السلطان بن جعبل يسار وشخص لم نتمكن من معرفته ثو الشبخ محمد فريد العولقي في لندن مع وفد بريطاني - الصورة من شبوه برس
ظلت فترة الستينات من القرن الماضي مرحلة صراع حول تحديد نوعية الوضع السياسي الذي تكون عليه تشكيلة هذه المنطقة، حيث تصارعت تصورات وتصادمت أفكار، عمل كل اتجاه منها على فرض حدوده التي كان يرى بها الحل الاقليمي لما يجب أن يكون عليه وضع الجنوب العربي بعد 1967م.
وزير الدفاع وسلطان لحج فضل بن علي العبدلي ووزير الأمن الداخلي السلطان
صالح بن حسين بن جعبل سلطان العواذل في زيارة لأحد معسكرات جيش الليوي
وبما طرح من اجتهادات ذهنية منطلقة من حق الانتماء لهذا المكان، وبما جرى من أعمال حربية في ساحات الصدام، سعت من خلال كل هذا إلى تحديد نوع السلطة القادمة، ولم يكن العمل السياسي أو العسكري هو الذي انفرد بهذه الأحقية بل كانت الصحافة صاحبة رؤية ونهج في عملية تقرير المصير للجنوب العربي في ذلك الغليان المتصاعد والذي حدد مصير الجنوب بعد عام 1967م ولكنه لم يخلق أرضية تأسيس ثبات السلطة بفعل الانفلات عن الأصل السابق، وتلك أزمات وانهيارات يسقط بها العمل السياسي عندما تكون القيادة غير مدركة لحدود الهوية ومعنى الانتماء والعلاقة بين الجغرافي والسياسي.
كلنا بناة الاستقلال
طرحت صحيفة «صوت الجنوب» الصادرة في عام 1961م التابعة لحكومة اتحاد الجنوب العربي والتي كان رئيس تحريرها الكاتب المبدع والشخصية الاعلامية الخالدة أحمد شريف الرفاعي، الكثير من الآراء حول مصير الجنوب العربي سياسياً.
وفي العدد (2) السنة السادسة الصادر يوم الجمعة بتاريخ 16 سبتمبر 1966م الموافق 1 جماد ثاني 1386هـ جاء في باب الموقف السياسي:«من الذي يبني الجنوب العربي من يحمي استقلال الجنوب العربي ويحافظ عليه؟؟ إنه لمن المؤكد أن الجنوب العربي سوف يحصل على استقلاله خلال عام 1968م.
وعندما يحصل شعب من الشعوب على استقلاله، فإن معنى ذلك أنه خرج من طور كانت الايادي الاجنبية تتحكم فيه.. إلى طور جديد هو المتحكم والآمر في مختلف شؤونه.
والشعوب عندما تستعد لاستقلالها، لا يمكنها أن تقلل من قيمة الاستقلال، ونحن في الجنوب العربي مقبلون على الاستقلال، مقبلون على تطورات جديدة في واقع جديد وتجربة جديدة لبناء بلادنا .
وأرضنا الواسعة الغنية، بحاجة إلى أن نحافظ عليها محافظة تامة، محافظة لا تشوبها الشوائب، فكل قطاع من الشعب مسؤول عن حماية الاستقلال، فالمواطن في الخدمة المدنية هو ذلك الخادم الأمين الحارس لمصالح الشعب المنفذ لأوامره.
والموظف كونه يخدم الشعب يبقى بعيداً عن الأمور السياسية التي إن دخل في غمارها تعوقه عن سير واجباته وإذا ما تدخل الموظف في الأمور السياسية فإن كافة المصالح التي تخص الجمهور تتعرقل بسبب نزعات سياسية معينة قد تقف حائلاً دون تنفيذ الأمور. وبذا تتعقد المشاكل وتزداد تدهوراً وتعم الفوضى في الخدمة المدنية.
الموظف يجب أن يحمي مصالح الشعب وأن يكون خادماً له، درعاً واقياً لمستقبل بلاده بعيداً عن المصالح الذاتية.. عاملاً، مخلصاً، كفؤاً لأداء واجباته وطالما أدرك الموظف هذه الأمور فإن كل مصالح الشعب لن تكون معاقة. ومستقبل الجنوب العربي الإداري إذ يعتمد اعتماداً كلياً على الموظفين بصورة رئيسية، إلا أن مختلف فئات الشعب يجب أن تشترك اشتراكاً فعلياً في الحفاظ على المكاسب الوطنية التي يمكن أن تحقق في مختلف المجالات التطويرية في البلد.
