الشيخ الصريمه و مرارة الذكريات :

2016-01-03 18:05

 

عاتب البعض منا الشيخ أحمد فريد الصريمه على عباراته القاسية الخارجة عن المألوف وعن ثقافته الرفيعة كمحام تخرج من أرقى الجامعات البريطانية , و ذلك عندما هاجم علي سالم البيض وطغمته من الاشتراكيين لدى زيارته الأخيرة أبوظبي في شهر ديسمبر الماضي وقد تداول المهتمون بالشأن اليمني رسائل الشيخ الصريمه في وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها , وربما كان الصريمه محقاً في البعض منها عندما شخص الحالة اليمنية و اخطأ في بعضها الآخر و خاصة في الاسلوب و النقد ..!!

 

وقد تفهم البعض ماذهب اليه الشيخ الصريمه فيما قاله , و افتقده البعض و أنا واحد منهم , وفي المحصلة النهائية أعتقد جازماً أنه كان ينفس عن مكنونات صدره واحباطات جيله مما وصلت إليه بلادنا من تدهور في كافة المجالات .

 

ومن لا يعرف أحمد فريد الصريمه حق المعرفه معذور في ذلك فهو من جيل الشباب الذي كان مهيأ لقيادة البلاد الى بر الأمان عند الاستقلال , وكانت طموحاته لا تختلف عن أبناء جيله الذي حظي بأحسن فرص التعليم في أرقى الجامعات البريطانية ومعظمهم من شباب عدن , وبعد تخرجهم فوجئوا بأن الحكومة البريطانية "العمالية " تخلط الأوراق و تقلب الطاولة على رؤوس الوزراء في اتحاد الجنوب العربي , و تتنصل من كل التزاماتها الأخلاقية و المادية و الأدبية و نذكر بما جاء في الوثيقة رقم 55 /ع  الصادرة من وزراة الدفاع الاتحادية في عدن ما يلي :

" للأسف العظيم أن الحكومة الاتحادية لم تنذر بقرار الجلاء عن القاعدة وباعطائها الفرصة للطلب من حكومة صاحبة الجلاله سحب قواتها ذلك سوف يعطيهم الفرصة لإصلاح علاقاتهم مع العالم العربي " .

وجاء في نص الوثيقة رقم57 /ع و تاريخ 17/ 2 / 1966 م . هذه الفقرة من الحوار بين اللورد بيزفك و المجلس الأعلى الاتحادي بعد أن سمع عبارات قاسية من الوزراء الاتحاديين أثناء الجلسة , ومنهم الشيخ محمد فريد العولقي وزير الخارجية الذي صدم بيزفيك بالآتي :

" نحن لا نهاجمك شخصياً , نحن نعرف اهتمامك بالجنوب العربي لكننا نشعر أن حكومة صاحبة الجلالة تتصرف بطريقة مشينة , ونعتقد أنها تتخلى عن مسؤوليتها وهذا يحمل وصمة عار سميها ماشئت "

 

وكانت بريطانيا بالفعل تتهيأ لتسليم السلطة في الجنوب العربي لحفنة من المراهقين والمغامرين و الجواسيس والمخبرين من عملائها مع صنائعها من صغار الضباط في الجيش و الأمن , و قامت باقصاء كل عقلاء و حكماء الجنوب .

 

وفي تلك الفترة من أواخر الستينات كانت الدعاية الناصرية و الحملات الاعلامية و الوجود العسكري في اليمن قد نالت وشوهت سمعة حكام و سلاطين الجنوب ابان المد القومي , وكان حجم المؤامرة على بلادنا كبير للغاية وهي على أبواب الاستقلال .. وفي لندن قال الشيخ محمد فريد العولقي وزير الخارجية وبرفقته السيد شيخان الحبشي الأمين العام برابطة الجنوب العربي , قال الشيخ فريد للسيد عبدالله الأصنج :

 

" يا أخي حرام عليكم بلادنا با تروح خلونا نتفق انته وجبهتك التحرير سنعطيكم نصيب الأسد " .. إلا أن الأصنج ردعليه  حرفياً .

" أنا كلفت من مصر بإفشال هذا المؤتمر و الإ طلقة في رأسي " .. !

وكان البديل جاهزاً منذ مدة عند الإنجليز " الجبهة القومية "

 

وعود على بدء فيما قاله الشيخ أحمد فريد الصريمه الذي عبر نيابة عن جيله من النخبة المتعلمة التي كانت تأمل أن تقود الجنوب العربي إلى بر الأمان بعد الاستقلال الإ أنه وجد نفسه خارج حدود وطنه وقد تم اقصاؤه مع مئات الشباب من أصحاب الكفاءآت !!

 

وعندما نقرأ تاريخ الصريمه نجده من أشد المعارضين لحكومة الجبهة القومية منذ معركة الصعيد و الصدام المباشر مع أسرة آل فريد الأسرة الحاكمة في العوالق , وقاتل مع أهله ثلاثة أيام متواصلة حتى خروجهم من العوالق في شهر نوفمبر عام1967 م ..

 

بينما اعتقل شقيقه المحامي صالح الصريمه في سجن المنصورة وفضل السجن على الخروج من بلاده معتقداً أنه  سيترافع عن  نفسه وعن زملائه من السجناء السياسيين أمام محكمة عادلة كما درس الحقوق في بريطانيا و أدرك أخيراً أنه لا يوجد في قاموس الرفاق سوى القتل و الغدر و الحقد والضغائن ..

 

وقد بذل أقاربه كل الوسائل المتاحه و الوساطات لإخراجه من السجن ومنهم الشيخ صالح بن مذيب لدى وزير الداخلية آنذاك محمد علي هيثم : و التي ذكرها لي السيد هيثم بعد لجؤه إلى السعودية ..

 

وقد التحق صالح الصريمه بأسرته في السعوية و دخل عالم المال و الاقتصاد في الخليج و نجح في ذلك ..

إلا أنه اعتزل الاقتصاد و السياسة معاً , وبقي شقيقه أحمد فريد في المعترك الاقتصادي و المالي في سلطنة عمان ..

و حقق نجاحات باهرة , ولكنه لم يعتزل السياسة التي زرعت في جيناته وظل وسط الأعاصير المتقلبه من عام 1967 م و حتى اليوم وله بصمات في كل الحركات الوطنية الثائرة ضد النظام الشمولي في كور العوالق و المهرة و حضرموت .. !!

 

و للشيخ أحمد فريد الصريمه اسهامات نشطه في أعمال الخير و البر و الاحسان ..

 

واذا كان الشيخ الصريمه اليوم يعبر بمرارة عما وصل اليه حال بلادنا فإنه معذور في ذلك وهي تعاني من ويلات الحروب و الانكسارات و التراجعات منذ عام 1967 م حتى اليوم و كل ذلك ناتج عن سذاجة و غباء قيادات الاشتراكي الذين أوردوا شعبنا المهالك منذ استلامهم الحكم في سن المراهقه ولا زالوا حتى اليوم يحاولون تصدر المشهد السياسي رغم خيباتهم و انتكاساتهم وقد أصبحوا اليوم في سن العجز و الخرف وبلغوا أرذل العمر , و كأن البلاد لم تنجب الإ هم  ..