أكتب بعد ساعات قليلة من جريمة مروعة عرفتها مدينة عدن عندما شهدت فجر الأربعاء الأول من يوليو 2015م مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من سبعة عشر شهيداً في لحظة واحدة، إثر عمليات قصف مستمرة على أحياء مدينة عدن التي ما زالت وستبقى على ذات ما عاهدت عليه الملك سلمان بن عبدالعزيز صامدة ولن تسقط كما سقطت غيرها من مدن صنعاء وعمران والحديدة والجوف وحجه. هنا عدن.. عهد صدق لملك حزم وعزم ونصر مظفر..
تحدث هذه المجزرة البشعة والمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد في العاصمة الرياض التقى الدكتور عبداللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما أنه التقى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وما زال المبعوث الأممي أكثر المتفائلين بإيجاد حل سياسي عبر انتهاج طريق لا تبدو مؤدية إلى حل ممكن مع جماعة تمردت على الدولة والتاريخ والأخلاق وباتت تمارس القتل والحصار من أجل إخضاع عدن وهزيمتها.
تجود الأمم المتحدة سخاءً بتوزيعها للقهر على عدن ولحج والضالع وغيرها من المدن التي صمدت وتصمد في وجه الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح، فالأمم المتحدة التي لم ترسل لمدينة عدن سفينة إغاثة واحدة منذ بدء حصارها قبل مائة يوم، هي ذاتها الأمم المتحدة التي لم تصدر بياناً تستنكر فيه قصف مصافي الزيت في عدن، والقصف العشوائي الذي يطال السكان المدنيين. لم تعد عدن بحاجة إلى بيان رخيص كهذا لا يحمل إنصافاً لإنسانية منتهكة على مرأى ومسمع من مبعوث الأمم المتحدة الذي ما زال يستميت في إلباس المتمردين الحوثيين صبغة سياسية لعلهم بها يكونون شريكاً سياسياً في اليمن.
طرح المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبادرة من نقاط سبع، ومن المفارقة أن واحدة منها تقول بوجوب عودة الأطراف السياسية إلى المشاورات السياسية التي كانت في 21 سبتمبر 2014م، وهذا يعني بوضوح كامل إسقاط كل شرعية الجمهورية اليمنية الناشئة في 26 سبتمبر 1962م، وهذا يعني الارتكاز على اتفاق السلم والشراكة التي أخضعت عليه كل القوى السياسية بمباركة المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر، وهو ما يلغي تماماً المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني.
حقيقة نقف أمام مبعوثي الأمم المتحدة جميعاً مندهشين وهم يصنعون في كل مرة للحوثيين مسوغات وجودهم وحضورهم وتأثيرهم السياسي برغم أن مجلس الأمن الدولي قد صنفهم بالمتمردين والخارجين عن القانون عبر سلسلة طويلة من القرارات الدولية التي توجت بالقرار رقم 2216 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فالأخضر الإبراهيمي كان له دور مشبوه في حرب صيف 1994م عندما وقف في صف الشمال ضد الجنوب ضارباً بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي آنذاك.
وذات الممارسة مارسها المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي لعب أدواراً خطيرة هي السبب المباشر فيما وصل إليه حال اليمن اليوم، فالسيد ابن عمر كان عراباً للحوثيين وللفوضى السياسية التي صنعوها، فهل يُعقل أن يكون هناك اجتماع سياسي مع جماعة تعلن خطف الرئيس وإخضاع رئيس الوزراء للإقامة الجبرية بينما يتحدث لوسائل الإعلام عن تقدم سياسي نحو دولة يمنية مدنية وفق مخرجات حوار سقط بسقوط العاصمة صنعاء.
المجرب لا يجرب.. فالفشل الأممي في اليمن لا يمكن أن يتم تجاوزه تحت أي بند من بنود الدبلوماسية السياسية بينما تبقى للمملكة العربية السعودية الحظوة الأكبر في الملف اليمني لاعتبارات كثيرة هي التي مكنت السعودية على مدار خمسة عقود من المحافظة على اليمن سواء كان منفصلاً أو متوحداً يعيش في الحد الممكن من اللانفجار الذي وصل إليه بعد أن تدخلت الأمم المتحدة ولعبت أدواراً مكنت لبعض الأطراف إحداث كل هذا التأثير السلبي في الحالة السياسية اليمنية.
على الرياض أن تستعيد الملف السياسي من الأمم المتحدة على مرجعيات القرار الأممي 2216 والمبادرة الخليجية وإعلان الرياض وقرار الجامعة العربية، هذه هي المرجعيات الرئيسة، أما أن يبحث المبعوث الأممي للحوثيين عن حضور سياسي وعن شيطنة للحراك الجنوبي فهذه هي العبثية المطلقة التي تمارسها الأمم المتحدة التي يتوجب عليها أن تكون شاهداً في محكمة الجنايات الدولية على سلسلة جرائم ارتكبت ضد الإنسانية في مدينة يستمر حصار سكانها وقتلهم واستباحة كل شيء لسبب أنها اختارت أن تكون ضداً للمشروع الطائفي الفارسي، وانحازت لتكون عاصمة من عواصم العرب وليس عاصمة من عواصم الفرس. هذه عدن التي أوفت لعاصفة الحزم كل العهود والمواثيق، هذه عدن وتلك هي الأمم المتحدة ومبعوثوها الذين لم يجدوا فيها ما يستحق أن يستنكر ويشجب لأن عدن لم تخضع ولم تركع للقتلة والمجرمين واللصوص، تجربة عدن مع صنعاء انتهت، فلم تعد للوحدة اليمنية مكان على كل تراب الجنوب العربي.
* الجزيرة - الرياض