اسباب فشل الوحدة اليمنية .. الغزو اليمني للجنوب عام 1090 هـ (الحلقة الثانية)

2015-07-29 20:36
اسباب فشل الوحدة اليمنية .. الغزو اليمني للجنوب عام 1090 هـ (الحلقة الثانية)

صورة تعبير لرجل من مواطني الدولة الكثيرية يؤدي الصلاة في صحراء حضرموت

شبوة برس- خاص - عتق - الصعيد - شبوه

 

بعد انسحاب الأتراك من اليمن عام 1045هـ - 1635م استفحل العداء بين اليمن والجنوب العربي  بسبب الغزو الزيدي الذي تم في عهد امام الدولة القاسمية المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم بحجة مناصرة السلطان الكثيري بدر بن عمر الذي عزله ابن أخيه بدر بن عبدالله بن عمر عن السلطنة عام 1058هـ - 1648م !!

 

 وتجلت نصرة السلطان الكثيري الى غزو شامل لأراضي سلطنات وامارات الجنوب العربي بكاملها ومن ثم احكم سيطرته عليها منذ عام 1090هـ.

 

وقد ظلت الحرب مستعرة بين امراء الجنوب والائمة لمدة تزيد عن مائة عام الا انهم تمكنوا من طرد الزيود عام 1145هـ -1728م من آخر المناطق مثل: لحج وعدن التي احتلها الانجليز عام 1839م .

 

كما استقلت  امارات الجنوب العربي عن اليمن نهائيا حتى مجيء الامام يحيى بن محمد حميد الدين عام 1918م الذي عاد للغزو وتم له السيطرة على سلطنة آل الرصاص في البيضاء.

 

كما عقد الامام يحيى اتفاقية صداقة وتعاون في 11 فبراير عام 1934م تقضي المادة الثالثة منها بأن (يؤجل البحث في مسألة الحدود الجنوبية اليمنية)

وهذا يعني تفويت الفرصة على اليمن للمطالبة بها متفرقة!!

ويعد ذلك تنازلا عنها واسقاطاً للمطالبة بها التي كان يدعيها الأئمة الزيود!!

 

وقد استمرت حالة العداء بين اليمن والجنوب العربي في الفترة من عام 1625 هـ حتى استقلال الجنوب العربي عن بريطانيا عام 1967م.

وسبب العداء بين الطرفين هو محاولات اطماع تاريخية متكررة من حكام اليمن للسيطرة على الجنوب العربي الذي كانت قائمة فيه اكثر من 20 سلطنة وامارة مما اضعفها أمام اليمن لعدم وجود قائد واحد يجمع شملها!!

بالإضافة الى ان حالة العداء المزمنة بين اليمن والجنوب العربي لها جذور تاريخية قديمة بسبب الخلاف في الجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد.

 

فسكان اليمن هم من سكان الجبال ويعتمدون على الرعي والزراعة والارتزاق في الحروب مع أي جهة كانت كمحاربين مستأجرين لمن يدفع لهم المال !!

 

وسكان الجنوب معظمهم يعيش في السهول والهضاب والسواحل الذي يعتمد بعض سكانه فقط على صيد الأسماك والتجارة والرعي والقليل منهم كمحاربين أشداء كالقبائل في المشرق !!

 

وهذا الاختلاف في النشاط الاقتصادي شكل اختلافا في الأعراف والثقافة الشعبية مثل:

النهب والسلب والغدر في عرف قبائل شمال الشمال يعتبر رجولة وقوة وبطولة وغنيمة كقطع الطريق وسلب المسافرين وقتل الأبرياء ونهب ممتلكاتهم تعد في ثقافتهم عملا مشروعا من حق القوي أن يفرضه على من هو أضعف منه !!

 

بينما مثل تلك الأمور في الجنوب تعتبر سرقة وعملا خسيساً ودناءة وعيبا وغدرا يستنكره أهل الجنوب العربي !!

 

وعندما جاء الإمام الشافعي الى اليمن عام 169هـ، انتشر مذهبه في اليمن ثم دخل الى اليمن مذهب الاسماعيلية والزيدية الشيعيان.!!

 

وقد دخل الأول عن طريق منصور بن حسن الحوشبي وعلي بن الفضل الحميري، والثاني عن طريق الامام الهادي بن يحيى الحسين، وأدى دخول هذه المذاهب الى صراعات دينية سياسية فيما بينها !!

 

وقد انتهت الاسماعيلية كدولة بوفاة الملكة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي عام 532هـ، وقد بقيت الاسماعيلية حتى اليوم في حراز ويريم وصعدة.

