اولا :
--- مواد استرشادية لموضوع الورقة من تقرير البعثة ، اعداد :اكسيل روجيل - بتاريخ نوفمبر 2012م ( مترجم الى العربية ) :
1- تدل الخصائص المتميزة نوعا ما للموقع ، على ان شرمة لم تكن بلدة ذات مرفأ عادي في العصور الوسطى ، كما كان ميناء الشحر المجاور المعاصر على سبيل المثال . حيث كانت على الارجح ميناء تجاريا اكثر تحصينا و نقطة عبور امامية ( ترانزيت )، تأسست بواسطة تجار كانوا في السابق قد اجادوا انشأ شبكات خطوط تجارية... ان هذا المكان كان بكل تأكيد متصلا بشبكات التجار الخليجيين ( يقصد الفرس ) الذين سيطروا على الطرق التجارية للمحيط الهندي في القرنين ال 9 و 10 للميلاد .
2- ان الدمار الذي لحق بالمركز التجاري في (سيراف – ايران ) بفعل الزلزال الذي وقع 977م .. ادى ذلك الى اعادة التنظيم الكامل لشبكات الخطوط التجارية الخليجية في القرن 11م و نهوض مراكز اقتصادية جديدة في (قيس و هرمز ) ، و لذلك احتمال ان تأسيس شرمة و النشاطات المتعلقة بها ، له علاقة بهذا التحول الرئيسي في تجارة القرون الوسطى .
3- اما فيما يخص الهجرة المفاجئة من الميناء ، فان دراسة الواردات الصينية ، اشارت الى انه حدث حوالي 1150م ... و يبدو ان هذه الحادثة المثيرة لها علاقة بوصول المصريين الى هذا الرأس الممتد في البحر ، و في الحقيقة من الممكن ان شرمة او هجرت نتيجة حملة مصرية ، هذه الفرضية تدعمها حالة التوتر السائدة في ذلك الوقت بين التجار الخليجيين و الفاطميين .
4- لذلك تعتبر شرمة موقعا غير نمطيا ( غير قياسي ) ذات مدى زمنى دقيق يقدر بحوالي 980م – 1150م - (270ه-545ه).
5- لسوء الحظ ، لم يكن تحديد الازمنة و ترتيب تسلسلها في شرمة واضحا ، بقدر ما كان متوقعا ، حيت ان عمق الرواسب الاثرية لا يتجاوز مطلقا مترين بين سطح الارض و الطبقة السفلية التي ظهرت في عدة امكنة ، علاوة على ذلك فان التعرية الشديدة قضت على الطبقات العلوية و الارضيات ، و هذا يعني عدم توفر المستويات المدفونة بشكل اكبر .
..................................................................................
ثانيا :
نقد الجانب التأريخي :
اعتمد التقرير على الوجود التأريخي لميناء شرمة و نشاطه التجاري الكبير على ما ذكره كل من المؤرخ المقدسي في عام 985م و المؤرخ الادريسي في عام 1150م ، و على ذلك قدرت البعثة عمر هذا الميناء منذ الظهور حتى انتهاء الدور بقرن و نصف القرن .
غير ان لهذا الميناء بموقعه المعروف اليوم ذكر واضح و محدد في خريطة الرحالة بطليموس في منتصف القرن الثاني للميلاد ، فقد ذكر ميناء ( الاسعا ) أي الشحر كمركز تجاري تؤمه السفن عابرة المحيط الهندي ، و ذكر غربها ميناء ( بروم ) و شرقها ميناء ( شرمة ) (1) .
كما ذكرها المؤرخ الرحالة ابو عبد الله محمد بن طالب الانصاري الدمشقي – ت -1327م -728ه – عند ذكر حضرموت في كتابه (نخبة الدهر في عجائب البر و البحر ) ، حيث قال و لهذا الصقع على ساحل البحر فرضتان : احدهما شرمة و الاخرى الشحر .)(2) .
و على ما ذكره بطليموس و الانصاري يتحقق ما يلي :
1- الوجود التاريخي التجاري لميناء شرمة المتقدم في التاريخ الميلادي و المتأخر عن ما قرره التقرير بحوالي قرنيين .
