منذ كامب ديفيد .. السادات ،بيغن ، كارتر في 1978م وحتي كامب ديفيد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية 2015 مسافة او مساحة زمنية قاربت الأربعة عقود من الزمن جرت خلالها الكثير من الأحداث ، في محصلتها تراجع دور الامة العربية و تأثيرها في السياسة الدولية الي درجة الاستسلام و تسليم مصيرها لمخططات و استراتيجيات دولية متناطحة في ظل عجز كلي لنظام عربي متهالك ـ ممثلا في الجامعة العربية .. تنامت داخله الخلافات العربية ـ العربية ، وتصاعدت خلالها المخاطر و التحديات في الوقت الذي انشغلت فيه الأمة ـ شعوبا و أنظمة بقضاياها الداخلية التي اضحت عرضة لعمليات الإرهاب في الداخل بتمويل وتسيير الخارج ، الامر الذي يسر لقوى اقليمية واخرى دولية التفكير بجدية في تغيير هوية المنطقة و رسم خرائطها على اسس طائفية ـ مذهبية واثنية عرقية تحت مسمى " الشرق الأوسط الجديد " وكانت احد وسائل مشروعاتها "الفوضى الخلاقة " التي اطلق عليها ثورات الربيع العربي ، وهي ثورات ساعدت عليها ممارسات الانظمة التي عصفت بها تلك الثورات وما زالت مواطنها تجتر الفوضى و تعرض امن و استقرار الأمة الي المخاطر ، فما يحدث في ليبيا و سوريا و اليمن ليس سوى الوسائل البديلة لتلك الفوضى الخلاقة .. التي فتحت الابواب و النوافذ لإيران ـ الفارسية الي النفاذ الي بلاد العرب في العراق و الشام و اليمن فضلا عن تسجيل حضور مؤثر في غيرها من الاقطار العربية .
كل ذلك حصل في ظل عجز النظام العربي الذي ظل يتخبط منذ كامب ديفيد " كارتر ، السادات ، بيغن ، وازداد سيولة في اعقاب كامب ديفيد ـ كلنتون .. الذي خلط بين الاوضاع الداخلية ـ القطرية و الأقلمة و التداخل و التفاعل بينهما بهدف اعادة تشكيل نظام اقليمي شرق اوسطي تشكل ايران ـ الفارسية و تركيا العثمانية و إسرائيل اليهودية اثافيه الثلاث !؟
□ كان النظام الاقليمي الذي جاء ليعوض متغيرات ما بعد كامب ديفيد 1978و الذي نشاء في ظروف الحرب الفارسية ـ العربية هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981 لسد النقص او لتعويض التأكل الذي اصاب النظام العربي المتمثل في الجامعة العربية التي انتقل مقرها الي تونس .. بعد مؤتمر بغداد الشهير بمقاطعة مصر عام1978.. منذ ذلك المؤتمر الذي ادرك في اعقابه قادة الخليج العربي التداخل بين الامن الداخلي و الاقليمي والدولي و ما يمكن ان تتيحه هذه التداخلات من عوامل تقويض الاستقرار و منها الطائفية و الأثنيات العرقية فضلا عن مشكلات الحدود و وتكاثف العمالة الاجنبية على مجتمعاته العربية وتأثيرها على ثقافة و امن المجتمعات الخليجية في ظل حضور دولي عسكري و تأثير سياسي لقوي كبري في اعقاب عاصفة الصحراء لتحرير دولة الكويت من احتلال عربي هو الاول في تاريخ العرب الحديث .. مطلع القرن الماضي الذي شهد تشكيل الاقطار العربية وفق خرائط " سايكس بيكو " لتتولي الانقلابات العسكرية و الحزبية تحويلها الي اوطان متصارعة مع بعضها وداخلها وصولا الي الاحتلال العراقي للكويت ..العضو الفاعل في النظام العربي و المساهم في التنمية و التحديث في معظم الدول العربية المكونة للنظام العربي و في مقدمتها اليمن ..التي حظيت برعاية ودعم الكويت ، اوجد ذلك الاحتلال شرخا او كشف عن شروخ في النظام الأقليمي ـ الأمل .. مجلس التعاون ،الأمر الذي لم يساعد على فتح ابواب بغداد فحسب للنفوذ الفارسي في اعقاب الغزوا الأمريكي للعراق عام 2004ـ الذي سلم بغداد كثمن ربما لما أحدثته الثورة الفارسية ـ الخمينية على صعيد المنطقة، و مهدت له على صعيد القوي الفاعلة ومنها التنظيمات الارهابية ـالاسلاموية و غير الاسلاموية المهددة للأمن الداخلي و المساعدة على بلورة مشروع الهلال الفارسي من بيروت الي بغداد مرورا بدمشق التي سلمت مفاتيحها الي طهران في اعقاب رحيل حافظ الأسد .. وعلى هذا النحو الذي لم يعد السكوت مقبولا علية ولم يعد تجاهل ما يحدث في سوريا مبررا معه .. كان لا بد من استعادة سوريا الي دورها القومي ..فدونها لا يمكن استعادة عروبة بغداد .
