عندما أعلن مستشار مكتب وزير الدفاع السعودي والمتحدث باسم قيادة التحالف العربي العميد أحمد عسيري عن انتقال العمليات من «عاصفة الحزم» إلى «إعادة الأمل» أصيب الكثيرون بالدهشة وعجزوا عن تفسير هذا الانتقال في العملية التي تحددت في ستة إطارات رئيسية، هي:
1- سرعة استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن رقم (2216) والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل.
2- استمرار حماية المدنيين اليمنيين.
3- استمرار مكافحة الإرهاب.
4- الاستمرار في تيسير إجلاء الرعايا الأجانب وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني في المناطق المتضررة وإفساح المجال للجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية.
5- التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للمليشيات الحوثية ومن تحالف معها، وعدم تمكينها من استخدام الأسلحة المنهوبة من المعسكرات أو المهربة من الخارج.
6- إيجاد تعاون دولي -من خلال البناء على الجهود المستمرة للحلفاء- لمنع وصول الأسلحة جواً وبحراً إلى المليشيات الحوثية وحليفهم علي عبدالله صالح من خلال المراقبة والتفتيش الدقيقين.
كانت المنهجية لعملية «إعادة الأمل» تمثل الشخصية السعودية الرائدة في السمو الإنساني المتوافق مع مكانة المملكة العربية السعودية الدينية وما يجب عليها أن تقوم من واجبات تجاه القضايا الإنسانية وإسهامها في تخفيف المعاناة عن الشعوب التي تضررت جراء الحروب والكوارث الطبيعية، وهذه السمة التي اتسمت بها السعودية وأصبحت علامة من علامات البذل السخي للتخفيف من معاناة الناس، وهذا ما جُبل عليه حكام البلاد السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-.
الحالة اليمنية تبدو أنموذجاً يحتاج إلى كثير من الاستجلاب لتفهم المعنى العسكري والإنساني ثم السياسي، فالسعودية تدرك أن اليمن هي جزء من الجزيرة العربية التي لا يمكن لها أن تتجزأ فهذه الكتلة الجغرافية الكبيرة بكل ما فيها من تباينات هي الواقع الكامل الذي يرفض أن تتجزأ هذه المنظومة لذلك جاءت عملية «إعادة الأمل» تحمل شكلاً ومضموناً غير معتاد في الحروب بوضع إستراتيجية تعتني بالبناء والإحاطة بالأثر الإنساني الناتج عن الحرب.
تقدر الأسر النازحة من مدينة عدن وحدها بنحو ثمانين ألف أسرة وصلوا فعلياً إلى حضرموت، وحيث إن منظمات المجتمع المدني في حضرموت كانت على مدار سنوات ماضية تؤهل كوادرها في أعمال الإغاثة والتطوع فلقد نجحت هذه المنظمات المدنية في احتواء أكثر من مائتين وخمسين ألف نازح من عدن وتوزعوا على مدن حضرموت المختلفة، وقامت العديد من المؤسسات الأهلية كمؤسسة الأمل التي وفرت المواد الغذائية والبرامج الصحية للمحتاجين من النازحين وغيرهم عبر التنسيق مع مركز الملك سلمان للإغاثة بإيصال المساعدات الإنسانية للنازحين داخل حضرموت.
غير أن ظروف الحرب التي مارست فيها مليشيات الحوثي أبشع الجرائم وعمدت إلى قطع التيار الكهربائي أجبر الكثيرين لمحاولة اللجوء للمملكة العربية السعودية عبر المنفذ الوحيد لليمن مع الخارج مما أدى إلى تكدس عشرات الآلاف من العالقين، خاصة أن الأمر الملكي بتصحيح وضع الجالية اليمنية دفع بالناس لمحاولة الاستفادة من الأمر السامي، فجاء الارتباك على المنفذ الحدودي ليضع المملكة العربية السعودية أمام تحدٍ جديد بتوفير الكميات اللازمة من وجبات الإفطار والسحور والمياه والعصيرات عبر عدد من الجمعيات الأهلية ومركز الملك سلمان للإغاثة الذي اعتمد على جمعية روافد الإنسانية في الداخل اليمني.
إستراتيجية مركز الملك سلمان للإغاثة هي واسعة كما ذكر ذلك الدكتور عبدالله الربيعة، فأعمال الإغاثة هي جزء من نظام المملكة للدول والشعوب، الواجب الكبير تجاه الإنسانية الذي تتحمله المملكة بحكم موقعها وريادتها هو الذي كان وراء هذا المركز الذي خصصت له المبالغ الكبيرة من أجل أن يسهم في دور المملكة عبر عمل مؤسسي يخضع للرقابة ويشرف عليه المختصون ويستقطب المتطوعين والجمعيات والمؤسسات الخيرية ويسهم بشكل مباشر في أن تقدم المملكة العربية السعودية واجبها الإغاثي وإسهامها بشكل يوازي المكانة السعودية.
يتطلع أبناء عدن ولحج والضالع وشبوة وتعز إلى ما يؤدي إلى تخفيف من واقعهم الصعب الذي فرضته عليهم المليشيات الحوثية وحليفهم المخلوع صالح، فحمى الضنك فتك بالآلاف، وبلغ عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية في عدن وحدها 180 ألفاً، وعدد الجرحى من العدوان تجاوز الستة آلاف مصاب، هذا في عدن وتتضاعف الأرقام عندما تضاف أرقام النازحين إلى جيبوتي فهناك أناس تقطعت بهم السبل إلا مما يقدمه لهم مركز الملك سلمان من خيام وغذاء في ظل غياب هيئة الأمم المتحدة بل وصمتها حيال انتهاكات الحوثيين وضربهم ميناء الزيت في عدن وهو المنفذ البحري الوحيد الممكن إيصال المساعدات الإنسانية إلى عدن، كما أن تحويل المساعدات إلى ميناء الحديدة وبيع المشتقات النفطية لتغطية نفقات الحرب هي جرائم كبيرة لا بد للأمم المتحدة أن تواجهها.
* الجزيرة