2- وهنا تسقط فرضية الوجود و نهاية الدور المذكورة في التقرير ، كما تسقط فرضية مسؤولية الفرس عن انشائه و المصريين عن انتهاء دوره و تدميره حيث لا يوجد أي اثر كان للاعمال العسكرية من تخريب و حرائق و تدمير ، خاصة وان منطقة بحر العرب لم تعرف للفاطميين أي نشاط عسكري بحري فيها طوال فترة حكمهم في مصر . .
3- اعتمادا على استمرار وجود الميناء و نشاطه حتى عهد المؤرخ الانصاري عام 1327م – 728ه، فان هذا يعني غياب أي اثر لحفريات لما بعد تاريخ نهاية الميناء الذي حدده التقرير، و يظل السؤال اين اختفت تلك الآثار؟ .و هذا السؤال هو سؤال فرعي من سؤال آخر كبير و اوسع و هو : اين اختفت آثار الحياة الانسانية و التجارية تماما من سطح الهضبة ، فلا بقايا سكن و لا مقابر و لا اسواق و لا مخازن ( الطبقات العلوية و الارضيات ) . ثم لماذا غاصت الاثريات التي عثر عليها في اعماق الهضبة دون ظهرها ؟. ان الادعاء كما يقول التقرير ان ذلك كان بفعل التعرية القوية ، امر غير مقبول البتة، فما كان لعوامل التعرية ان تعدم كل اثر لحياة استمرت قرون مديدة على هضبة الموقع مهما كانت قوتها .
4- و اذ يقر التقرير بحدوث ( هجرة مفاجئة من الميناء ) و يعتبر ذلك ب ( الحادثة المثيرة ) ، فانه لم يقدم تعليلا لما يقره ، فحادثة الغزو المصري التي اعتمدها التقرير ، لا تبرر ذلك ، كما انها لا تبرر نهاية دور الميناء على الاطلاق .
5- ادعاء التقرير بسيطرة الفرس على ملاحة المحيط الهندي في العصور الوسطي ، انما هو قول يفتقد للتأسيس ، ذلك انه و على مدى العصور الوسطى ( ان العرب تفوقوا عليهم في النشاط التجاري و القيام بحركة الوصل بين ارجاء المحيط ، كما ان ذلك لا ينقص من دور الايرانيين لانهم ابدعوا و اضافوا للانسانية الكثير في مجالات اخرى ) (3) ، هذا من ناحية ، و من اخرى فان عرب السواحل الجنوبية للجزيرة العربية ليسوا في حاجة الى واسطة الفرس التجارية منذ ما قبل الاسلام ، فقد ( اظهروا نشاطا في ركوب البحر لا نجده عند اهل السواحل الغربية ) (4) ، اما اهل حضرموت ، فقد( اظهروا في ركوب البحر بروزا لا نجده عند غيرهم من سكان السواحل )(5) .
و حتى عهد حاكم الشحر و المشقاص و المهرة الذي تقع شرمة تحت ولايته عبد الرحمن بن فارس بن اقبال سنة 619ه – 1219م - م ، كانت المنطقة تتمتع بازدهار تجاري و نشاط بحري و رخاء غير عادي ، هذا ما نفهمه من مدح الشاعر ابي حنيفة له ، حيث يقول :
انت في البر وهّاب القري ... انت في البحر وهّاب الفلوك
ان مدح بالكرم معطي المئة ... فبما يمتدح معطي اللكوك (6)
ان المعنى الذي يمكن فهمه من البيتين اعلاه ، هو ان حاكم الشحر ابن اقبال ، كان من الكرم و سعة الاموال ما سمح له بان تصل مكرماته و وهباته و عطاياه الى صرف مستحقات الدولة من حمولة سفينة تجارية او قرية عامرة بالحياة و النشاط الاقتصادي او ان يهب الاموال الطائلة نقدا و عدا .
و هنا تسقط دعوى التقرير بان ميناء شرمة كان لا يأخد اية ضرائب على الصادر و الوارد ، و يبدو ان ذلك الاستنتاج الذي يزعمه التقرير يقوم على عدم العثور على اية عملة نقدية من أي نوع و من أي عصر في تلك التنقيبات . غير ان تلك القرينة تسقط تماما الا اذا كان الغياب شبه الكلي للمقابرخاصة الاسلامية في منطقة التنقيب يعني عدم وجود حياة بشرية في تلك المنطقة التي يقول التقرير انها كانت تعج بنشاط تجاري غير عادي .
