تأتي أهمية الاتفاق على ضوابط قانونية دولية تُقنّن استخدام القوة المسلحة من ضرورة تعزيز مبدأ سيادة القانون، ومبدأ المساواة في السيادة بين الدول وحظر التدخل في الشؤون التي تكون من صميم سلطانها الداخلي، لأن القاعدة العامة في العلاقات الدولية تقتضي تسوية النزاعات بالوسائل السلمية، وحظر اللجوء إلى القوة أو التهديد بها، وكلها مبادئ كفلها ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية.
هناك أسباب شرعية، عرفية أو اتفاقية، كحق الدول في الدفاع عن نفسها فرادى وجماعات، وأخرى مُجمع عليها دولياً تجعل من تطبيق تلك المبادئ أمراً غير ممكن، وتدفع المجتمع الدولي إلى تدويل النزاعات الداخلية، واتخاذ تدابير متعددة قد تصل إلى التدخل العسكري كتكتيك ضروري، على أن يكون جزءاً من استراتيجية كبرى لاحتواء النزاع.
ولقياس مدى شرعية أي تدخل عسكري، نقترح ضرورة التمييز والفصل بين مرحلتين: مرحلة ما قبل التدخل العسكري التي تتطلب ترخيص اللجوء إلى القوة المسلحة، ومرحلة ما بعد التدخل أو إدارة العمليات القتالية، وتتطلب أيضاً الالتزام بمجموعة من القواعد القانونية التي تمنحها الشرعية. والنتيجة أن شرعية اللجوء إلى القوة المسلحة ليس بالضرورة أن تجعل من العمليات القتالية وطريقة إدارة الحرب شرعية أيضاً، بينما من شأن إدارة المعركة بطريقة أخلاقية وعادلة توقف إطلاق النار وتقضي على أي تهديد للأمن والسلم أو تخفف من مخاطرهما أن تجعل من اللجوء إلى القوة شرعياً.
نرى بأن ترخيص اللجوء إلى القوة المسلحة يخضع لشروط إجرائية وأخرى قانونية. أما الشروط القانونية فتمثل المبررات الشرعية، وقد نص عليها ميثاق الأمم المتحدة في المادتين 42: التي تسمح باستخدام القوة بطلب أو تفويض من مجلس الأمن وتحت إشرافه عندما يتبين فشل التدابير غير العسكرية في حل النزاع، ونص المادة 51: التي تعطي الدول حق الدفاع عن النفس فرادى وجماعات ضد أي عدوان مسلح، وكلاهما استثناءين على القاعدة الآمرة التي توجب الامتناع عن اللجوء إلى القوة كما جاء في المادة 2/4 من نفس الميثاق.
في الحالة الأولى (المادة 42) يكون قرار مجلس الأمن باللجوء إلى القوة لعدم نجاح التدابير الأخرى في وقف النزاع مُبرراً قانونياً لها، وفي الثانية (المادة 52) يكون اللجوء إلى القوة المسلحة خاضعاً تماماً لتقدير الدول ذات العلاقة التي تتمسك باستخدام حق الدفاع عن النفس مع ضرورة قيام الدول بإعلام مجلس الأمن بالتدابير التي تتخذها كشرط إجرائي.