كل ذلك ما كان ليحدث لولا ما اصاب النظام العربي من رخاوة و هشاشة في اعقاب كامب ديفيد كارتر، تلك الهشاشة هي التي ساعدت ايران على استثمار عجز وشلل النظام العربي .. وليس فقط تحويل فئة معزولة في جبال مران في صعدة الي اداة لغزو اليمن في خاصرة الجزيرة العربية .. العمق الاستراتيجي الجغرافي و البشري لدول الخليج العربية .
□□ لم تكن القيادة السعودية في موقف سلبي تجاه كل ذلك .. ولكن البيت الخليجي كان في وضع بحاجة الي ترميم بنيانه و صيانة جدرانه التي بدأت في حالة قابلة للتداعي .. فكانت دعوة الملك : عبدالله بن عبدالعزيز .. يرحمه الله الي الانتقال الي الوحدة .. وهي الدعوة التي رفضتها بعض الأطراف و ساعد على تعليقها النظام الداخلي للمجلس ، الذي لم يتغير منذ عام 1981 و هو الامر الذي راهن عليه :على عبدالله صالح و حلفائه الحوثيين في انقلابهم على الرئيس : عبدربه منصور هادي و مخرجات الحوار الوطني وفق المبادرة الخليجية التي كادت تغادر باليمن الصراعات الداخلية الي دولة اتحادية على انقاض نصف قرن من حكم الأقلية القبلومذهبية او على الأصح الجهوية مناطقية .
في ظل هذه الاوضاع و تداعياتها الخطيرة .. وعلى اثر تعليق الدعوة السعودية الي الانتقال للوحدة تأسيسا على التعاون الذي جنب الخليج تأثيرات " الفوضى الخلاقة " وصل الي رأس القيادة السعودية الملك : سلمان بن عبدالعزيز.. وهو الأمير المعاصر و المستشار لكل ملوك السعودية من ابناء المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل .. و المعروف بقربه من الملك الشهيد : فيصل بن عبدالعزيز الي راس هرم القيادة السعودية .. ابو فهد كما يسميه اهالي منطقة الرياض ـ الذين عرفوه بحزمه لم يضيع الوقت و اتخذ منذ اليوم الأول لتسلمه الحكم قرارات حاسمة ابرزها الثقة في شباب الأسرة المالكة السعودية .. دون ما إلغاء لجيل الخبرات من افراد الاسرة المالكة او رجال الدولة ممن عاصروا ادارة البلاد في مختلف المراحل .. كل ذلك كان واضحا في تشديده على المعاصرة في اطار الثوابت القومية و الاسلامية للدولة السعودية الثالثة " المملكة العربية السعودية " و مسئولياتها القومية و في مقدمتها الامن الاقليمي لدول الجزيرة العربية و شعبها العربي ـ المسلم ، امام هذا الكم من المخاطر و التحديات وفي مقدمتها النفوذ الفارسي المتعملق بتواطؤ دولي لم يعد يخفى على احد .. بل ربما في اطار صفقة امريكية لا تقل خطورة عن صفقة تسليم بغداد للفرس في اطار رسم خرائط الشرق الأوسط الجديد .
□□□ جاءت عاصفة الحزم .. لا مفاجئة فحسب للنظامين العربي و الدولي عشية " قمة شرم الشيخ العربية " لتعصف بكل التراجعات التي حدثت على صعيد الدور العربي و هشاشة نظامه ممثلا في الجامعة العربية .. بل و لإنقاذ النظام الأقليمي ـ الأمل " مجلس التعاون لدول الخليج العربية من حالة التجاذب الداخلي التي تكشفت خلال الأزمة اليمنية ، و التراخي حيال المشروع الفارسي .. و هو الموقف الذي شدد علية البيان الوزاري لمجلس التعاون فجر عاصفة الحزم و الذي اكد تجاوب دول مجلس التعاون مع طلب الرئيس عبدربه منصور هادي لحماية اليمن و شعبه .. لتقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية المدعومة من قوى إقليمية هدفها بسط هيمنتها على اليمن وجعلها قاعدة لنفوذها في المنطقة مما جعل التهديد لا يقتصر على أمن اليمن واستقراره وسيادته فحسب بل صار تهديداً شاملاً لأمن المنطقة والأمن والسلم الدولي ، إضافة إلى طلب فخامته كذلك مساعدة اليمن في مواجهة التنظيمات الإرهابية ...الي اخر ما شدد عليه البيان المواكب لانطلاقة عاصفة الحزم فجر الخميس 26مارس 2015 وقبل انعقاد قمة شرم الشيخ .. باقل من ثمانية و اربعين ساعة .
