في زيارة الملك المؤسس عبد العزيز التاريخية لمصر عام 1946، التي استقبل فيها بحفاوة غير مسبوقة من قبل شعب مصر وملكها وساستها ومثقفيها، ختمها أثناء العودة بخطاب أرسله إلى شعبه السعودي، معلقا على استقبال المصريين: «شعبي العزيز، ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيت، ولكن اعتزازي أني كنت أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب». (من كتاب «الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز»، لخير الدين الزركلي ص 308).
وقبل أيام، قال ابن عبد العزيز، خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز - أشبه أولاده به كما قال المؤرخ السعودي فهد المارك - مخاطبا رئيس مصر عبد الفتاح السيسي إن موقف بلاده تجاه مصر واستقرارها وأمنها «ثابت لا يتغير»، وإن ما يربط البلدين «نموذج يحتذى في العلاقات الاستراتيجية والمصير المشترك».
الملك سلمان، بعث برسالة واضحة المعاني شديدة المباني، لمن روج لبضاعة الإرجاف، وحاول بذر حبوب الشر والخلاف، حين وضح، حسب وكالة الأنباء السعودية (واس) أن السعودية ومصر «أكبر من أي محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بين البلدين الشقيقين».
أما ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، فكان واضحا حاسما، كعادته، وهو يشدد في نفس التوقيت مع الرئيس السيسي على وقوف الإمارات مع مصر قيادة وحكومة وشعبا، وأن الإمارات ماضية على هذا النهج، إدراكا منها لمحورية موقع مصر ودورها التاريخي
ومثل هذا قاله ملك البحرين وأمير الكويت، والمعنى واضح: الدعم والإسناد الخليجي لمصر التي نجت من حكم الإخوان، باق ويزداد.
هذه ليست مواقف عاطفية، بل مواقف في المستوى الرفيع من النظر السياسي الاستراتيجي. فمصر هي عز العرب وكنانتهم، لا يجوز تركها تغرق في لحظة الفوضى العربية هذه.
المواقف ليست لشخص الرئيس السيسي، ولا لصالح حزب معين، فالأشخاص عرضة للنقاش، لكن مصر وأمنها، ومنعتها، ليست محل نقاش ولا تردد، هذا الأمن وتلك الهوية التي كانت نهبة للضياع مع حكم الإخوان.
لماذا الإخوان خطر؟
لأنهم جماعة سرية تتوسل بدغدغة المشاعر الدينية، وترويج مفاهيم متأزمة عن التاريخ والذاكرة، طمعا في الحكم والسيطرة، تحت غطاء النقاء الديني، فلا دينا صانوا ولا دنيا أبقوا.
هم إشعاع نووي سياسي فكري ثقافي شديد الخطورة، وآثاره بطيئة الزوال، يريدون إزاحة الجميع وهدم الحكم في كل الدول، والقعود بتخت السلطة لوحدهم، فهم سفراء العناية الإلهية، يحق لهم الحديث باسم الإسلام الصحيح حصريا، رغم أنف الجميع، ومن أجل ذلك فهم يستبيحون كل شيء، حتى الكذب، لأن «الحرب خدعة» والعدو مستباح. وكل ذا باسم الله!
خاب مسعاهم في الوقيعة بين السعودية ودول الخليج مع مصر، هذه المرة، بعد حكاية التسريبات، ولكنهم لا يكفون، وسيعيدون الكرة، وسيجدون كل مرة من يهتف لهم، جهلا أو طمعا ورهبا.