كشف البيان الأخير رقم «80» الصادر عن تنظيم ما يسمّى «قاعدة الجهاد في شبه جزيرة العرب» ونشره على الانترنت يوم الخميس الماضي الذي تبنّى فيه مسؤوليته عن الهجوم الذي شنّه عناصره على منفذ الوديعة والشرورة الحدودي في أراضي المملكة العربية السعودية في 4 يوليو الجاري وراح ضحيته 4 من رجال الأمن السعودي وإصابة تسعة آخرين، عن مدى خطورة هذا التنظيم وحقده على استقرار الشعوب والدول الإسلامية، وعن سعيه المتواصل لإثارة التوترات وإلحاق الضرر بالعلاقات فيما بين الشعوب الإسلامية من جهة ودولهم من جهة أخرى بتنفيذه جرائمه الإرهابية التي أخذت هذه المرّة طابعاً جغرافياً جديداً لارتكابها، ظناً منه أن انطلاقته من حدود الدولة اليمنية إلى الأراضي السعودية لارتكابهِ جريمته «الهجوم على منفذ الوديعة والشرورة» سيحقّق لهُ مرادهُ في تصدير الويل والإرهاب إلى دول الجيران والنيل من العلاقة المتميّزة بين الشعبين والدولتين الجارتين اليمن والمملكة العربية السعودية.
يتضح مما ورد في البيان أن التنظيم يحاول تسويق مبرّرات ودوافع غير شرعية لارتكابه هذه الجريمة الإرهابية المدانة، حين ذهب ليصوّرها أن سبب الهجوم هو «ازدياد طغيان واضطهاد المسلمين في بلاد الحرمين» وأن السعودية لاتزال «تعتقل المسلمات هناك دون ذنب» في إشارة إلى نساء مرتبطات بـ «القاعدة» سجنتهن السلطات السعودية؛ ليسرد هذه المبرّرات كمحاولة منه لتوجيه وإبقاء أنظار أبناء الشعبين وإشغالها تحدق حول تلك الأسباب والدوافع المزعومة، ليصرف أنظارهم عن الأبعاد الخفيّة من ارتكابه لمثل هكذا جرائم التي يسعى إلى تنفيذها للإضرار بمصالح الشعوب والدول الإسلامية، ويتصوّر أنه سينجح في محاولاته لزعزعة أنظمة دول الجيران وخلط الأوراق في مجتمعاتها على غرار ما يجري هناك في العراق وسوريا لتأسيس دولة الخلافة الإسلامية التي لم يُحسم أمرها بعد أن كانت خلافة موحّدة أو متشرذمة في شكل إمارات، ولم يحدّد علاقة تنظيم “قاعدة الجهاد في شبه جزيرة العرب” بهذا الشكل الجديد لجهادهم المزعوم.
لم يؤخذ التنظيم في حساباته أهمية هذا المنفذ اقتصادياً ومجتمعياً لأبناء الدولتين «اليمن والسعودية» الذي يرفد الخزينة بأكثر من 12 مليار ريال سنوياً ويمر منه ما يزيد عن 120 ألف زائر سنوياً من المواطنين اليمنيين بحسب التقديرات الاقتصادية في اليمن، ومدى تأثّره السلبي بالنتائج السلبية التي ألقت بظلالها عليه تنفيذ هذه الجريمة النكراء، حين يوهم المجتمع بحرصه على شعوب المسلمين، عن أي حرص يتحدّث قادته وهو يلحق الضرر والأذى بهم..؟!.
لم يأخذ في الاعتبار أهمية استقرار العلاقة بين الشعبين والدولتين وانعكاساتها الإيجابية على استقرارهما وما تعود به عليهم من منافع لاسيما على الشعب اليمني الذي يكُنّ للملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً كل الحب والتقدير والاحترام، ويدين لهم بالكثير من المواقف الأخوية والإنسانية الصادقة التي لا تبخل بها عليهم وعلى دولتهم اليمن في كل الظروف لمساعدتهم على مختلف الصُعد انطلاقاً من تقديرها العميق للشعب اليمني ولواجب الروابط الأخوية والإسلامية والمجورة التاريخية التي تستدعي من الجميع الحفاظ عليها وتعزيز العلاقة بين البلدين الجارين التي يعتزُّ بها الشعبان ولن يسمحا لأي شائب بأن يعكّر صفوها أو محاولة هؤلاء المجرمين يمنيين كانوا أو سعوديين المساس بها.
إن تميُّز العلاقة بين الدولتين وما تشهده من تطوّر على مختلف الصعد؛ أصبح عاملاً يقلق التنظيم وقادته الأمر الذي قادهم من خلال القراءة المتأنية للأبعاد الخفية من تنفيذ جريمة “الهجوم على منفذ الوديعة” وما سبقه من تحرّكات لإقامة معسكر تدريب على الحدود اليمنية السعودية، من الإدراك أنه لا يمكن زعزعة هذه العلاقة إلا بتصدير الجرائم الإرهابية من الحدود اليمنية إلى المملكة، وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه قادة هذا التنظيم العدواني الذي يزعجه استقرار العلاقات بين الشعوب والدول الإسلامية؛ لأنهم لم يتعلموا أن هذه الأعمال وقتل الأبرياء مصيرها الفشل، وأن مشاريعهم لم تعد مقبولة عند عامة الناس مهما كانت الذرائع والمبرّرات التي يشرعنوا بها لأنفسهم ارتكاب قتل النفس البريئة التي حرّم الله قتلها، إلا من يقع تحت تضليلهم من بعض الشباب المغرّر بهم باسم «الجهاد».
إن هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي تُرتكب باسم الدين، هي في الحقيقة أعمال تضرَّ وتضرب مجتمعاتنا وتسيء إلى سمعة ديننا الإسلامي الحنيف البريء من هذه الأفكار الضالة والدخيلة عليه وعلى مجتمعاتنا وقيمنا وأخلاق شعوبنا المسلمة، فهذه الأفكار المتطرّفة التي لا تؤمن إلا بقتل الأبرياء والدمار والخراب للشعوب الإسلامية، وخلق الاضطرابات والفتنة بين الشعوب وبين الحكومات الإسلامية، وهز علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية في ما بينها، تستدعي منّا جميعاً التصدّي لها، فهذا الإرهاب لا يعرف وطناً ولا حدوداً ولا ديناً، وعلينا تكريس جهودنا المشتركة لإجهاض مخطّطاته وجرائمه وعدم السماح له بالنيل من علاقة شعوبنا الإسلامية ودولهم ومواجهته بحزم والالتفات إلى الأسباب الخفيّة التي يسعى إليها بتنفيذه هذه الجرائم المدانة التي تصبُّ في فائدة ومصلحة أعداء الأمة الإسلامية وأعداء الدين الإسلامي البريء من أفكارهم الضالّة والهدامة للأمة.