إن الفئات المختلفة من شعبنا، تجاراً وعمالاً ومهنيين وحرفيين مسؤولون أدبياً على المحافظة على سلامة أرضنا وبلادنا والحفاظ بكل قوة، والوقوف يداً واحدة لتحقيق المكاسب الوطنية التي تعود بالخير والرفاهية على شعب الجنوب العربي.إن استقلالاً دون وحدة وطنية، ومشاعر موحدة لا يمكن أن يكون استقلالاً سليماً وقوياً ومدعوماً إذا كانت فئات الشعب منصرفة انصرافاً كلياً إلى المصالح الذاتية والمكاسب الشخصية أكثر من انصرافهم إلى الحفاظ محافظة تامة على المكاسب الوطنية التي تتحقق وتنفذ في سبيل المصلحة العامة.
نحن بحاجة إلى وحدة وطنية قوية متماسكة، وهذه الوحدة لا يمكن تحقيقها، إذا كانت مختلف الفئات الوطنية على أشكالها وتباينها لازالت مختلفة بعضها البعض، ولا يمكن أن يكون لنا استقلال حقيقي كامل ونحن مختلفون. إن على فئات الشعب أن تدرك بكل وعي أن الاختلاف ليس من المصلحة الوطنية، وأن مثل هذه الخلافات متى ما تعمقت فإنها تزيد الأمور تعقيداً أو تؤخر الوحدة الوطنية المنشودة. وحكومة اتحاد الجنوب العربي، قد رحبت وترحب دائماً بوحدة هذه القوى والجلوس على مائدة واحدة للتفاهم وحل المشاكل- إن كانت هناك مشاكل.
إن الحلول لا يمكن أن تفرض من قبل هذا وذاك ولكن الحلول السليمة، يمكن أن تأتي عن طريق تفاهم بين مختلف الفئات وعلى الجهات الوطنية أن تدرك أن مصلحة جنوبنا العربي فوق كل مصلحة، وعلى شعبنا أن يشارك في تحقيق هذه اللقاءات المنشودة التي سوف تؤدي إلى إصلاح الأمور المعقدة والتي متى ما انتهت فإن السلام سوف يعم أرضنا.
إن الاستقلال لا يمكن أن يكون مدعماً إذا كنا جميعاً لا نشترك في تدعيمه، وتقويته، فكل فرد من شعبنا، اليوم مسؤول عن بناء وطنه في مختلف النواحي. واقتصادنا الوطني، هو الأمر المهم، الذي يجعل كل فرد يفكر في تدعيمه وتقويته والاقتصاد المتين لن يتحقق إلا إذا فكرت رؤوس الأموال في استغلال أموالها في مختلف المشاريع التي تعود على الصالح العام بالرفاهية.
وأرضنا واسعة.. تحتاج إلى الأموال والاستغلال ومتى ما توفر عنصر المال لاستغلال هذه الأرض، فلن تكون لدينا بطالة.. ولن نكون بحاجة إلى غيرنا.. أرضنا هي أرضنا.. نحن بإمكانياتنا وأيادينا وسواعدنا سوف نستغلها ونزرعها خيراً يعود علينا جميعاً بالازدهار. ورؤوس الأموال الوطنية، يجب أن تعرف أن هذه الأرض متى ما استغلت الاستغلال الكامل.. النافع، فإنها سوف تدر عليهم الربح الوفير، خاصة إذا ما استطاعت رؤوس الأموال أن تستغل أموالها في الطرق الصحيحة لاستغلالها.
لا نريد أن نعتمد على أحد، يجب علينا أن نعمل على توفير الكفاية من الغذاء والملبس من خيرات أرضنا حتى نستطيع أن نبني وطناً مزدهراً.
وعلى مختلف فئات الشعب أن توحد الصفوف وأن تدرك أن العمل من أجل وحدة الهدف هو أمل الجميع وأن هذه الوحدة متى ما تم تحقيقها فإنها تكفل لنا العيش بسلام».
شهد الجنوب العربي في عام 1966م العديد من الأحداث، في شهر يناير يحدث الاتحاد بين منظمة التحرير مع الجبهة القومية ويكونان معاً جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل.. ولكن ذلك الاتحاد لم يستمر لأكثر من 6 شهور، بعد ذلك تقرر الجبهة القومية الانسحاب من جبهة التحرير، وفي نفس الشهر قدمت البعثة الدستورية مقترحاتها الدستورية إلى حكومة اتحاد الجنوب العربي.
شهر فبراير أعلنت بريطانيا في كتابها الأبيض عن خفض عدد قواتها فيما وراء البحار وتعلن عن انسحاب كل جنودها من عدن عندما يأتي عام الاستقلال والذي حدد في 1968م.