اختلف خبراء القانون الدولي على تفسير شروط التمسك بحق الدفاع عن النفس، منهم من قيد الحق بشروط النص القانوني وذهب إلى جوازه فقط في حال وقوع «هجوم مسلح» من دولة على أراضي الدولة المتمسكة بالحق واشترط تفويض مجلس الأمن، ومنهم من طالب بوجوب الالتزام بشرطي الضرورة والتناسب اللذين أقرتهما محكمة العدل الدولية عام 1986 في قضية نيكاراغوا والولايات المتحدة، وآخرون أجازوا حق «الدفاع عن النفس الاستباقي» كقاعدة عرفية دولية، على أن تُظهر الدولة ضرورة من اللجوء إلى الحق وأن يكون الرد فورياً لا يُترك فيه أي مجال للتداول وفقاً للحكم الصادر في قضية «السفينة كارولين» عام 1837. إلى أنه منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول، تجاوزت الدول العظمى في استخدامها للقوة الشروط المنصوص عليها في الميثاق، فعلى سبيل المثال، اتجهت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تبرير احتلال العراق عام 2003 إلى ما يسمى ب «الخيط الذهبي» الذي يربطه بقرارات أصدرها مجلس الأمن عام 1991، وهو تطبيق مصطنع وخطير للقرارات لم يجعل من احتلال العراق آنذاك أمراً مُبرراً وفقاً للقانون الدولي. من هنا، لا نؤيد التطبيق العشوائي للقواعد القانونية، إلا أننا مع التفسير التطوري للقواعد الجامدة التي تجعل من تطبيق القانون الدولي أمراً ممكناً. وعليه، نقترح قراءة الميثاق والقواعد العرفية السابقة كما يلي:
1- لم يقصد المُشرع في المادة 51 عندما أعطى الدول حق الدفاع عن النفس إلى أن يتدخل مجلس الأمن ويصدر قراراً باتخاذ التدابير اللازمة أن يجعل الحصول على موافقة مجلس الأمن شرطاً لممارسة الحق، إنما أراد بذلك ألاّ يلغي دور المجلس في اتخاذ التدابير الإضافية التي يراها ملائمة لاستعادة الأمن والسلم إلا إذا نص قراره صراحة على انتفاء مشروعية الحق وطالب الدولة المتمسكة به وقف استخدام القوة.
2- إن شرعية حق الدفاع عن النفس تنطلق من أهمية ممارسة الحق بالنسبة للدولة ذات العلاقة، وهو ما يدفع الدول التي تتعرض لهجوم مسلح أو لتهديد إلى عدم انتظار قرار من مجلس الأمن إذا كان انتظاره سيسبب المزيد من الدمار أو يفاقم الخطر، خاصة أن ممارسة حق الدفاع عن النفس لا يتطلب الموافقة المسبقة للمجلس، بل يحتم على الدولة إعلام المجلس فوراً بالتدابير التي اتخذتها في ممارسة حقها آنذاك كمتطلب إجرائي.
3- جواز التمسك بحق الدفاع عن النفس الاستباقي طالما أنها قاعدة قانونية عرفية تعود إلى ما قبل دخول ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ، وحتى ما قبل الحكم الصادر بالقضية الشهيرة «سفينة كارولين» بين الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1837، وهنالك سوابق دولية تؤكد استمرار التمسك بحق الدفاع عن النفس الاستباقي إلى ما بعد دخول ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ، ومن بين تلك السوابق استراتيجية الأمن الوطنية للولايات المتحدة عام 2002 التي تم اتخاذها على إثر أحداث 11 سبتمبر أكدت «حق أمريكا في الدفاع عن النفس الاستباقي».
*شرعية اللجوء إلى القوة المسلحة في اليمن
قضية التدخل العسكري لدول التحالف العربي في اليمن هي واحدة من سلسلة القضايا التي اختُلِف على شرعيتها تحت مظلة القانون الدولي، وفي وضع المسألة اليمنية ضمن سياق ما حللناه في شرعية اللجوء إلى القوة والتدخل العسكري، يتبين بأن التدخل العسكري في اليمن استند إلى مجموعة من القواعد الشرعية العرفية والاتفاقية وهي:
1- قاعدة التأييد الشعبي الواسع خاصة في عدن وتعز ومأرب وإب ومدن أخرى التي تتمثل في مطالبة الشعب اليمني من جيوش دول التحالف العربي التدخل برياً، كذلك قتال القبائل وحركات المقاومة الشعبية جنباً إلى جنب مع قوات التحالف العربي ضد الحوثيين وقوات صالح.
