القضية الجنوبية.. بين عدالة المطالب وفشل القيادة

2014-10-23 13:02
القضية الجنوبية.. بين عدالة المطالب وفشل القيادة
شبوة برس - متابعات - عدن

 

يواصل الجنوبيون في اليمن منذ 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري اعتصامهم السلمي وسط ساحة إحتجاج مركزية في محافظة عدن  ، وتوسعت رقعة الإعتصامات المفتوحة حتى وصلت الى محافظة حضرموت كبرى محافظات الجنوب اليمني ، في خطوة جديدة انتهجها الحراك الجنوبي الذي يطالب منذ العام 2007 بإستقلال وإستعادة دولة الجنوب السابقة التي كانت قائمة قبل توحيد دولتي اليمن في العام 1990 .

 

وعلى امتداد ساحة “العروض” بمديرية خورمكسر نصبت عشرات الخيام ، حتى وصلت الى الشوارع والطرق المحادية للساحة ، التي أنطلق الحراك الجنوبي منها ودشن اولى فعالياته السلمية فيها عام 2007 ، بمطالب حقوقية نظمتها جمعية للمتقاعدين العسكريين ، طالبوا فيها بمساواة مرتباتهم بنظرائهم في الشمال .

 

ارتفاع سقف المطالب

كانت هذه انطلاقة الحراك الجنوبي السلمي في اليمن ، لكن النظام اليمني الذي كان يرأسه حينذاك الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، قابلها بالقمع الوحشي ، ما ادى الى سقوط عشرات القتلى والجرحى ، الأمر الذي اجج من تلك الإحتجاجات حتى انتشرت في جميع المحافظات الجنوبية ، وعزز من مطالبة الجنوبيين بالإنفصال والغاء الشراكة والوحدة الإندماجية التي تمت بين دولتي “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و الجمهورية العربية اليمنية” والعودة الى الوضع السابق .

 

كثف الحراك الجنوبي منذ العام 2007 من تظاهراته وفعالياته السلمية في معظم مدن ومحافظات جنوب اليمن ، قابلتها قوات الأمن اليمني حينذاك بالقمع ، ما ادى الى سقوط العشرات من القتلى والجرحى في ذات العام و تطور الأمر في الاعوام الستة الأخيرة حتى وصل قتلى وجرحى الحراك الجنوبي الى الالاف .

 

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن والأمن المركزي اليمني على الأخص لجأت إلى ارتكاب انتهاكات موسعة لحقت بالجنوب والجنوبيين، منها القتل غير القانوني والاحتجاز التعسفي والضرب وقمع حريات التجمع والتعبير واعتقال الصحفيين وآخرين. هذه الانتهاكات أدت لخلق أجواء من الخوف، لكنها أيضاً زادت من ضيق الجنوبيين وإحساسهم بالغربة في دولة الوحدة ، ويقولون إن الشمال يستغلهم اقتصادياً ويهمشهم سياسياً. وقد أفلتت قوات الأمن من العقاب جراء الهجمات غير القانونية ضد الجنوبيين، مما زاد من المشاعر الانفصالية في الجنوب وألقى بالبلاد في دوامة من القمع والاحتجاجات .

 

ويتهم الجنوبيون النظام اليمني والشماليين، بنهب ثرواتهم وتدمير الدولة الجنوبية ومؤسساتها ونهب المعسكرات والبسط على الأراضي، وتسريح الموظفين الجنوبيين من وظائفهم في مؤسسات الدولة ، بعد الحرب التي شنّها النظام السابق بقيادة صالح وحلفائه في حزب الإصلاح عام 1994 ضد الجنوب عندما أعيد فرض الوحدة بالقوة بعد توحيد شطري البلاد في 1990، في وحدة اندماجية طوعية، يقول الجنوبيون إنها فشلت.

 

إعادة الثقة  

حاولت اطرافاً في النظام الجديد “القديم” الذي تولى السلطة في اليمن عقب الإطاحة بـ “صالح” عام 2011 وتولي نائبه “عبدربه منصور هادي” رئاسة الجمهورية ، البدء بإعادة جسور الثقة مع الجنوبيين ، وقطعوا وعوداً بإنصاف قضيتهم العادلة والعمل على حلها والإعتراف بفشل الوحدة اليمنية وانتهاج سياسيات خاطئة بحق الجنوبيين ، في حين بادرت الحكومة بالإعتذار رسمياً للجنوبيين عن حرب صيف 1994 وما تبعها من جرائم وإنتهاكات بحقهم .

