وأنا أتلقى مكالمة هاتفية صادمة من صديق لي يقول ظهيرة الأربعاء 18مارس الجاري: “لقد قتلوا صديقك عبدالكريم الخيواني”. تملكتني حينها حالة من الدهشة واستبد بي الذهول المشوب بالأسى والحزن على شخص رائع وشجاع كعبدالكريم الخيواني الذي طالته يد الغدر والإرهاب وغيبته عنا قهرا وظلما في هذا الزمن الذي إذا قيل فيه للحجر كن إنسانا لقال عفوا لستُ قاسيا إلى هذه الدرجة.
ثم أطرقتُ لحظة أصغي لذاكرتي التي فيها مخزون تاريخ أول لقاء جمعني بالراحل بعد تواصل تلفوني وإلكتروني طويل، وآخر مكالمة هاتفية كانت بينا قبل وفاته بأيام.
فأثناء اعتقاله أتذكر أنني كتبت مقالة تضامنية معه على شبكة الإنترنت، وهي عبارة عن رسالة موجهة له، لم أكن أعرف هل سيطلع عليها في ذلك السجن المظلم، شددت بها - بقدر ما أستطيع - من أزره في ذلك الاعتقال القاسي وبتلك الظروف الصعبة على الجميع بمن فيهم الجنوبيون بالطبع، وختمت تلك الرسالة بعبارة: “غدا سيزهر الريحان يا صديقي”. وبعد خروجه من معتقله بشهرين تقريبا كان لي معه أول لقاء في عدن أثناء التضامن مع صحيفة “الأيام” في محنتها - إن لم تخني الذاكرة - وبعد أن فرغنا من التحية والسلام، بادرني قائلا: “نعم سيزهر الريحان”.
وحين زارني ورفاقي المعتقلين الجنوبيين في معتقل السجن المركزي بصنعاء بعد نقلنا إليه من سجن الأمن السياسي بأسبوعين مطلع 2010م، قال لي وعلى شفتيه بسمة وفاء ونظرة أمل: “كيف وضعكم بالسجن أنت وأحمد الربيزي وأحمد بامعلم وفؤاد راشد ود.حسين العاقل وبجاش الأغبري والجمل وأحمد المرقشي ومحمد عباس والبقية؟”. لم ينتظر مني الرد على سؤاله، ربما لأنه عرف الإجابة عن هذا السؤال قبلي، قائلا: “أنتم أصحاب قضية عادلة ولا أعتقد أن السجن برغم قسوته وبرغم التعذيب الذي تعرضتم له يستطيع أن ينال من عزائمكم الصلبة أو يقهر من ثوار الجنوب، اصمدوا فقد صمدت بهذا السجن كسجين سياسي لوحدي بوجه الطغيان، ولعلمك يا صلاح العنبر الذي أنت فيه اليوم معتقل هو ذات العنبر، وبل وذات الزنزانة التي قضيت بها قرابة عامين من السجن، فلا تبتئسوا ولا تيأسوا، ألم تقل لي حين كنت بهذا السجن قبلك: غدا سيزهر الريحان؟ فها أنا ذا اليوم أعيدها لك ولكل المعتقلين بهذا السجن”.
وقبل اغتياله بأسبوع تقريبا كانت لي آخر مكالمة هاتفية معه، أشبه بمكالمة تلقيتها من الراحل د. محمد عبدالملك المتوكل قبل أسبوعين من اغتياله هو الآخر، رحمهما الله.
فبرغم تشابك الوضع وتداخل حابل السياسة بنابله إلا أن الرجل ظل وهو يتحدث عن الجنوب والقضية الجنوبية من نفس القناعة السابقة وكان لا يزال يردد نفس العبارات السابقة تجاه القضية الجنوبية، وهي القناعة التي كانت تفيض عدالة وإنصافا حيال الجنوب وقضيته، لم يتملكه زهو انتصار زائف، مع أنني كنت أتوقع وبحكم ما جرى بالنهر من مياه كثيرة شمالا وجنوبا أن أسمع منه كلاما مغايرا تجاه الجنوب، لكن الرجل لم يفعل. رحمه الله.. ولا نامت أعين القتَلة.. إنا لله وإنا إليه راجعون!.
* الأيام