وترى هذه الورقة أن هناك تسلسلاً في الأهمية بين الجهات التي يمكن لها أن تسبغ الشرعية على أي تدخل عسكري، بحيث تحتل «القاعدة الشعبية» المراتب الأعلى في الأهمية وفي مراتب لاحقة تأتي موافقة الدولة المستقبلة وتأييد المجتمع الدولي.
2- طلب الرئيس الشرعي لليمن من دول مجلس التعاون الخليجي التدخل العسكري على أراضيها، وهو ما يطلق عليه مبدأ «السلطة الصحيحة» المتجذر في مفهوم سيادة الدولة.
شكك عدد من الخبراء الدوليين أمثال «مادلين ريس» أمين عام جامعة المرأة الدولية للسلام والحرية، بشرعية الرئيس هادي، مرجئة ذلك لعدة أسباب منها تقديم الرئيس هادي استقالته قبل شن الهجوم العسكري على اليمن وفراره للإقامة في السعودية إلى مدة امتدت إلى ما بعد التدخل العسكري.
إلا أننا نرى بأن تلك المبررات لا تُفقد الرئيس الحالي لليمن سلطته الشرعية، لأنه وفقاً للقاعدة القانونية العامة، لا يُعتد بأي تصرف تحت سلطان الإكراه المادي، وإجبار الجماعات الانقلابية الرئيس هادي على تقديم استقالته تحت طائلة التهديد يبطل الاستقالة حكماً. إضافة إلى ذلك فإن إقامة الرئيس هادي خارج اليمن لمدة زمنية نتيجة لمحاولة الحوثيين فرض الإقامة الجبرية عليه وتجريده من سلطاته بالقوة لا ينفي استمرار شرعيته كرئيس لليمنيين خاصة مع استمرار اعتراف المجتمع الدولي به، لا سيما قرارات مجلس الأمن، وبالتحديد القرار رقم (2015) 2216 الصادر في 14 إبريل، أي بعد بدء العمليات العسكرية بشهر تقريباً.
ومن الضروري الإشارة هنا إلى السوابق الدولية التي تفيد بقبول الاعتراف بشرعية حكومات وجدت خارج نطاقها الإقليمي، وهي ما تسمى بموجب القانون الدولي ب«حكومات الاغتراب»، كالاعتراف بحكومة فرنسا المؤقتة المقيمة في لندن برئاسة شارل ديغول عام 1943 بسبب احتلال ألمانيا الإقليم الفرنسي.
3- اجتماع إرادة عشر دول من بينها خمس دول، هي الأكثر صلة بالنزاع، لشن عمل عسكري من أجل الحيلولة دون تفاقمه. وبشكل عام، فإن الهدف من التأسيس لتلك التحالفات ليس فقط إضفاء الشرعية على التدخل العسكري، بل وتقاسم مخاطر وتكاليف العمليات العسكرية بين الدول المتحالفة.
4- تأييد منظمات إقليمية للتدخل العسكري في اليمن ومن ضمنها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وهو ما تقتضيه الأعراف الدولية لإضفاء الشرعية على التدخل العسكري.
أما ردنا على الخبراء الدوليين ممن دفعوا بعدم شرعية التدخل العسكري في اليمن لافتقاره لتأييد من مجلس الأمن، فإنه من حيث المبدأ، يبقى الحصول على تأييد مجلس الأمن لأي تدخل عسكري عندما يتطلب الأمر ذلك (المادة 42 من الميثاق) هو الخيار الأمثل، لأن من شأن قرار المجلس تأييد تدخل عسكري أن يجعل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما فيها جميع الدول الدائمة العضوية موافقة ضمنياً على القرار.
المادة 42 لا تنطبق على التدخل العسكري في اليمن، لأن التدخل لم يتم بتفويض مسبق من المجلس، والقوات المشاركة في التحالف العسكري لا تتبع للأمم المتحدة ولا يشرف عليها مجلس الأمن. وعليه، فإن الحصول على تأييد مجلس الأمن لإضفاء الشرعية على اللجوء إلى القوة، عندما يتطلب الأمر ذلك، يبقى مسألة إجرائية لا تنطبق على التدخل في اليمن. كما أن جوهر الشرعية لا يتمثل في الجهة التي تجيز التدخل، سواء كانت إقليمية أم دولية، بقدر ما تكمن في عدالة مبررات اللجوء إلى القوة وإدارة العمليات القتالية.