 

ودعمت دولة قطر صندوق انشاء لتعويض الجنوبيين الذين سرحوا قسراً عقب العام 1994 ، واصدر هادي قراراً يقضي بإعادة الاف العسكريين الجنوبيين الى وظائفهم في العام 2013 ، في حين وضع الحزب الإشتراكي اليمني المنظوي في تحالف اللقاء المشترك الذي حصل على نصف حقائب حكومة الوفاق الوطنية في اطار المحاصصة الحزبية مع حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه “صالح” عقب التوقيع على المبادرة الخليجية ، وضع “12″ نقطة كمعالجات للقضية الجنوبية ، كانت ابرزها اعادة الموظفين الجنوبيين المسرحين قسراً من وظائفهم عقب حرب 1994 ، ودفع مستحقات من فقدوا مصادر دخلهم في الجنوب جراء النهب وخصخصة مصانع ومؤسسات دولة الجنوب السابقة ، بالاضافة الى تشكيل هيئة وطنية للمصالح مع الجنوبيين وإنصافهم ، وإعادة كل الممتلكات والأموال التي تم الاستيلاء عليها بعد حرب 1994 في الجنوب ، والبدء في محاكمة كل المتورطين في ذلك ، و إعادة الفلاحين الذين تضرروا بطردهم من أراضي الانتفاع ، واطلاق سراح كافة المعتقلين الجنوبيين ، ودعوة قيادات الجنوب بالخارج للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني .

 

لكن الحكومة اليمنية لم تنفذ معظم هذه النقاط التي وضعها الحزب الإشتراكي بإعتبارها في نظره حلاً عادلاً للقضية الجنوبية ، لاسيما فيما يتعلق بدفع مستحقات كل من فقد مصدر دخله بسبب النهب والخصخصة ، واعادة كل ممتلكات الجنوبيين التي تم نهبها والاستيلاء عليها ومحاكمة كل المتورطين في تلك الجرائم ،

 

وبهذا الشأن يقول أنصار الحراك الجنوبي انه في الوقت الذي اظهرت الحكومة اليمنية تعاطفاً مع الجنوبيين أمام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، كانت رصاصات قوات الامن والجيش تقتل ناشطين في المحافظات الجنوبية وتقمع فعالياتهم السلمية التي كانوا ينظموها في عدن وحضرموت وبقية المحافظات .

 

واضافوا ان قوات الأمن شنت حملات مداهمة لمنازل ناشطين شباب واعتقلت العشرات منهم ، في ذات الوقت الذي اظهرت الحكومة تجاوبها للنقاط الـ “12″ التي وضعها الحزب الاشتراكي والتي تتضمن إطلاق سراح كافة المعتقلين الجنوبيين ، معتبرين ذلك مفارقة غريبة .

 

وأكدت قيادات في الحراك الجنوبي ان القضية الجنوبية وإن كانت برزت كمطالب حقوقية تراكمية ، إلا انها تمثل قضية سياسية منذ الوهلة الأولى لإجتياح الجيش الشمالي للأراضي الجنوبية في 7 يوليو/تموز 1994 ، وما رافقها من أعمال وتصريحات تعزز من وصف الجنوبيين وضعهم تحت “إحتلال” ــ حد وصفهم ــ

 

وفي هذا السياق اتهم أنصار الحراك الجنوبي في اليمن النظام المركزي الشمالي بانه اعتبر “الوحدة اليمنية” للفيد والنهب ، مستشهدين بما قاله الشيخ القبلي البارز المرحوم “عبدالله بن حسين الأحمر” في 25 ابريل/نيسان 1994 ، عندما قال “بأن الوحدة أعادت الأمور الى نصابها بعودة الفرع الى الأصل والجزء الى الكل والأبن الضال الى ابيه الشرعي .. ومنذ قيام الوحدة يحاول اعطاء الفرع الشارد نفس مكانة وحقوق الأصل الثابث وهو ما لانرضاه ولا نقبله” ، وقالوا بأن ذلك دلالة واضحة على ان اتفاقية الوحدة في مفهوم النظام الشمالي يعد وسيلة للوصول الى الغاية ، وان الوحدة لم تكن إلا ضم وإلحاق ــ حسب قولهم ــ .

 

الأمر الذي عزز من تمسك الجنوبيين بإستعادة دولتهم وعدم الوثوق بأي وعود تقطع لهم من قبل الحكومة المركزية في صنعاء ، وهو ما ظهر جلياً عند دعوة قيادات الحراك الجنوبي في الخارج للعودة الى اليمن والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ، تلك الدعوة التي قوبلت برفض شعبي واسع في الجنوب وكذا من قياداته في الخارج والداخل .

