الصورة مطلع خمسينات القرن الماضي
اجعلوا عدن سنغافورة ثانية احتفل اليمن الجنوبي نهاية الشهر الماضي ، نوفمبر ، بذكرى رحيل القوات البريطانية ،ويدفعني هذا إلى التساؤل فيما إذا كان اليمنيون جنوباً على استعداد لإعادة تجربة التفكير بنفس الطريقة التي كانت سائدة قبل حوالي نصف قرن وإعادة بناء البلاد بشكل أفضل مما تعرضت له بعد خروج البريطانيين.
إذ إنه بينما كانت لندن تضع الخطط للرحيل عن اليمن الجنوبي ، سعى الجنوبيون إلى وضع أفكار يتم بموجبها خلق كيانين ضمن إطار ما أطلق عليه مسمى ( اتحاد الجنوب العربي ) . بحيث تنشأ دولة جنوبية تشمل كل مناطق الجنوب عدا العاصمة عدن والتي اقترح أن تتحول إلى ميناء حر . وأعد رئيس وزراء عدن حينها ، السيد زين باهارون ، ( توفي بعد الاستقلال بوقت قصير) مذكرة حول تحويل المنطقة إلى ميناء حر مشابه لما عليه سنغافورة .
واستعان بدراسات تتعلق بعمل سنغافورة كمنطقة تجارية حرة وتأبطها مسافراً إلى لندن لعرضها على الحكومة البريطانية لأخذ موافقتها .
وكان الجيش المصري حينها في الجمهورية اليمنية المجاورة ، ورغب باهارون أخذ مباركة جمال عبد الناصر قبل وصوله لندن حتى لا تتعرض خطته لمفاجآت ، وقابل حينها علي صبري مدير مكتب الرئيس المصري ، جمال عبد الناصر ، في الإسكندرية التي كان عبد الناصر يقضي الصيف فيها . وبقى باهارون في الإسكندرية حتى عاد إليه علي صبري بمباركة عبد الناصر للأفكار التي قدمها .
وفي لندن كانت البلاد مقدمة على انتخابات برلمانية تحدد مستقبل السياسة البريطانية الخارجية . فنتيجة لضعف الاقتصاد البريطاني وحاجتها للمساعدات المالية الأميركية ، اشترط الأميركيون انسحاب بريطانيا من مستعمراتها ومحمياتها ، ومقابل ذلك سيتم تقديم الدعم لها . وبينما كان حزب المحافظين الحاكم في ذلك الوقت يرغب استمرار تواجده خارج الجزر البريطانية إلا أن حزب العمال ، الذي كان يرأسه هارولد ويلسون ، أعلن أنه إذا فاز في الانتخابات البرلمانية سوف يطبق سياسة أسماها « الانسحاب من شرق السويس « ، أي الانسحاب من مستعمرة عدن ومحميات الجنوب ومن الخليج العربي بما في ذلك إمارات ما أصبح اليوم دولة الإمارات العربية وقطر والبحرين.
وعندما قابل زين باهارون رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ، لورد هيوم ، وعده بتبني مشروع تحويل عدن إلى ميناء حر في حال فوزه في الانتخابات القادمة. إلا أن هارولد ويلسون الذي زاره باهارون وعرض عليه مشروعه أجابه بأنه غير مهتم بأي ترتيبات مستقبلية لجنوب الجزيرة العربية بل يرغب الانسحاب منها إذا فاز حزبه في الانتخابات البرلمانية ، ويتركها كما هي عليه .
وفاز هارولد ويلسون في الانتخابات وانسحب البريطانيون من عدن وبقية الجنوب ، وسلموا السلطة إلى مجموعة من اليساريين انتصروا في حرب أهلية دموية على حركة أخرى ساندها المصريون ولم يتحقق شيء مما حلم به زين باهارون أو غيره من الجنوبيين في ذلك الوقت .
اليوم .. يمكن أن يعاد بناء اليمن بكامله من جديد وسيكون من المناسب الاستفادة من الوضع الاستراتيجي لميناء عدن لتحقيق فكرة منطقة تجارة حرة تستفيد منها الدولة الجديدة التي ستقوم على أشلاء معارك اليوم . وعسى أن يتفرغ بعض أبناء المنطقة لإعداد دراسة جدوى اقتصادية من الآن يمكن بناؤها على دراسات عديدة تم وضعها خلال السنين الماضية ولم تنفذ.
*- تعريف من "شبوه برس" :
الكاتب : عدنان كامل صلاح كاتب سعودي , واحد من أبناء أسرة من عدد من الأسر الحجازية التي هاجرت إلى عدن في النصف الأول من القرن الماضي وأستقرت بها ولم تغادر المدينة إلا مع رحيل الأنجليز من عدن وبروز سيطرة القوى اليسارية على الوضع في عدن والجنوب العربي وكانت (اليسار) وبالا على عدن والجنوب وعلى سكانه قتلا وتشريدا وطرد من الوظيفة العامة وإفقارا باسم التأميم .
*- "زين عبده(عبداللطيف) باهارون" شغل منصب رئيس وزراء عدن في سن الـ 33 سنة وكان سياسيا بارعا ورجل إقتصاد كبير, وقد أسس وبقية أخوته الثلاثة شركة الأخوان للخدمات الجوية (لخدمة النقل الجوي) ومختصر اسم الشركة "باسكو" وكانت تمتلك عشية الاستقلال ثمان طائرات لنقل الركاب من طائرات الستينات الحديثة وحوالي عشرين مكتب مبيعات في آسيا وأفريقيا وأوروبا بالإضافة الى مستودعات مليئة بالمحركات وقطع غيار للطائرات , وخصص احدى طائراته لنقل وفد الجبهة القومية الى جنيف للتفاوض مع بريطانيا والعودة الى عدن وقدم لقحطان الشعبي سيارتان من نوع جنرال موتورز للإستخدام الرسمي من ماله الخاص , وبعد عامين من الإستقلال تم مصادرة كل أملاك أسرة باهارون بما فيها شركة "باسكو" تحت مسمى التأميم دون أي تعويض حتى اليوم .