5- الدفاع عن النفس الجماعي (الفوري والاستباقي) بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والقواعد العرفية. ومن هنا فإن التدخل العسكري كإجراء أمني جماعي في اليمن كان فورياً على قيام الحوثيين وقوات صالح بالسيطرة على قاعدة عسكرية استراتيجية في عدن ومحاولتهم السيطرة على عدد من المناطق الجنوبية بقوة السلاح، ويعد أيضاً دفاعاً استباقياً، لأنه يجنب اليمن استيلاء الحوثيين على السلطة في عدن ومناطق جنوبية أخرى، وكون ما يقوم به الحوثيون وقوات صالح يهدد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج برمتها نظراً لموقع اليمن الاستراتيجي بالنسبة للخليج العربي، ولقيام الحوثيين سابقاً بالاعتداء على أراض سعودية على حدود اليمن عام 2009، ومناوراتهم الحالية على حدود السعودية. ولا ننسى اتفاقية الدفاع العربي المشترك في هذا الصدد.
6- عدم قدرة القوات اليمنية النظامية ورئيسها الشرعي التصدي للتمرد الحوثي ولإرهاب «القاعدة» و«داعش» في اليمن، وهو نفس المبرر الذي استخدمته قوات التحالف الدولية لمحاربة «داعش» في العراق وسوريا.
قراءة تحليلية لقرار مجلس الأمن (2015) 2216 المؤرخ في 14 إبريل/نيسان 2015
وفي مقابل مبررات تدخل قوى التحالف العربي في اليمن التي أثبتنا شرعيتها، لا بد من تحليل ما جاء في قرار مجلس الأمن رقم (2015) 2216 على ضوء تلك المبررات:
1- للقرار الذي تم تبنيه في وقت لاحق على شن العمليات العسكرية في اليمن بشهر تقريباً صفة إلزامية، ولكنه خلا تماماً من أي إشارة إلى شن قوات التحالف لهجوم عسكري في اليمن فعلياً، واكتفى بتأكيده العلم برسالة الرئيس اليمني إلى دول الخليج طالباً منهم اتخاذ كافة التدابير بما فيها العسكرية لحماية اليمن وشعبه.
2- لا يحملنا القرار على التمسك به كإثبات على شرعية التدخل العسكري في اليمن، لأنه لم ينص على تأييده للتدخل صراحة أو ضمناً، إلا فيما أعرب عنه المجلس من قلق حول الوضع الأمني في اليمن الذي اعتبره تهديداً خطيراً على الدول المجاورة، وإدانته ما أسماه ب «التصعيد العسكري» من قبل الحوثيين واتخاذهم لأعمال أحادية الجانب وحيازتهم للأسلحة.
3- كما لم يعارض القرار التدخل الشرعي في اليمن صراحة، إلا إذا اعتبرنا أن تشديد المجلس على الحاجة إلى «العودة» لمبادرة دول الخليج وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني تأكيد على وقوفه مع مبدأ تسوية النزاع في اليمن بالطرق السلمية، وهذا ليس إلا دليلاً على فشل مجلس الأمن في اتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء أي نزاع عندما لا يكون الأمر متعلقاً بمصالح الدول الكبرى وأمنها.
4- تبنى القرار تدابير إضافية على تلك التي اتخذها في قرارات سابقة ضد الحوثيين، ووجه عدداً من المطالب الملزمة لمختلف الأطراف، رغم صدوره لاحقاً على التدخل العسكري، إلا أننا لا نعتبره وقفاً لإنفاذ حق الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من الميثاق، بل تتمة له طالما أن القرار لم يعلن صراحة معارضته للتدخل.
