ينظر الشباب اليمني إلى كلية الشرطة كغيرها من صروح العلم التي ترتسم لبوابتها صورة في مخيلتهم كأولى العقبات التي لابد من تجاوزها حتى يتحقيق حلم الالتحاق بها، وبناء مستقبلهم الوظيفي والمهني الذي نما وشب وترعرع في وجدانهم وترسخ في عيونهم وهم يمرون بجوارها، بل إن كثيراً من الأُسر تشارك أبناءها هذا الحلم والمسعى للوصول إليه كل على طريقته.
لكن الإرهاب عدو الإنسان، الذي لا دين ولا عقيدة له كرر يوم الأربعاء الماضي 7يناير اغتاليه لهذا الحلم وحوله إلى دماء وأشلاء متناثرة على رصيف وبوابة عبور المستقبل عندما اقدمت " عناصر إرهابية من تنظيم القاعدة على تنفيذ عملية إرهابية في أمانة العاصمة أمام كلية الشرطة بسيارة مفخخة أستهدفت تجمع للطلاب الراغبين بالالتحاق بكلية الشرطة من حملة الشهادة الجامعية من منتسبي وزارة الداخلية، والتي نتج عنها استشهاد عدد(35) طالبا، وجرح (68) من الطلبة المتقدمين للكلية بحسب ما جاء في بيان اللجنة الأمنية العليا" .
كثيرة هي الأسئلة التي تحتاج من يجيب عنها وفك طلاسم تكرار وقوع هذه المذابح الإرهابية بنفس الأدوات والملابسات، في حين أن الجهات الأمنية والعسكرية بمقدورها التصدي لها وإحباطها قبل وقوعها وإنقاذ الأبرياء منها، خاصة وأنها تعد الجريمة الثانية التي تُرتكب في محيط الكلية منذُ جريمة 11 يوليو2012م، التي راح ضحيتها 28طالباً بين قتيل وجريح أثناء تفجير انتحاري أستهدفهم في البوابة الجنوبية للكلية، وكثيرة أيضاً التجاوزات والشواهد التي تلقي باللوم على الجهات المسؤولة لعدم إتخاذها الإجراءات الإحترازية والاحتياطات الأمنية اللازم اتباعها في ظل وجود تجمعات بشرية كهذه، والاتعاظ من تكرار تنفيذ هذه الجرائم، والتي كان آخرها الأسبوع الماضي (التفجير الانتحاري للمركز الثقافي بإب)، لكن يبدو أن مصير هذه التساؤلات وحالة الاستغراب التي يبديها المواطن سيلقى نفس مصير التساؤلات حول الجرائم الإرهابية السابقة، ربما تبقى في أذهاننا للاحتفاظ بها لأنها تبحث عن مجيب لم ير النور بعد!.
فمنذُ عدة عقود وحلم "تجاوز البوابة للالتحاق بكلية الشرطة"هو الأكثر حضوراً بين أوساط الشباب، والأكثر اهتماماً بين (الجامعيين) منتسبي المؤسسة الأمنية، فكثير من زملائهم إجتازوا الموانع وتخطوا عقبات الانخراط وتحققت أحلامهم في مراحل سابقة وآخرون حالت الظروف والعوامل غير الذاتية "الوساطات" بينهم وبين تحققه، فالبوابة والرصيف المحيط بها، التصقا بأمنياتهم وأوجاعهم ونثروا عليهما أحلامهم للعبور نحو طريق المستقبل.
ها هو (تنظيم القاعدة) يغتال هو الآخر هذا الحلم، ويحّول هذه البوابة والرصيف اللذين اقترنا بأحلامهم إلى شلالات لدمائهم الزكية في صورة يتكرر رسمها منذُ ثلاثة أعوام ولا نجد لها أي تفسير منطقي غير أن (تنظيم القاعدة) يسعى إلى تدمير كل مقدرات الوطن، وقتل المواطن البريء في ابشع صور جرائمه المرتكبة، التي تنّم عن أن قياداته تمر بمرحلة عدم الثقة وفقدان سيطرتها على عناصرها ليرتكبوا هذه المذابح الوحشية غير المبررة التي تستهدف اليمنيين الأبرياء، وللأسف في ظروف وأجواء تبيّن عجز الجهات الرسمية المعنية عن اتخاذها أية أجراءات وقائية للحد من خطر عناصره الإرهابية، أو استغلالها لهذا الوضع الذي تمر به قيادات التنظيم وثقتهم المهزوزة لفقدانها السيطرة والتحكم بعناصرها، وكذا أخذ تلك الجهات الحيطه والحذر من إقدام هذه العناصر على ارتكاب المذابح وقتل الأبرياء.
إن تردي الوضع الأمني في اليمن قد أصبح لا يُسر العدو قبل الصديق، وهو بحاجة لمزيد من تضافر الجهود المحلية لإيجاد أصطفاف وطني صادق وجاد للتصدي للأعمال والجرائم الإرهابية، واهتمام مباشر من دول الإقليم، التي تنأى بنفسها عما يدور في اليمن لا سيما وتردي الوضع الأمني لم يعد يشكل خطراً على اليمن فحسب بل بات يشكل خطراً أيضاً على دول الجوار، إلى جانب استئناف قيامها بواجبها ودورها الأخوي والإسلامي تجاه اليمن حكومة وشعباً، وحث اليمنيين بجميع أطيافهم للتوحد حول لمجابهة هذا الخطر، والابتعاد عن المكايدات والخلافات السياسية، التي وجد فيها (تنظيم القاعدة) ما يمكنه من تنفيذ هجماته على الأبرياء والأطفال، والمساهمة في دفع الجميع لإيلاء قضية الأمن اهتماماً خاصاً باعتبارها العنصر الرئيس لتحقيق الاستقرار في اليمن.