مؤتمر جنيف, المزمع عقده قريبا بين الأطراف اليمنية المتصارعة بإشراف الأمم المتحدة ,لن يكون فقط من أجل وقف الحرب وانسحاب مليشيات الحوثي وصالح من المدن, وعودة حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الى سدة الحكم بصنعاء, بل سيكون للاتفاق على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 بكل بنوده, حسب ما يؤكده الجميع بمن فيهم الرافضين لهذا القرار, وهذا يعني فيما يعنيه مناقشة حاضر اليمن ومستقبله, كون هذا القرار حوى في طياته فقرات وبنود تتحدث عن ضرورة ما اسماه باستئناف عملية الانتقال السياسي في اليمن بمشاركة جميع الأطراف اليمنية وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، وآلية تنفيذها، وتنفيذ نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وما يهمنا في هذه التناولة المختصرة هو الشأن الجنوبي بهذا المؤتمر في ظل غياب وتغييب متعمد له ولقواه الفاعلة وثورته الشعبية المسلحة بعد ان تم تغييبه بمؤتمر حوار صنعاء والتآمر عليه بشكل فاضح بعدة صور وتزييف مطالبه- يطول التعرض لها بهذا الحيز الصغير-.
اليوم يتم تجاوز الجنوب في هذا المؤتمر المتوقع عقده في قادم الأيام القادمة وهو- أي الجنوب- الذي لعبت مقاومته الشعبية الدور الابرز بقلب الوقائع العسكرية على الارض - على الأقل في الجنوب-. لا يوجد ممثلا له في هذا المؤتمر, وحين نقول لا يوجد ممثلا له بهذا المؤتمر لا نقصد غياب العنصر الجنوبي كأشخاص, بل نقصد تغييب التمثيل الحقيقي للثورة الجنوبية بممثلين يحملون بصدق وبدون مخادعة وبخس المشروع الجنوبي التحرري الذي ينشده الجنوبيون أو لنقل السواد الأعظم منهم.
خطورة هذا التغييب لا يكمن فقط في اخماد الصوت الجنوبي وحجبه عن مسامع العالم وركله من فوق طاولة المكاسب ,بل في انتحال شخصيته بأصوات مزيفة ومنتحِلة’ لا تأبه ولا تقيم وزنا لقضيته الوطنية السياسية حتى وأن كانت هذه الأصوات جنوبية الانتماء, فمثل هذه العناصر سبق وأن شاهدنا كيف خذلت تيار (مؤتمر شعب الجنوب) المشارك بمؤتمر حوار صنعاء وباعت واشترت برفاقه بأبخس الاثمان لقاء مناصب وهمية وفتات موائد نتنة, وشرعت بعد أن عاد ممثلو مؤتمر شعب الجنوب بقيادة السيد محمد علي أحمد الى عدن في مواصلة انتحال الارادة الجنوبية والتقول باسمها ومسخ مطالب الجنوبية الحقة.
الجنوب اليوم سيتعرض لأكبر خسارة سياسية في تاريخيه المعاصر وفي هذه اللحظة المفصلية من مسيرته وسيعاد الى بيت الطاعة الوحدوي في صنعاء طوعا أو كرهاً أن جرت الأمور على هذا المنوال الذي يراد لها ان تسير فيه في ظل غياب نخبه وساسته الكبار وتفرق شملهم على عواصم العالم طلبا للتكسب والارتزاق, وتوهان نخبه وجماهيره بالداخل, بعد ان اختلط حابل المتربصين بنابل الانتهازيين. !
نقول ان الجنوب سيتعرض لهذه الخسارة لا قدر الله كون هذا المؤتمر (جنيف 2) سوف يكون هو الانطلاقة لترتيب الأوضاع السياسية باليمن وسيفرضه العالم بقوة الطيران والنار , سواء نجح مؤتمر جنيف2 أو أتى بعده جنيف 3 أو حتى 4, وسواء كان هذا المؤتمر غداً أو بعد غد ,في جنيف أو في صنعاء أو في أي مكانٍ بالعالم, فالقوى اليمنية ومن خلفها القوى الإقليمية والدولية قد عقدت العزم على مد الخوان لتأكل عليه لحم كل ضعيف وترتشف فوقه دماء كل ضحية, حسب ما تشير اليوم الدلائل على الواقع , حُسمتْ الأمور بالعمل العسكري أو غير العسكري, فالترتيبات السياسية لا مناص منها في تالي المطاف وخاتمة كل صراع.!
الركون على النصر العسكري الذي حققته المقاومة الجنوبي وثورتها الكبرى الحراك الجنوبي ليس كافيا, كون هذا النصر لن يكون ذو أهمية على المستقبل البعيد وحتى المتوسط أن لم يترجم الى نصر سياسي ومشروع جنوبي مستقبلي ,ولن تتم ترجمة وتحيل هذا النصر العسكري بدون تفعيل حقيقي للماكنة السياسية الجنوبية وعلاج مفاصلها المتيبسة ومغادرة مربع الاتكال على الغير, وضرورة الابتعاد عن سقم الانانية والارتزاق المادي واللهث وراء المناصب الهلامية .!
ونافلة في القول فقد كان الجنوب الى قبل الحرب الاخيرة يتسلح سياسيا ودبلوماسيا ولو بشكل معنوي بقراري مجلس الأمن الصادرين ابّان غزو الجنوب عام 1994م برقمي 924 و 931 كمدخل سياسي لفرض القضية الجنوبي على الساحة الجنوبية وإضفاء الجانب القانوني الدولي لها. لكن بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير 2216 هذا العام الذي يقول في أحد بنوده: (يؤكد مجلس الأمن في قراره على تمسكه بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه), فضلا عن ما أكد عليه هذا القرار من ان المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار التي تم تغييب الجنوب فيها تغييبا كاملا هي مرجعية أي تسوية باليمن.
وعلى ما تقدم ذكره يتضح جليا ان قرار مجلس الأمن رقم 2216 قد اسقط القرارات الصادة عام 1994م وأسقط معها بالتالي من يد الجنوب أهم سلاحه بالوغى الخارجي وسلبه حجة قانونية دولية كان يتكئ عليها خارجيا وداخليا ايضا. وهذا يعني بكل وضوح ان الجبهة السياسية الجنوبية قد أضحت لا شمسي ولا قمري, وعودٍ بلا وترِ, مكشوفة الظهر ضعيفة القدرة ان لم يسعفها مسعف ويقيل عثرتها باعتبارها اخطر جبهات النضال وأهمها . وهنا نسجل هذه الدعوة للكل للاضطلاع بمسؤوليتهم التاريخية الوطنية والاخلاقية والانتصار للجنوب ولقضيته بين الأمم, في زمن مخالب المصالح الدولية الناشبة , وأنياب التحالفات الاقليمية والعالمية المتوحشة .!
خاتمة من ديوان العرب:
(ولم أر في عيوب الناس شيئا× كنقص القادرين على التمام)