صح مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ جمعا من الدعاة، التقاهم في وزارة الشؤون الإسلامية، بالابتعاد عن السياسة والتفرغ للدعوة الدينية. ولعلها من المرات القليلة التي يصارح فيها شخصية دينية كبيرة الشباب المنخرطين، بأنه ضد منهج تسييس الدين. الشائع اليوم، أن الإسلامي المعاصر هو المنخرط سياسيا، ولو كانت السياسة بالوضوح الذي يظنه هؤلاء الدعاة والحركيون لربما وجب أن تكون العلوم السياسية فرعا من العلوم الدينية، لكنها ليست كذلك. وأكثر المتحمسين لتغيير العالم حولهم، والانخراط في الأحداث الكبرى، ينظرون إلى الأحداث بعاطفتهم، وللباحث في الشؤون الإسلامية سلمان العمري تعليق ينطبق على هذه الحالة، «أن النيات الطيبة لا تغني عن العلم الشرعي»، وكذلك في السياسة، فالعاطفة ليست دليلا في العلاقات الدولية.
والمفتي في المملكة، هو أيضا، رئيس هيئة كبار العلماء، عرف بعلمه وتواضعه وابتعاده عن الجدل السياسي، يمثل الجيل القديم من علماء السلفية، الأكثر نقاء، قبل أن يحاول البعض «تجديدها» بالمفاهيم، والمشاريع الشخصية، والاستخدام السياسي. ومع أن معظم النقد واللوم اليوم يوجه ضد السلفية التقليدية إلا أن الحقيقة بخلاف ذلك، فقد غلب على المدرسة الإسلامية المعاصرة الفكر التنظيمي، في البداية ولدت كتنظيم مثل حركة «الإخوان المسلمين» في زمن الأنشطة السرية كالشيوعية، ولاحقا صارت تقودها طموحات سياسية مثل «القطبية» و«السرورية». وما نراه اليوم ليس إلا مولودا خديجا لمجتمع مشوش، فيه تطرف سلفي اجتماعي وتطرف إخواني سياسي، يتم استخدامه من قبل أنظمة سياسية في المنطقة. وبسبب ارتفاع نسبة الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام في أنحاء مختلفة من العالم التي لا نعرف سابقا لها، جعلتنا نعيش أسوأ عصور الانحطاط في تاريخ المسلمين.
ومع هذه الفوضى يصبح القلق من اختطاف مجتمعات بأكملها له ما يبرره، حتى لو كانت العناوين بريئة والنيات حسنة، فالتيار جارف. ومن الطبيعي أن نتساءل عندما يقول ملتقى نسائي في مدينة الخبر إنه «يسعى لاستقطاب مائتي ألف فتاة»، طبعا الرقم مبالغ فيه، لكن الفكرة نفسها، في هذه الظروف، تدعو للقلق. من يلام غدا عندما تصبح بعضها خارج السيطرة؟ برامج هذا المخيم الدعوي، عادية جدا، شرعية وإنسانية اجتماعية، لكن فكرة التجمع، والخروج عن مفهوم المدرسة والحي إلى المخيمات والتفكير الجماعي يثير الهواجس. ففي باكستان والهند تنشط جماعة «التبليغ والدعوة»، التي تقول إنها نذرت نفسها للدعوة بالحسنى والزهد في الدنيا، لكنها لاحقا أصبحت محل انتقادات وتحذيرات واسعة، حتى من علماء السعودية، فهي لا تدعو الشباب للقتال لكنها فكريا تهيئهم لذلك، حيث يصبحون هدفا سهلا تجندهم الجماعات المتطرفة.