 

مراقبين ومحللين سياسيين اعتبروا هذا الرفض الشعبي الواسع في الجنوب والذي عبر عنه أنصار الحراك الجنوبي بفعالية مليونية في ساحة العروض بمحافظة عدن عند انطلاق اولى جلسات أعمال المؤتمر في 18 مارس/أذار 2013 ،  فقدان للثقة كلياً بالحكومة المركزية في صنعاء .

 

مؤتمر الحوار.

بالرغم من الرفض الواسع للجنوبيين لمؤتمر الحوار اليمني واعلان أكبر فصائل ومكونات الحراك الجنوبي عدم مشاركتها في اعماله ، شاركت بعض الشخصيات الجنوبية الأخرى التي عادت من المنفى وشكلت مكون لها في عدن للمشاركة باسمه في أعمال المؤتمر ،.

 

 شارك المكون الجنوبي الوحيد الذي كان يرأسه “محمد علي أحمد” بمؤتمر الحوار الوطني باسم الحراك الجنوبي ، لكنه وقبل إنتهاء المؤتمر بأسابيع انسحب رئيس المكون واعضاء منه بحجة ان مخرجات الحوار لا تلبي الحدود الدنيا من مطالب الجنوبيين ، معتبرين ان خيار الفدرالية من إقليمين “شمالي ــ جنوبي” هو ابسط ما يمكن قبوله في الجنوب على ان يتم استفتاء شعبي للجنوبيين عقب 3 او 5  سنوات من تطبيق هذا الخيار يفضي الى استعادة الدولة الجنوبية .

 

لم يكن لإنسحاب بعض اعضاء هذا المكون اي ثقل في مؤتمر الحوار الوطني ، لأن سرعان ما قام بقية اعضاء المكون بإعلان رئيس اخر بدلا من المنسحب للإستمرار في ماتبقى من اعمال هذا المؤتمر والتوقيع على مخرجاته .

 

ضلت مخرجات مؤتمر الحوار حبراً على ورق حتى اليوم ، رغم مرور مايقرب من عام على التوقيع عليها ، في ضل استمرار الإضطرابات والصراعات السياسية والطائفية في محافظات شمالية بين جماعة أنصار الله وحزب الإصلاح اليمني المشاركين في مؤتمر الحوار ، وأنصار الشريعة .

 

في ساحة العروض .

بعد سيطرة جماعة الحوثيين “أنصار الله” على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ايلول 2014 وما تلاها من سقوط معظم المحافظات الشمالية في قبضتهم ، تغيرت موازين القوى في اليمن ، واشتدت المعارك في الشمال ، وتعيش البلد حتى اليوم فراغاً حكومياً ودستورياً في ضل استمرار الخلافات على تشكيل الحكومة الجديدة ، .

 

كل ذلك القى بظلاله على الجنوب اليمني الذي يسيطر على قطاع واسع منه الحراك الجنوبي ، والذي توقع مراقبون حينها تنفيذه خطوات مماثلة على غرار الحوثيين لإسقاط المحافظات الجنوبية .

 

 لكن الحراك الجنوبي السلمي ليس مهيأ لمثل هذه الخطوات بسبب الخلافات المناطقية التي عصفت بقياداته الداخلية وكذا الخارجية .

 

في هذه الأثناء اكتضت مواقع التواصل الإجتماعي بالاف الدعوات من قبل ناشطين جنوبيين لتشكيل قيادة جنوبية موحدة تتمكن من تحقيق مطالبهم ، و بدأت الأصوات تعلو لتنظيم فعالية مركزية كبرى بعدن في ذكرى إندلاع ثورة 14 أكتوبر ضد الإستعمار البريطاني في 1963م ، اطلقوا عليها “مليونية الحسم” والعمل على إستغلال تلك الحشود القادمة من جميع المحافظات الجنوبية لإسقاط المحافظة في قبضتهم .

 

ودشن انصار الحراك الجنوبي إعتصاماً مفتوحاً في ساحة العروض التي شهدت تلك الفعالية ، وبدأوا بنصب خيامهم فيها ، وانضمت عشرات النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الإجتماعية  للإعتصام وأعلنوا تأييدهم لمطالب المعتصمين الذين اكدوا بأنهم لن يبارحوا الساحة حتى إستقلال الجنوب .

 

ظل الحراك الجنوبي مقيداً داخل ساحة العروض بعدن ، واعلنت اكبر مكوناته اعادة توحدهما بعد سنتين من الاختلاف ، فيما لايزال الجنوبيون يأملون بتشكيل قيادة موحدة تستطيع العبور بهم الى الهدف المنشود .

 

* تقرير خاص / كرم خالد أمان (رئيس التحرير)

عدن حرة