في مايو أرسلت حكومة الاتحاد بعثة إلى لندن تطلب منها الحماية لكيان حكومة اتحاد الجنوب العربي بعد الاستقلال، وفي يونيو أعلنت بريطانيا عن معونة قدرها 5 ملايين ونصف المليون جنيه استرليني من أجل توسيع قوات اتحاد الجنوب العربي، وعندما جاء شهر يوليو عمت عدن حوادث اغتيالات راح ضحيتها أطراف من الجبهة التحرير.. وأطراف أخرى من الجبهة القومية.
الجنوب العربي ليس جزءاً من اليمن
في تلك الفترة كان الجنوب العربي يسعى إلى وضع تصوره لكيانه السياسي القادم، بعيداً عن أية تجاوزات لواقعه، وظل يرى في مشروعه الآتي مرحلة جديدة من الانتقال في الهوية والانتماء التاريخي، أما الجانب اليمني فقد كان ينظر إليه كجزء من الجغرافيا الواحدة، لذلك وضع حق المطالبة به. وحول هذا الموضوع جاء في العدد (1) السنة السادسة من صحيفة «صوت الجنوب» الصادر يوم الجمعة بتاريخ 9 سبتمبر 1966 م الموافق 24 جماد أول 1386هـ في باب الموقف السياسي هذا الرأي:«الدعايات التي يشنها الجمهوريون اليمنيون بادعاءاتهم بيمنية الجنوب العربي.. هذه الدعايات باطلة لا أساس لها. فإن شعب الجنوب العربي لا يمكنه أن يقبل بيمنية المنطقة. ولن يرضى بالتبعية لأي دولة خارجية.. إن المحاولات اليائسة التي يقوم بها النظام الجمهوري في اليمن لجعل الجنوب العربي تابعاً لهذا النظام، هذه المحاولات قد باءت بالفشل منذ أن نودي بها.
على حكام اليمن أن يعرفوا أن شعب الجنوب العربي لا يقبل بالتبعية.. إننا لا نريد أن نكون تابعين لهم.. نأتمر بأوامرهم، ننفذها كيفما شاءوا وحسبما يريدون.
نحن شعب عربي.. وجد منذ التاريخ، شعب له مقوماته التاريخية.. شعب له تاريخ حافل بالأمجاد، إن المنطق والعقل يدحضان كل الأقوال والمؤامرات التي يحيكها الجمهوريون اليمنيون في محاولاتهم بالادعاء بأن الجنوب العربي جنوب يمني استولى عليه البريطانيون.
لو درس اليمنيون التاريخ الذي يثبت أنه لم يخضع لحكام اليمن حاكم في الجنوب العربي، سيجدون أن كل الحملات التي قام بها حكام اليمن منذ القدم لضم أجزاء الجنوب العربي إليه، وإخضاع حكامه باءت بالفشل الذريع فقد كان الحكام يردون اليمنيين على أعقابهم كلما حاولوا أن يخضعوا حاكماً من الحكام وكانت القبائل العربية الشجاعة تقف بكل قوتها تدحض هذه الأباطيل وترد الغزاة إلى خنادقهم ليحتموا بها من نيرانهم، وهكذا على مر الزمن لم يستطع اليمنيون إخضاع حكام وقبائل الجنوب العربي تحت إمرتهم.
لقد لاقى اليمنيون في كل محاولاتهم رجالاً أشداء يأبون أن يكونوا تابعين ففشلوا في غزواتهم وعادوا مدحورين، ومهما حاول المندوب اليمني في هيئة الأمم المتحدة أن يصور أن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ليست مشكلة، لأنه متى ما يتم تنفيذها في نظره ورحيل البريطانيين فإن الجنوب العربي سيكون تابعاً لليمن بصورة تلقائية. هكذا يفكر المندوب اليمني ونسي هذا المندوب أن الأمم المتحدة لا تعترف بالتبعية ولا تعترف بأي حق لليمن في هذه المنطقة، بقدر ما تعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
إن الأمم المتحدة تعترف بوجود الجنوب العربي، وقد دلت قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالجنوب العربي على تأكيد ذلك، والأمم المتحدة لم تقبل ادعاء اليمن بملكية الجنوب العربي ولن تقبل بهذا القول مستقبلاً. ومثلما فشل عبدالكريم قاسم بمطالبته بالكويت وادعاءاته الجنونية أن الكويت أرض عراقية سوف تفشل أية مطالبة من اليمن بالجنوب العربي كجزء من اليمن.. ذلك لأننا لسنا أتباعاً، وإنما أحرار نحكم أنفسنا بأنفسنا دون تسلط خارجي. ومثلما وقفت الأمم المتحدة كلها في وجه عبدالكريم قاسم في مطالبته بالكويت فإنها سوف تقف في وجه اليمن.. تشجب بكل قوة ادعاءاتها وأكاذيبها التي لا تستند إلى حقائق خاصة وأن شعب الجنوب العربي مصمم على الاستقلال وحق تقرير مصيره دون تدخل خارجي.