اما الزيدية فقد قام مؤسسها الامام الهادي بشن الحروب من صعدة معقله الرئيسي على الامارات المجاورة لها مثل بني الضحاك وآل يعفر، ثم انتشرت الزيدية من صعدة حتى ذمار بسبب هجرة السادة الى تلك المناطق!!

 

والخلاف بين الزيدية والشافعية ان الاولى تدعي ان السلطة يجب ان تكون محصورة في آل البيت بينما الشافعية يرون ان من حق جماعة المسلمين مبايعة الحاكم الذي تتوفر فيه الكفاءة وليس شرطا أن يكون من آل البيت !!

 

اما الزيدية فقد اضطهدوا السنة والشوافع وكفروهم واستباحوا ارضهم وفرضوا عليهم الخراج منذ عام 1045هــ، كما فرض الأئمة الزيود عبارة  :"حي على خير العمل" في الأذان!!

 

وعندما قاموا بغزو الجنوب العربي حاولوا نشر مذهبهم في حضرموت  بشتى الوسائل،  ومحاولة الأذان على طريقتهم في مسجد نصاب ومنعهم السلطان العولقي من ذلك وهم في طريقهم الى حضرموت!!

 

وهناك اختلاف في القيم والعادات والتقاليد والمزاج العام بين الزيود والشوافع الذين هم  اكثر قابلية للتفاعل مع المتغيرات ومنفتحون على علوم العصر وافكاره!

 

اما الزيود فيتبعون عقيدة التقية الشيعية افرادا ودولة والتي تقضي باختلاف الظاهر والباطن ويرفضون التغيير ولديهم هواجس الريبة والشكوك تجاه الآخرين، وقد ذكر السيد مصطفى سالم في كتابه "الفتح العثماني الأول" ما يلي:

"القبيلي يتصف بشدة حذره من كل ما هو اجنبي عن قبيلته وتعصبه لجماعته وتعلقه بعادات قبيلته وبتقاليدها وبخضوعه لرئيس قبيلته خضوعا شديدا..

 

ان الجبلي عرف بالنحافة وكثرة الحركة وشدة الحيوية كما اتصف بالذكاء والحذر من الغرباء والشكك فيهم"

وهناك خلافات في المزاج ففي مناطق شمال الشمال من اليمن هناك في مركب الشخصية الفضاضة وحدة المزاج بينما الوداعة والمسالمة واللين لدى سكان الجنوب!!

كما يتخذ الطابع الثأري الصدارة في الحروب القبلية واثناء النزاعات في شرق وشمال اليمن وينتشر بكثرة عما هو في المناطق الساحلية وحضرموت مثلا!!

 

كما يمتاز الجنوبيون بالامتثال للنظام والقانون وهذا دليل وعيهم ومرونتهم وتسامحهم !!

ومن ناحية الأزياء هناك اختلاف كبير اضافة الى حمل الأسلحة النارية والبيضاء وهي تعكس الموروث القبلي العدواني والحضاري المسالم!!

كما ان هناك اختلافات جوهرية في مفردات اللهجة الشعبية بين اهل الشمال والجنوب العربي وهي تعكس نظرة الطرفين للحياة والتعايش!!

 

وتوجد فوارق شاسعة في الممارسة اليومية للحياة والاختلاط بالمجتمعات للمهاجرين وخاصة في دول الخليج العربي حيث يمتثل الجنوبيون للأنظمة والعادات السائدة في تلك الدول الشقيقة وينسجمون في الحياة اليومية ويتعايشون مع نسيجها الاجتماعي من خلال الحرص على اكتساب السمعة الطيبة واشاعة روح الاخاء والمحبة .. بينما نجد ان الذين ينحدرون  من مناطق الشمال لا يأبهون لبناء علاقات فيها سوى للمصالح الخاصة!!!

 

ولهم بعض الممارسات التي تقلل من احترامهم كالشحاذة في المساجد واعمال التهريب والتسلل عبر الحدود بصورة غير نظامية.. وأعمال السطو والسرقة والجرائم الأخلاقية التي تؤدي بهم الى السجون في تلك البلدان!!!

 

 بينما نجد الجنوبيون يأنفون من ممارسة تلك الأعمال المشينة التي تدمر السمعة والمكانة الاجتماعية ، واذا وقع أحدهم في مثل تلك الحالات وهي حالات نادرة فانه يواجه رفضا واستهجانا من المجتمع الجنوبي ويلفظه المجتمع !!

 

والى اللقاء في الحلقة الثالثة

 

* بقلم : د علوي عمر بن فريد العولقي

* للإطلاع على الحلقة السابقة : أضغــــــط هنـــــا