعوبة, وتتحول تلك العملية إلى معركة يسقط فيها آلاف الضحايا كما هو حاصل اليوم مع نظام المخلوع صالح, لأنه بعد رحيل المستبد الأعظم فإن وجود ومصير مؤسسة الاستبداد التي ارتبطت به يصبح في خطر داهم, وهو ما يدفعها إلى خوض معركتها الأخيرة بشراسة شريرة كما هو حاصل اليوم في اليمن, لأن الأمر بالنسبة لها أصبح اختياراً بين الحياة والموت.
أما الذين لا زالوا يمارسون التزوير والانتهازية فهؤلاء ورثة الحطيئة و زمرته ممن كانوا يمدحون ثم يهجون من مدحوه عندما يتضاعف الثمن ..!
وهؤلاء قد شاهدنا عينة منهم في مؤتمر الرياض ومن أنصار صالح وحزبه..!
والسؤال هو: متى يأتي ذلك الوقت الذي يقول فيه الشجاع وشاهد الحق كلمته في حضرة رئيس جائر وليس بعد خلعه أو رحيله أو موته؟
الإعلام ليس مجرد ظل أو صدى إنه مبادر ويجب أن تتوفر لدى العاملين في حقوله الملغومة القدرة على الاستشراف والحدس والإستنتاج خاصة وهم الأكثر إدعاءً بمعرفة شعاب الواقع أكثر من غيرهم ونجد البعض من هؤلاء يقلبون ظهر المجن لأولياء نعمتهم وأنهم يمتطون موجات الأثير ويتلونون بألوان الحرباء!!
ولكنني أجزم بأن شعبنا العظيم لفرط ما كابد و تألم قد تلقح ضد هذا النمط من التزوير والإنتهازية. ومن لا يقف معه مسلوب الإرادة وجائع ثم يصفق له وهو يموت هو مجرد كائن طفيلي يعيش على الكوراث ويحول النخب إلى مرتزقة تقتات على فتات الموائد وتبيع نفسها كل يوم عدة مرات ونسي هؤلاء انه ليس من المسموح لأحد أن يكون مع الله والشيطان في آن واحد.