تلك القمة التحول في النظام العربي .. لا في ديباجة بيانها الختامي كما تعودنا عليه في بيانات قممها التي اعقبت "كامب ديفيد كارتر ، السادات ، بيغن " بل في تأكيدها على وحدة الامن القومي تجاه ما يجرى في اليمن ورفضها لنتاج الانقلاب و التدخلات الإقليمية المهددة لاستقرار اليمن و وحدته و اعتبار امنه جزء لا يتجزأ من امن الأمة العربية .. بل و اعتبار عاصفة الحزم معركة قومية ، ما كان ليحدث لو لا حزم الملك سلمان بن عبدالعزيز ..لاستعادة الامل في نظام عربي صلب و منظومة خليجية تضطلع بدورها في مستقبل امه عربية اصبحت عرضة للاضمحلال في الوقت الذي تحتل من خارطة العالم القلب و تتحكم في خطوط مواصلاته البحرية و الجوية فضلا عن اكبر احتياطيات النفط و الغاز المحرك لعجلة الاقتصاد العالمي .
ذلك الموقف في قمة شرم الشيخ .. دون شك ما كان ليحدث لولا عاصفة الحزم التي عصفت بتراكمات اربعة عقود من التصدعات العربية و القبول بحق الأخرين في تقرير مستقبلها وفقا لمشاريع الشرق الأوسط الكبير المبنية على دراسات " برنارد لويس " او الشرق الأوسط الجديد بحسب رؤية " كونداليزا رايس " التي صرحت بها في اسرائيل عام 2006 و الذي تبادلها الاعلام الاوربي و الامريكي ونشرت خرائطه النيويورك تايمز في الأعوام الماضية و اخرها اكتوبر2014 و كل ذلك ليس من فراغ في ظل ما يحدث في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن اليوم .. ومن اجل اليمن انطلقت عاصفة الحزم .
لذا اصبحت الادارة الامريكية امام متغير جديد و موقف عربي صلب وواضح غير مسبوق على مدي العقود الماضية .. لذلك قبلت باجتماع قمة مع قادة مجلس التعاون وهي تدرك ان لا مجال للقاءات فردية في ضيافات اعلامية .. الأمر الذي يفرض مناقشة الوضع العربي بجدية ومع قادة مجلس التعاون النظام الأقليمي في كامب ديفيد و من خلال محورية التدخلات الخارجية في اليمن.. البعد الجغرافي و الاجتماعي الاستراتيجي لدول الخليج العربية .. يوم الخميس الموافق 13 مايو بين قادة مجلس التعاون و الرئيس اوباما في اول اجتماع من نوعه لهم في كامب ديفيد .. وهو الاجتماع الذي ستسبقه قمة سعودية ـ أمريكية في البيت الأبيض يمثل خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولي عهده ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الأمير محمد بن نائف بن عبدالعزيز ، ودون شك في ان هذا الاجتماع الذي يأتي في اعقاب عاصفة الحزم سيحدد مسارات واضحة لعلاقات سعودية ـ امريكية غير قابلة لأي غموض .. و لا مراوغة امريكية لتعزيز مساوماتها مع ايران ..او يمكن ان ينال من الدور السعودي القيادي و المركزي في النظامين الخليجي و العربي .. حيث لم يعد مقبولا ان يظل الامن القومي ـ العربي ورقة مساومة امريكية لعلاقات امريكية ـ ايرانية تمكن ايران من الاحتفاظ بمكاسبها التي اتاحها كامب ديفيد 1978فعاصفة الحزم لم تأتي للعصف باليمن و انما لتعصف بكل التراكمات و الهشاشة العربية خلال الأربعة العقود الماضية .. من خلال اليمن .
□□□ في كامب ديفيد " قادة مجلس التعاون ـ اوباما لا تتحدد العلاقات الاستراتيجية العربية ـ الامريكية فحسب بل مرحلة جديدة على صعيد العلاقات و المصالح الدولية بكل تأكيد ستفرض على صناع القرار في عواصم الدول الكبرى مراجعة مخططاتهم و خرائطهم في تقديري وبحسب قراءتي لما بعد عاصفة الحزم .. لا أقول ذلك من باب التمني و لكن لثقتي في حزم سلمان بن عبدالعزيز الذي اعاد للعرب الأمل .. وبه لن يتوقف الأمر عند استعادة الأمل في اليمن فقط ، بل في استعادة الامة العربية و الاسلامية لذاتها ودورها في استقرار العالم و صنع السلام بحزم .. وفي انتظار اجتماع كامب ديفيد ما بعد عاصفة الحزم سيكون الأمل في نظام عربي مختلف يضطلع فيه النظام الأقليمي ـ الخليجي بدور محوري غير قابل للتراجع !؟.
*عضو المجلس المحلي لحضرموت .. كاتب سياسي.