الأمن أولاً

2015-02-25 04:21

 

استوقفني خبر نشرته صحيفة "العربي الجديد"، 16 فبراير الجاري، بعنوان "هروب المنظمات الإنسانية بعد السفارات"، جاء فيه أن "منظمات دولية عاملة في اليمن بدأت بتبني قرار بانسحاب متدرج لموظفيها الدوليين إلى خارج البلاد، وأن جميع مدراء المنظمات التابعة للأمم المتحدة، في مقدمتها اليونيسكو واليونيسيف، ومنظمات دولية أخرى، قرروا في اجتماع، الاثنين، بالعاصمة صنعاء، البدء بتقليص عدد موظفيهم الدوليين من كل منظمة، لتجنب أية خسائر بشرية محتملة بسبب الوضع الأمني والسياسي، الذي يبدو أنه يزداد تدهوراً مع مرور الأيام في اليمن."

 

الهروب الواضح للمنظمات الإنسانية، ومغادرة بعض السفارات العاصمة صنعاء، هي نتائج لكثير من الأعمال والجرائم التي أوصلت اليمن إلى هذا الواقع المزري والمقلق للداخل والخارج، وتؤكد بجلاء أن الأمن في كل مكان وزمان يظل مطلباً شعبياً حاضرا في كل المناخات والظروف السياسية، ومع تزايد الاضطرابات السياسية في بلادنا، وما تنتجه من فوضى أمنية عفوية ومنظمة، تزداد حاجة المواطن لتوفيره كأولوية قصوى يتقدم بقية المطالب، ليبقى الاختبار الصعب أمام أية جماعة أو تيار سياسي يسعى بقوة السلاح لفرض هيمنته على الساحة منفرداً، وتقديم نفسه بديلاً عن مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، بل ينظر إليه الجميع في الداخل والخارج، كالمعيار والمقياس لقدرة هذه الجماعة أو تلك عن مدى احترامها لمطالب المواطن، التي يتقدمها هذا المطلب، ومدى جديتها بتوفير الأجواء الآمنة لعمل المنظمات الإنسانية الدولية في بلادنا.

 

كثيرة هي الممارسات والتصرفات المنبوذة التي تلجأ لها التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في بلادنا، أبرزها جرائم اختطاف الرهائن غير المقاتلين مثل الصحفيين وموظفي وعمال الإغاثة التي ازداد ارتكابها مؤخراً، كجرائم مستنسخة من تنظيم القاعدة، بحيث غدت سلوكاً قائماً لدى الجماعات المسلحة، دون إدراك بعض المواطنين المتعاونين في ارتكابها ودرايتهم المبكرة بخطورتها وآثارها السلبية على محيطهم الاجتماعي، إلا عندما تمس نتائجها معيشتهم، وتطال المجتمع ككل، ويتبيّن لهم فظاعة أضرارها على استقرار المجتمعات المحلية، وبعد أن تطال مخاطرها حياة موظفي المنظمات الإنسانية والدولية، ونشر الخوف والرعب في نفوسهم، المؤثر على جهودهم الإنسانية تجاه التجمعات البشرية التي تحتاج إلى المساعدات الغذائية، والعون الإنساني في أماكن ومناطق مختلفة من اليمن.

 

وللأسف، يجهل البعض خطورة التحفظ على الرهائن في بعض المناطق القبلية، الذي يساهم بصورة مباشرة في تشويش سمعة مناطقهم، وتحويلها إلى مناطق غير آمنة في عيون المراقبين، وبيئة طاردة للاستثمارات الاقتصادية والأنشطة التجارية، وفقدان مناطقهم وأبنائها أفضل الصفات والمزايا التي تميزت بها عن غيرها، وجعلتها مناطق آمنة، ومتعاونة ومشجعة للعمل فيها لمزاولة مختلف الأنشطة الاستثمارية. إلى جانب أن السماح لأبنائها بالتحفظ على الرهائن يلحق ضرراً كبيراً بسمعة مناطقهم، ويغير النظرة والانطباع السابق تجاهها، والصفات التي يتميز بها شيوخها وأبناؤها، وما عرفوا به من كرم وشجاعة وشهامة ومناصرة للحق ومقاومة للباطل، ويفقد المصداقية لمواقفها الرافضة بأن تكون حاضنة للأنشطة الإرهابية، أو أن تتحول مناطقهم إلى مأوى للعناصر الضالة أو مساعدتهم في التحفظ على الرهائن الأبرياء، الذي يسيء لعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، وعلاقاتها الاجتماعية مع بقية كيانات المجتمع، وتشويه إسهاماتها في نصرة الحق.

 

المجتمع اليمني بطبيعته مجتمع قبلي، ولا تزال العادات والتقاليد الحميدة لرجال القبائل وغيرهم راسخة في تعاملهم، ليس في المناطق القبلية فقط، بل وفي المدن، فالشهامة والكرم والتعفف عن الصغائر، هي إرث اجتماعي تاريخي عُرف به الشعب اليمني، ويعتز بهذا الإرث.. لكن ما يحصل هنا وهناك هذه الأيام في وطننا العزيز، بحاجة إلى وقفة جادة للحفاظ على دور القبيلة وبقية المكونات الاجتماعية، لتكون كما كانت عوناً مساعداً في إيجاد الأمن والاستقرار، وتوجيه هذه الكيانات المجتمعية لترسيخ قيم التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع، ورفض تحويلها إلى مناطق حاضنة للانتهاكات الإنسانية وأعمال العنف وجرائم الاختطاف، أو ملجأ وسند للباطل، وعلينا العمل جميعاً أن نصطف متوحدين لنبذ هذا السلوك، قبل أن نخسر كل شيء، والأخذ بأيدي هذه الكيانات وتحصينها وتشجيعها وتوعيتها لرفض الرضوخ لأي أعمال تضليل من أي تنظيمات إرهابية، أو جماعات مسلحة تحاول اختراقها، واستدراج أبنائها للتحفظ على الرهائن في مناطقهم.

 

[email protected]