الاستفتاء الشعبي الذي أجراه الشعب الأسكتلندي لتقرير بقائه من عدمه بوحدة مع المملكة المتحدة قبل أيام، والذي أفضى إلى نتيجة البقاء في الاتحاد بفارق تسع نقاط تقريبا، تعاطت معه وسائل الإعلام اليمنية الرسمية وغير الرسمية بحالة من البهجة الغامرة، برغم انغماسها ـ أي تلك الوسائل الإعلامية ـ في حربها الطاحنة بصنعاء وما حولها، معتبرة ذلك الاستفتاء نصرا أتى لها مجانا من خلف بحر المانش أو هكذا شبه لها.. وتعتبر ذلك الاستفتاء أيضا بمثابة ورقة سياسية ووحدوية سيتم رفعها بوجه كل جنوبي يدعو إلى الانفصال عن صنعاء مستقبلا.
ولكن سرعان ما سيسقط هذا الكرت ويتم تمزيقه بوجه كل من يرفعه، ويعود حُجّة على من يرفعه وليس حجة له.. فنسبة المطالبين الأسكتلنديين بالانفصال عن إنجلترا وعن (المملكة المتحدة) عموما تجاوز 45 %، وهذه نسبة كبيرة حين تأتي من شعب كالشعب الأسكتلندي الذي يتمتع بالكثير من الحقوق ويعيش في كنف مملكة لها تاريخ عريق في الحقوق واحترام الحريات العامة.. وهذا الاستفتاء وحياديته وشفافية إجرائه خير دليل على ذلك.
فإن كانت رغبة الأسكتلنديين المطالبين بالانفصال قد وصلت إلى هذه النسبة الكبيرة وهم يتمتعون بكل هذه الحقوق وبكل هذه المزايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولم ينقصهم غير التمثيل الدولي، ويعيشون بجو إنجليزي راقٍ، فكم ستكون نسبة التصويت لديهم إن كان حالهم ومظالمهم وقهرهم وتعسف الإنجليز عليهم قد بلغ حجم ما يعانيه الشعب الجنوبي أو حتى ربع هذا الكم من أشكال المعاناة والظلم باسم الوحدة؟!.
وعلى كل حال نقول لمن يعتبر هذا الاستفتاء وكأنه انتصار له في الحصبة وشارع الستين إن الشعب الجنوبي مستعد أن يكون وحدويا أكثر من وحدوية الشعب الأسكتلندي، ولكن بشرط أن يكون الشمال وقواه الحاكمة بتصرفاته وسلوكه وتعامله مع الجنوب كتعامل وتصرفات الشعب الإنجليزي مع الشعب الأسكتلندي.. وسيكون الشعب الجنوبي وحدويا إلى أبعد حد إن كانت صنعاء تعاملت وتتعامل مثلما تتعامل لندن مع (ادنبرة) عاصمة أسكتلندا ومع باقي مكونات الاتحاد البريطاني، وهذا بالتأكيد ضرب من ضروب المستحيل.
باختصار شديد.. نقول لهؤلاء المتحذلقين في صنعاء الذين يسقطون حالات غيرهم على واقعم الموغل بالعفونة والفوضى: كونوا كالإنجليز يكن الشعب الجنوبي كشعب أسكتلندا.
دعوا حزب الإصلاح يتعامل مع الجنوب أو على الأقل مع الجنوبيين المنخرطين في السلطة بصنعاء بعقلية ورقي مثل تعامل حزب المحافظين مع شعب أسكتلندا، ودعوا حزب المؤتمر الشعبي العام يكون بنقاء وصدق وحداثة ومدنية حزب العمال البريطاني وهو يتعاطى مع الجنوبيين، وستجدون في الجنوب شعبا كأسكتلندا بكل ما يملكه من إرث حضاري وروعة ومدنية.
كونوا كذلك، ونحن نعرف ـ للأسف ـ أنكم لن تكونوا كذلك على الأقل بالمنظور القريب، وإلا صمتم إلى الأبد، (الكلام هنا موجه للقوى التقليدية الحاكمة في الشمال وليس إلى العموم من بسطاء الشمال وقواه الوطنية الخيّرة).
خلاصة القول وإيجازه.. نقول لهؤلاء المحتفين والمبتهجين إلى درجة الإغماء في صنعاء: إن كانت هذه النتيجة في أسكتلندا قد أسعدتكم فعلاً فلماذا لا تتوفر لديكم الجرأة وتتخذون من ذلك الاستفتاء قدوة لكم في الجنوب؟!، وكفى الله المؤمنين شر القتال.. لكنكم تعرفون أن النتيجة في عدن لن تكون مثل النتيجة في (ادنبرة)، ونتيجة الاستفتاء ستكون معروفة لديكم مقدما قبل الجنوبيين أنفسهم، مثلما تعرفون أسباب هذه النتيجة المتوقعة جيداً، تماما مثلما تعرفون أن إسقاطكم الحالة الأسكتلندية على واقع كاليمن هو إسقاط لا يمكن أن ينطلي إلا على إنسان بليد وساذج.
* حكمة: “حرروا الحرية، والحرية تقوم بالباقي”.
* لأيام