بن فريد .. المواطن الحضرمي الأول

2013-01-29 18:40

بقلم/ سالم عمر مسهور - بوعمر

 

توضيح

نشر هذا المقال  في تاريخ 31 مارس 2010م في زمن آخر كان الضباب في موسمه العاصف ، والآن وقد تجلى ما تجلى من ذاك الضباب نعيد النشر لذات المقال تقديراً وتثميناً للأستاذ النجيب أحمد عمر بن فريد حيث كان على هذه الأرض ، وغداً أو بعد غد نجتمع على أرض الوطن جنباً بجنب ننشد نشيدنا الوطني ، واليد باليد والوطن واحد ..

 

وإلى بن فريد .. حضرموت الدولة

 

مدخل

و الله لـو مارميت السلب من زمن ***مـابـظني يخالف ميزري النبوت

فـارقـتهم والدمع من عيوني سبل ***والـتـذكـار في خاطري لم يزل

يـاريـت لي عندهم كِن ولا محل ***يـكفل الراس لو حتى ثنعشر فوت

شوقي إلى الغنّا مدينة حضرموت

ــ حسين أبو بكر المحضار ــ

قالوا ..

الريادة الاجتماعية ليست مكاسب ومغانم وجلوساً في الصفوف الأولى، إنها قبل ذلك غيرة وحرقة على كرامة الأمة ومستقبل الأوطان ـ د . عبدالكريم بكار ـ

 

تعقيب الأستاذ أحمد عمر بن فريد مارس 2010 والذي جاء نصاً :

(  أخي العزيز / أبو عمر ): في الواقع ان جزء كبير مما يعانيه الجنوب بشكل عام , وخاصة وضعية الاحتلال الحالية التي نعيشها حاليا , تعود في جزء كبير منها إلى إنكارنا في الجنوب للقيمة الكبيرة التي تمثلها حضرموت كهوية وتاريخ وثقافة ... وفي نظري أن الجنوب يتمحور حول حضرموت في الأساس في السياق التاريخي , وعيبنا إننا فيما سبق قد أنكرنا ذلك بفعل عوامل كثيرة ربما كانت خارجه عن إرادة الفكر الوطني الجنوبي .. وفي ظني أيضا إننا إذا ما أردنا لدولة الجنوب القادمة النجاح والانطلاق نحو المدنية والتقدم والاستقرار فإنها يجب أن تتمحور حول حضرموت وليس العكس كما حصل في الماضي ... مع كامل أسفنا لجميع الفعل السياسي الذي تجنى على حضرموت كما هي حضرموت التي تعرف نفسها ويعرفها التاريخ ويعرفها العالم اجمع, مع تأكيدي أن ما طرحته هنا بشكل عاجل ومختصر ... سيكون لي فيه – إن شاء الله - كتابات تفصيلية 

 

لهذا التعقيب من الشخصية الوطنية الجنوبية البارزة في أدق تفصيلات الوطن الجنوبي العربي كان المدخل لمقالنا هذا ، فلقد ظننا لفترة أننا لن نحظى بشيء من الالتفات لمفاهيم وأطروحات لطالما كانت في مجملها محملة برسائل منها ما تم تلغيمه ، ومنها ما تم إرساله على حاله ، أما أن يحتمل التعقيب أعلاه كل هذه الجرأة والشجاعة فأن للمسألة في جملتها حضور نسأل الله أن يعين وأن يسدد .

 

*** *** ***

أتذكر بأن حواراً جاداً دار في ثنايا عام 2004م مع واحدة من أهم القيادات التاريخية للجنوب العربي على صفحات موقع ( ملتقى حضرموت للحوار العربي ) فجرت مناقشة مطولة حول إعلان السيد / علي سالم البيض فك الارتباط السياسي أبان حرب صيف العام 1994م ، وأن السيد / البيض قد فوت لحظة تاريخية ، حيث أن إعلان فك الارتباط كان سيكون موفقاً لو أعلن عن قيام دولة الجنوب العربي أو دولة حضرموت من المهرة إلى باب المندب استدراكا لخطأ تاريخي جسيم وقع زمن ما يسمى الاستقلال في العام 1967م وما تبعه من شطحات سياسية مازلنا نعاني من تبعاتها ...

 

فحضرموت التي دفعت ثمناً باهظاً نتيجة خطيئة تاريخية وقعت منذ نوفمبر 1967م في مساحة من السوء تقديراً وفهماً ومنطقاً فتحويل حضرموت بعمقها الحضاري والتاريخي إلى مجرد محافظة تحمل الرقم خمسة ، والاندفاع إليها من باب التنكيل بحضارتها –ولا شك أن إلغاء المسمى عداء تجاه الحضارة- ورموزها العلمية والقبلية أدى في حقيقته إلى تحويل حضرموت من مصدر إشعاع عالمي للحضارة إلى واقع الجمود ، وبأسلوب آخر يمكن تشبيه ما حدث للحضارة الحضرمية بأنه عملية تحنيط قامت بها عناصر لم تدرك آنذاك حجم حضرموت وقدراتها وإمكانياتها سواء الفكرية أو غيرها ...