5- لم يستثن القرار دول التحالف العربي من التدابير التي اتخذها، وينكشف ذلك عندما كان يتعلق الأمر بمطالبة «جميع الأطراف» الالتزام بتعهداتهم في احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، بينما في مواضع أخرى كان يوجه مطالبه تحديداً ل «كافة الأطراف اليمنية».
6- تضمن القرار مرفقات لقائمة أُشير إليها تارة بأنها قائمة لأفراد وتارة أخرى بأنها قائمة أفراد وكيانات بالرغم من احتوائها على اسمين: عبد الملك الحوثي وأحمد علي صالح اللذان يمثلان حركة الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام، وهو ما يدفعنا للتفكير بنية القرار تجنيب الكيانات لعدد من العقوبات وحصرها في قادة تلك الكيانات، واستمرارية اعتراف مجلس الأمن بشرعية تلك الكيانات كجزء من التركيبة السياسية وحل النزاع القائم في اليمن، لذا فإن أي محاولة للقضاء على كيان بالكامل من قبل دول التحالف سيضعها في موقف التحيز غير المرغوب فيه.
7- يمكن أن نعتبر أن القرار جاء ليُشكل حداً أدنى من استراتيجية خروج لقوى التحالف من اليمن، وهو حد يحتاج للكثير من الجهود لتحقيقه في ظل القيود القانونية التي فرضها القرار وإصرار الحوثيين على السيطرة على الحكومة في اليمن أو تقسيمها.
شرعية إدارة العمليات القتالية في اليمن
عطفاً على ما ركزنا عليه في المقدمة من أن الشرعية الحقيقية تتمثل في إدارة الحرب وفقاً للقوانين الدولية وليس في الحصول على ترخيص لاستخدام القوة، فإن مسألة استمرارية شرعية التدخل العسكري بعد حصوله على ترخيص اللجوء للقوة من خلال تأييد المنظمات الإقليمية أمر مهم جداً، ومن هنا نرى بأن العمليات العسكرية لقوى التحالف تستمد استمرار شرعيتها في اليمن من عدة عوامل:
1- حفاظ قوات التحالف على شرعية رئيس اليمن وحكومته وتقويتها بالسلاح والمساعدات لتمكينها من حماية الشعب اليمني وحفظ الأمن والاستقرار دون استحواذ قوات التحالف على السلطة.
2- الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية وإفشال مخططات تقسيمها كذلك عدم السعي لضم أقاليم منها إلى دول التحالف الحدودية كالسعودية.
3- ولأن التمسك بحق الدفاع عن النفس في القانون الدولي يقتضي التأكد من أن القوة المستخدمة مناسبة لوقف إطلاق النار وتحقيق استراتيجية الخروج العسكرية، تعمل قوى التحالف بقيادة المملكة على تكثيف ضرباتها بناء على إيعاز من الرئيس الشرعي لليمن وبالتنسيق مع قواته النظامية، وقد طلب الرئيس هادي من السعودية ودول التحالف تدخلاً برياً للقوات وتكثيف الحملات الجوية لإجبار القوى المتمردة على الجنوح للسلم بتجريدها من أسلحتها وإضعاف قواها العسكرية.
4- تأمين وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، لا بل وتزويدهم بالغذاء والمواد الإنسانية الضرورية، وإعادة ترميم المدارس وفتحها في المناطق المحررة، وإعادة تأهيل القضاء بمبادرة من الهلال الأحمر الإماراتي، وهو ما يدل على سعي قوات التحالف إلى إنجاح التدخل العسكري، وإعادة الأمن والاستقرار لليمن وتطبيق القانون الدولي الإنساني ما أمكن.
سيناريوهات محتملة
في حال رغبة مجلس الأمن التأكيد على حياديته تجاه النزاع الدائر في اليمن، يُتوقع منه إصدار قرار جديد تحت البند السابع يطالب فيه مرة أخرى جميع الأطراف العودة إلى المبادرة الخليجية وآليات تنفيذها ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة كافة الكيانات، كذلك إعادة الترتيب لعقد مؤتمر الرياض، أو إصدار قرار يقضي صراحة بوقف التدخل العسكري في اليمن وإعطاء مهلة لقوات التحالف للانسحاب من أراضيه.