6- ان غياب ( الطبقات العلوية و الارضيات ) الذي على ضوئه ( لم يكن ممكنا تحديد الازمنة و ترتيب تسلسلها في شرمة ) كما جاء في التقرير ، يعطي مسوغ علمي لكل ما تقدم من هذه الورقة ، كما يعطي مسوغ للبحث عن اسباب كل ذلك الغموض الذي يحيط بنتائج التنقيب و صعوباته.
..........................................................................
ثالثا :
نقد الجانب الجغرافي :
المعنى اللغوي ل( شرم ) : شرم الشىء أي شقه . انشرم : انشق . الشرم : الخليج . الشرم : لجة البحر .و التشريم : التشقق .
هذا يعني ان اسم (شرمة ) : تدل على موقع بحري انشق عن يابسة ، شكله لابد ان يدل على صورة ذلك الانشقاق ، كأن يكون محصور بين جبلين و صورة الانشقاق ان يكون ممتد في البحر.و الاقرب ان يكون في شكله الاصلي بما يطابق المعنى اللغوي على شكل حرف v .
كما عرفت ( شرمة ) في الاخباريات الحضرمية باسم ( رأس شرمة ) ، و الرأس البحري هو عبارة عن جبل ممتد في لجة البحر ، و هذا يعني ان شرمة اليوم ليست شرمة ( الرأس) لانها لم تعد مشرومة ، فهي ليست اكثر من ( خور ) بحري .
غير ان (خور ) شرمة اليوم (البحر الغربي : المرسى ) تتمتع مياهه بهدوء غير عادي و لا يشبه غيره من الخلجان ، بل لا ابالغ اذا قلت ان ذلك الهدوء لا يكون الا اذا كان المرسى على وضعه الاساسي كرأس ممتد في لجة البحر يعمل ككاسر للامواج و يمنعها من الدخول الى المرسى . فما هي حقيقة الامر .؟.
الحقيقة انه فعلا هناك حاجز و كاسر للامواج يرتفع من العمق حتى يقترب من سطح البحر ، هذا الحاجر او الكاسر مكون من احجار ضخمة عملاقة ، يمتد في البحر طولا الى حوالي خمسة كيلومتر حتى يتصل بما يشبه الجزيرة المقابلة للمرسى ، و يمتد عرضا بحوالي خمسة كيلو ايضا ، حتى يقترب من الالتصاق بالبحر الشرقي .
مراكب الصيد الكبيرة في انتقالها بين البحرين الشرقي و الغربي لا تستطيع قطع المسافة مباشرة عبر المرور في منطقة الحاجز ، و ذلك لاقتراب صخور الحاجر من سطح البحر ، و لهذا فهي تضطر الى تجنب قطع ذلك الحاجز ، فهي تتصرف و كأن امامها رأس جبلي ممتد في عرض البحر .
من المؤكد ان ما يبدو للناظر من ساحل المرسى على انه جزيرة في عرض البحر ، لا يشبه الجزيرة في شىء سوى انه محاط بالبحر من جميع الجهات و ليس له ساحل ، بل مغروز عرزا في لجة البحر و منتصب القامة ، و هو في حقيقة الامر ما تبقى من جبل انهد كان يمتد و متواصل مع منطقة الحاجز او الكاسر للامواج و متصل بالهضبة ، و هذا سبب ارتفاعه الكبير عن سطح البحر ، هذا الجبل الممتد من ذلك الرأس المتقدم الذي يشبه الجزيرة و المتصل بالساحل عبر ما قلنا انه الحاجز او كاسر الامواج ، كان يشكل ما يطلق عليه في الاخباريات الحضرمية ( رأس شرمة ) الذي انهد و بقيت صخوره الضخمة التي تشكل كاسر الامواج اليوم .
لكي نعرف الظروف و الاسباب التي ادت الى نهاية ( الرأس ) بشكله كجبل ممتد في عمق البحر ، لابد من استكمال البحث في موقع مهم تضمه منطقة المرسى .
لدينا في طرف المرسى المتجه نحو منطقة القرن ، ما يطلق عليه الصيادون ( شعب النار ) ، و هو عبارة عن فوهة بركان ضخمة بقطر يزيد عن نصف كيلو متر ، و فوهة اخرى بنفس الحجم تقع في منتصف منطقة الحاجز الكاسر للامواج (رأس شرمة سابقا ).