يجب أن يعرف اليمنيون أن الرئيس عبدالناصر لم يقل إن السودان مصرية، مثلما كان فاروق يدعى بذلك، بل أن عبدالناصر أعطى الحق للسودانيين في تقرير مصيرهم. وهاهي السودان الشقيقة اليوم دولة لها شأن في المواقف الدولية. إننا جنوب عربي لا جنوب يمني، أرضنا واسعة والحمد لله. فمساحتها أوسع من اليمن نفسها.
إننا شعب عربي في جنوب عربي، يطمح إلى الحرية وتقرير المصير. وهذا ما قرره الشعب وما أعلنت عنه حكومة اتحاد الجنوب العربي في موافقتها على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وقد كانت من نتيجة ضغط حكومة الاتحاد على الحكومة البريطانية وتمسك الاتحاد بتنفيذ هذه القرارات.. والضغط القوي الذي مارسته الحكومة الاتحادية على الحكومة البريطانية.. أن اضطرت الحكومة البريطانية إلى إعلان موافقتها على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وإن هي أبدت بعض التحفظات الشكلية إلا أن هذه التحفظات لم تقف عائقاً لتشكيل البعثة المقترحة. نحن اليوم مقبلون على تقرير مصيرنا فعلى اليمن وغيرها من الدول أن تعرف ذلك.. وأن تقف إلى جانبنا وتدعم قضيتنا وتساندنا.يجب أن يعرف اليمنيون أننا لسنا جنوباً يمنياً ولكننا واليمن جزء من الأمة العربية فليفهم اليمنيون هذا الكلام».
أسئلة في البرلمان البريطاني حول الجنوب العربي
في تاريخ 9 نوفمبر عام 1966م طرحت عدة أسئلة في البرلمان البريطاني حول حق تقرير المصير للجنوب العربي، وقد تقدم المستر بيجزد يفيسن العضو البرلماني بسؤال يوم الاثنين من ذلك التاريخ على المستر جورج براون في مجلس العموم البريطاني عما إذا كان سيذكر الإجراءات التي يتوقع أن يتخذها حيال المحافظة على الأمن وسيادة الجنوب العربي بعد منحه الاستقلال. وكان رد المستر براون:
«عندما ينال الجنوب العربي استقلاله فإنه سيصبح كأي بلد يتمتع بسيادته، حراً باتخاذ أية تدابير للدفاع عن نفسه بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة أما في الوقت الراهن فإن الحكومة البريطانية تمنح اتحاد الجنوب العربي مبالغ كافية كمساعدات إضافية لتقوية قواتها المسلحة وإعدادها إعداداً كاملاً للدفاع عن المنطقة تمهيداً لنيل المنطقة الاستقلال».
كذلك وجه السير اليك دوجلاس هيوم سؤالاً إلى المستر براون: ألا يعترف العضو المحترم بأن الحل لاستتباب الأمن في الجنوب العربي يكمن في إنشاء سلاح جوي فعال للجنوب العربي حيث يمكنه العمل بكل حرية والقيام بالدفاع عنه وأنه من المستحيل خلق قوة جوية قبل عام 1968م وهو الموعد الذي حددته الحكومة للانسحاب والتخلي عن المنطقة فهل يمكن للعضو المحترم أن يمد الموعد لغرض وضع بعثة لتدريب قوات اتحاد الجنوب العربي هناك. وجاء رد المستر بروان «كلا ياسيدي إن من الأصوب وهذا يجب الدفاع عنه أن يمنح الاستقلال في مثل هذه الحالات بأسرع وقت ممكن. ونعتقد أن عام 1968م هو الموعد الأصح لمنح الاستقلال للمنطقة وأنه لا ينبغي أن نشجع أية آراء تدعو إلى تغيير موعد الاستقلال. أما في الوقت الراهن فإن من واجبنا أن نقدم جل مساعداتنا وإلى أقصى حد ممكن لشعب الجنوب العربي لتمكينه من الوقوف بأقدامه بعد الاستقلال.
إن المعونة التي نقدمها في الوقت الراهن هي معونة كافية أكثر بكثير من تلك التي كنا نقدمها لمساعدة شعب الجنوب العربي لبناء قواته التي ستشمل إنشاء مؤسسات جوية يمكنها من القيام بواجباتها إلى أقصى ما تستطيع».
*- عن/ «الأيام» كتبه نجمي عبدالمجيد
السلطان فضل بن علي العبدلي سلطان سلطنة لحج