 

تلك كانت حضرموت التي وضع فيها المناضل عمر سالم باعباد يرحمه الله أول دستور وطني في شبه الجزيرة العربية كلها سقطت برغم النوايا الحسنة عند نخبها تجاه الأفكار التحررية القادمة من عدن ، وما أشبه اليوم بالبارحة ، ففي حين قاد شيخان الحبشي مشروع " الجنوب العربي " ها هي حضرموت اليوم تنطلق من ذات المنهجية ، وكما حدثت في غيل باوزير أول حالة اعتصام طلابية في المدرسة الوسطى أوائل الستينيات الميلادية من القرن العشرين الماضي ها هي غيل باوزير تستعيد ذاتها من خلال التظاهرات والإعتصامات الطلابية ، ولك أن تسأل السيد البيض عن تلك الحادثة التي وقعت في المدرسة الوسطى فهو أحد طلابها ومازالت جدرانها تحتفظ باسمه إلى جانب المئات من أبناء حضرموت والجنوب العربي وجزيرة العرب كلها ...

 

 

ما بين 1967م وحتى 1990م تحولت حضرموت إلى أكبر معتقل بشري عرفته الكرة الأرضية ، لم يبغض الحضارمة في كل أجيالهم أحد كما هم يبغضون من جاءوا إليها ليجعلوا منها سجناً بعد أن عذب أهلها ، وشرد ناسها ، وسحل علمائها ، أطفأت حضرموت عندما دخلها كما قالها لفظاً المناضل عبدالله الجابري (السفلة والرعاع) تلكم مرحلة تاريخية لا يمكن أن يتجاوزها حضرمي في أي جيل من الأجيال لأنها تمثل الفهم العميق لواقع حضرموت اليوم ...

 

من مزايا الحضرمي وخصاله قدرته في استحضار المرحلة والتكيف معها ، ما بعد 22 مايو 1990م قدم اليمنيين بكل ما فيهم من غباء وحماقة وجهالة لحضرموت ما افتقدته على مدار ثلاثة عقود من الزمن ، قدم اليمنيين لحضرموت هويتها التي صودرت ، والتي وقعت تحت مخالب الفتك بها ، أبناء حضرموت استعادوا خلال زمن حكم نظام صنعاء هذه الهوية المسلوبة بل المجروحة ، لذلك استعدنا معشر الحضارمة ذاتنا من خلال أدوات الزمن الحاضر فخرجنا من وراء المتاريس لنصنع من باب ( ملتقى حضرموت للحوار العربي ) ثورة فكرية حضارية ها هي اليوم واقع حاضر في زمن الرغبة صوب حرية الجنوب العربي ...

 

في ثورة عام 1997م بعاصمة حضرموت المكلا كانت حضرموت هي المشعل المحمول بقبضات الرجال والشبان الذين زلزلوا المكلا في كل أنحائها ، وسل ها هنا المناضل الجسور حسن باعوم عن تلكم الأيام المشهودة عندما كانت بقية المحافظات تغط في سبات عميق ، هل من مساحة شاغرة تأتي ها هنا فقط ليدرك منّ يلوي عنق التاريخ الحقيقي ، كيف نجح في امتحان الأوطان من وضعوا لبنات البيت ورفعوا السقف إلى منتهاه ..؟؟ ، منّ وضع المطالب السياسية قبلاً أليس هم الحضارمة ...؟؟

 

كم نحن بحاجة ماسة اليوم إلى وقفات أكثر جدية وحزماً تجاه من يصادر الأوطان والتضحيات وحتى المنجزات ، هذه الواقعية في التفكير هي مسألة تعزز اللحمة الوطنية الجنوبية العربية في واقعها الحاضر ، أليس من سلامة الموقف المصالحة مع تاريخنا حتى وإن كان أشد سواداً من السواد ذاته ..؟؟ ، أليس من المنهجية السوية أن ترسل القيادة السياسية لهذا الحضرمي رسائل متوالية تشعره بحضوره في هذا التجلي العام ..؟؟ ، أليس من حق الحضارمة أن يجدوا من قيادة الجنوب العربي في منفاها حديثاً عن أسف لماضٍ قاتم منه يمكن أن تطوى صفحة بغيضة من تاريخنا ...

 

هوية حضرموت هي سلاح (جنوبي عربي) يمكن من خلاله البناء نحو مستقبل مغاير متى ما تملك المجافون شيئاً في الإرادة التاريخية الملحمية ، تلكم الهوية التي أنجزت في المهاجر العديدة ما يدونه التاريخ ، ويستعصي على المفكرين والمحللين أن يضعوه في غير موضعه الذي لا يكون بغير الصدارة ، وحتى عدن نفسها تشهد للحضارمة إبان زمن الاستعمار البريطاني ...

 

ندرك ككتاب حضارمة في هذا الخضم الهائل أن علينا مسؤولية نحن جديرون بها ، ندرك بأن مسؤوليتنا الأولى ليست غير القتال على ثغور حضرموت لأن لا تعاد إلى زمن الجهل والتخلف ، وندرك أن المشروع الجنوبي العربي هو مرحلة سياسية لابد من الذهاب إليها ، بل الدفع نحوها وأن التحرير والاستقلال للجنوب العربي هو غاية , ولكن تبقى حضرموت خطاً أحمراً سنتمترس أمامها ولن نسمح بأن تساق مجددا إلى الزنزانة رقم خمسة ، بل سنصحح مسار التاريخ معاً وفق مشاريع تقوم على احترام الآخر ، والانسجام مع ثقافة الآخر ، والأخذ بالآخر ، والأخذ من الآخر ، فهذه هي طريقتنا وبها ساد أسلافنا الحضارمة في المهاجر ، وبهذا سنسود بأذن من خلق حضرموت ببحرها وسمائها وجبالها وسهولها وبشرها وطينها ...

 

وإلى السيد البيض .. مرة أخرى

فك بابك لا تقلد