ارتكاب «القاعدة» و«داعش» المزيد من الأعمال الإرهابية في اليمن، وهو السيناريو الذي ستجد قوى التحالف نفسها فيه مضطرة لمواجهة خطرين: الخطر الحوثي من جهة، والإرهاب الدولي من جهة أخرى، مما قد يدفع بالقوات إلى تبديل استراتيجية الخروج العسكرية وفقاً للأولويات التي تراها ملائمة، وسيؤدي ذلك حتماً إلى إطالة أمد الحرب، أوانضمام دول أخرى كالولايات المتحدة وفرنسا لقوى التحالف العربي لمحاربة الإرهاب.
توصيات وحلول
لا بد لدول التحالف العربي من توثيق المساعدات الإنسانية التي تقدمها بقيادة دولة الإمارات ضمن تقارير دولية يعدها الهلال الأحمر الإماراتي بالتعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية الفاعلة هناك، على أن تُرسل هذه التقارير إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن كتدابير تتخذها دول التحالف وفقاً لما تتطلبه المادة 51 من الميثاق من إعلام مجلس الأمن بما تتخذه الدول من تدابير.
كما يمكن لقوى التحالف الاستمرار في تطوير استراتيجية خروج تتضمن تجديد وتكرار الدعوة لجميع الأطراف إلى التفاوض من أجل الوصول لحل سلمي، إلا إذا نجح العمل الدبلوماسي في إدراج الحركة الحوثية على قائمة الإرهاب الدولية التي من شأنها تفكيك هذا التنظيم بالكامل، والفرصة متاحة الآن لإدراج هذا التنظيم ضمن قائمة الإرهاب التي تم تكليف الأردن مهمة تنسيقها على ألاّ تنحصر في سوريا بل بالمنطقة بأسرها على اعتبار أن الإرهاب واحد تحت مسميات مختلفة.
نرى بأنه يمكن للقبائل في اليمن أن تلعب دوراً مهماً في تشجيع ألوية من الجيش اليمني الموالي لصالح وحثهم على الانفصال وتشكيل حزب جديد ومستقل يؤيد الشرعية في اليمن يضم شباب الثورة التي قامت ضد رئاسة المخلوع علي عبدالله صالح، يكون له تأييد واسع في جميع أنحاء اليمن. ولتحقيق ذلك يمكن استخدام الإغراءات الاقتصادية لاستمالة شخصيات من جميع الأطراف وكسب ولاء المجموعات وقياداتها لحكومة اليمن الشرعية المتمثلة بالرئيس هادي، وضمان دعمها لقوات التحالف في وقف القتال والتوصل إلى حل سياسي يرضي كافة الأطراف.
لدولة الإمارات أن تطلق مؤتمراً «لإعمار اليمن» بقيادتها ليشمل إما دول مجلس التعاون الخليجي أو دول المنطقة، وذلك لإعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لليمن والتأسيس لبنية تحتية تجذب الاستثمارات لهذه الدولة الواعدة.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى نقطة مضيئة في عالم كاد السواد أن يغلفه من كل الاتجاهات، وهي أن دولة الإمارات خلقت نموذجاً عالمياً معاصراً في تقديم المساعدات الإنسانية في وقت الحرب عجزت عنه أكبر الدول في أبسط حروبها على مدى عصور، لم يقتصر دور الإمارات على تقديم المواد الأساسية للإنسان اليمني، إنما سطرت نموذجاً حياً في بناء الوطن والإنسان بالعمل على إعادة إحياء الحياة الاجتماعية والأمن من خلال بناء المدارس والمستشفيات، وحتى إعادة تأهيل القضاء ليسود العدل والقانون بلاد اليمن.
*- شيماء أبوبكر – باحث *مستشار وباحث في القانون الدولي
*- الخليج