يبدو ان هذا البركان حدث له انفجار و ثورة ، فمن الطبيعي ان ينتج عنه طوفان مدمر ( سونامي ) ،حيث غطت مياه البحر الهائجة كامل رأس شرمة و الهضبة ايضا المتصل بها . و لما كانت طبيعة الثورات البركانية ذات امتداد زمني لا يتوفر للهزات الارضية ، فان هذا الطوفان ظل على قوته فترة ثورة البركان الذي يبدو انها استمرت اكثر من يوم .
هذا الطوفان الذي كان مصدره ملاصقا للساحل و استمر لاكثر من يوم يغطي كامل الرأس و الهضبة معا ، كان طبيعيا ان يذيب كامل المواد التي كانت سبب تماسك صخور الجبل ( الرأس)، و كان طبيعيا ان تسقط تلك الاحجار في القاع ، لتشكل الحاجز و كاسر الامواج غير المرئي اليوم ، شاهدة ليس على وجود سابق على الجبل الذي كانت تمثله فحسب ، بل شاهد على كارثة البركان و ما عقبه من مد سونامي مدمر .
و اذا كان ذلك كان في ما يخص (رأس شرمة ) الجبل الممتد في لجة البحر ، فان ما حدث في الهضبة ليس اقل دمارا ، فقد اكتسح ذلك المد الهضبة كلها ، و جرف معه كل شواهد و معالم مرسى شرمة التاريخي التجاري، بل كل الشواهد على حياة الانسان على تلك الارض على مدي قرون مديدة ، حتى اذا جاءت البعثة الفرنسية اليوم ، لم تجد لتعاقب الازمان دليلا ، فقد اكتسح ذلك المد كل الطبقات العلوية و الارضيات ، بل لابد ان يكون قد مسح الهضبة مسحا عنيفا ، و اخفض من مستوى ارتفاعها ، و اخذ معه كل حقائق الحياة و الانسان عبر قرون من النشاط المشهود عبر التاريخ .
لا شك انه كان لذلك ( الحدث المثير ) بلغة تقرير البعثة ، تأثيرات و مترتبات اخرى ليس في منطقة شرمة وحدها ، بل ما كان لذلك الحدث ان ينحصر تأثيره على شرمة وحدها ، بل لابد ان يمتد تأثيره و مترتباته في منطقة واسعة من الساحل المرتبط بمنطقة شرمة ، فلعله لم يختف (رأس) شرمة وحده ، بل ايضا (رأس) باغشوة ايضا الذي يقع الى الشرق منه ، و اصبح مجرد (خور ) لا غير، كما ان هناك موانىءقريبة من ميناء شرمة ذكرت في المصادر الحضرمية ، ظهرت ثم اختفت فجأة ، مثل ميناء خلفة و الظاهر و خرد ، و لعله من المفيد هنا ان نذكر انه في عام 937ه – 1530م، ورد اسم شرمة ، باعتبارها (جزيرة شرمة ) بدلامن ( رأس شرمة ) (7 ) ، في دلالة على التغيير الجوهري في طبيعة منطقة شرمة ، غير ان البحث في هذا الامر و معرفة حقيقته يتطلب جهد ذوي الاختصاص .
* سالم فرج مفلح - باحث ومؤرخ
15 يناير 2013م
حضرموت
..................................................
المراجع :
1- محمد عبد القادر بامطرف : الشهداء السبعة –24
2- شمس الدين ابو عبد الله محمد بن طالب الانصاري الدمشقي : تحفة الدهر في عجائب البر و البحر –218 – طبعة ليبزج –سان بترسبرج .
3- شوقي عبد القوي عثمان : تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الاسلامة—61 – عالم المعرفة –ط – 1990م.
4- جواد علي : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج7 –223
5- نفسه .
6- عبد الله بن عمر بامخرمة : تاريخ ثغر عدن -97 –
7- محمد بن عمر بافقيه : تاريخ حوادث السنين و وفاة العلماء العاملين و السادة المربين و الاولياء الصالحين – دراسة و تحقيق د . احمد صالح رابضة – اصدار جامعة عدن .