1940م عام التبدل الكبير عالميًا، والحق أن أصوات المدافع لم تسكت بعد في القارة العجوز ومناطق أخرى، لكن ترتيبات ما بعد الحرب لم تكن غائبة عن صناع السياسة العالمية. ومن هنا كان ذلك العام البداية لأثيرٍ يرسل الصوت (هنا عدن) لأغراض عسكرية بريطانية، الغرض منه الدعاية لحرب الحلفاء ضد الألمان كما يقول الإعلامي الرائد عبدالحميد سلام.
وكان أوائل الذين عملوا في هذا المجال السيد هاشم عبد الله والسيدة ماريا ستارك والشاعر علي لقمان ومحمد أحمد الأصنج والسيد أحمد زوقري والشيخ عبد الله أحمد حاتم وسواهم.
ونحن ندرك أن هذه الحرب المدمرة قد أفرزت اتساع أجهزة الراديو وانتشارها وتحديدًا (ترانزستور) كحاجة ملحة تستجيب لمتطلبات الحرب الدعائية بين المتخاصمين، تمامًا مثلما كانت حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي عام 1963م أمام عدسات التليفزيون هي كلمة السر أو شرارة البدء لانتشار الشاشة الفضية بلون الصورة الأخاذ الأبيض والأسود.
وفي العام 1954م وتحديدًا في السابع من أغسطس يتم الإعلام رسميًا عن إنشاء إذاعة عدن، أي أن المخاض قد استمر أربعة عشر عامًا، وأيّ كانت الأغراض من إنشاء هذا الكيان لدى الإدارة البريطانية فإنه يؤسس لمرحلة ناهضة في عدن المدينة الـ (كوزموبوليتن) مرافقًا لتطور الوعي الثقافي والسياسي وظهور النقابات والأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة العدنية والغناء العدني المتميز، دون أن نغفل دور الرواد من أبناء عدن ممن حملوا على عاتقهم إدارة هذا الجهاز الحيوي، وأيّ كانت الصعاب فإن المتاح من الحرية النسبية كان كافيًا لإذكاء روح الوطن ونبضه في رسالتهم الإذاعية.
ويكفي أن تكون الإذاعة الحاضن للأغنية العدنية وحتى اللحجية في دورتها الثانية، ليحفظ لنا إرشيف إذاعة عدن بدايات الندوة الموسيقية العدنية بريادة الفنان الكبير خليل محمد خليل وانطلاقة المرشدي ومحمد سعد عبد الله وأحمد قاسم وسواهم، وكذلك الأصوات الناشئة في لحج الخمسينيات في انضواء في الفرقتين الموسيقيتين: الجنوب واللحجية، برعاية وإبداع الأساتذة الموسيقيين الكبار فضل محمد اللحجي وعبد الله هادي سبيت وصلاح ناصر كرد ومحمد سعد الصنعاني والعبادلة الأمراء.
إن إذاعة عدن ملمح أصيل من ملامح عدن ونسيجها الثقافي المتقن، وهي إذ تكمل ستين عامًا من الإبداع الذي يوثق لمرحلة تاريخية من مراحل تطور الإعلام والسياسة والثقافة في هذا البلد، فإنها بحاجة ماسة لنظرة منصفة تعيد الألق إليها، بعد أن أصابها الإهمال المادي والمعنوي كجزء من العقاب المتعمد الذي أصاب هذه المدينة العظيمة عدن، ولكننا في الوقت نفسه نحيي القائمين عليها من الزملاء الإعلاميين والفنيين والمبدعين ممن يعملون في ظروف صعبة محافظين على جذوة (إذاعة عدن) أن تنطفئ ليبقى الألق باقيًا.
فتحية لإذاعة عدن وللقائمين عليها بعيدهم الستين وللرواد الأوائل الرحمة.
* الأيام