عادة الشعوب عندما تنهض من سبات عميق وتثور على نظام فاسد من أجل استرجاع حقوقها ونبذ الظلم والتحرر من عبودية حُكامها بقصد إصلاح البلاد، "أظن أنه وباتفاق الجميع يكون هو الخيار الصحيح"
لكن عندما تنحرف هذه "الثورة" عن مسارها الصحيح ويتم إخمادها عبر صفقة سياسية رخيصة، وتكتفي بأنصاف الحلول فقط، وتعطي توكيلاً مفتوحاً لبعض القوى السياسية باسمها، ليس لشيء إنما بهدف ترتيب أوضاع تلك القوى ليحركوا أحجارها وفق مصالحهم ( عندها يسقط مفهوم "الثورة" وتصبح كإبريق ماء غَلَى وبعدها تبخر ) وهذا ما حدث هنا في اليمن.
هذه هي نقطة الانطلاقة ومن هنا تبدأ مسيرة "الصراع" ومسيرة الأخذ والعطاء أللّا محدود بين كافة الأطراف المتصارعة أو المتفقة سياسياً، عندها وبكل بساطة وسهولة فائقة يتم دحرجة "الشعب الثائر" الذي نهض بأمره وأُخمد بأمر غيره إلى مُضيق لا يتم العُبور فيه إلا وفق مصالح تلك القوى وسياساتِها المرسومة والمخطط لها على حساب الشعب المغلوب على أمره "وليس الثائر" !
بعدها يصبح هذا الشعب المسحوق خارج نطاق الجاهزية، ومُجرداً من كافة صلاحياته، وتبقى كل أمآله وطموحاته التي نهض من أجلها وسعى لتحقيقها مُبعثرة في مهب الريح.
وإن كُـل ما يحدث في هذا البلد المسمى "بالسعيد" من اختلالات أمنية وفساد إداري وكوارث اقتصادية وإنسانية، التي ترتب على إثرها فجوات غير قابلة للترقيع في نظام الدولة، جاءت بسبب تلك الممارسات السياسية الحمقاء التي لم تبقي حجراً على حجر الناتجة عن تصارع تلك القوى في ما بينها البين ، والساعية لفرض قوتها ومصالحها وترتيب أوضاعها في نظام الحكم وليس من أجل الصالح العام.
وما يحدث في بعض المناطق الجنوبية وفي عمران على وجه الخصوص يعتبر خير دليل على رد الكيل والضرب بمكيالين بين قوتين دون غيرها، وهنا يتضح لنا جلياً أن كل الأرواح التي زُهقت وما زالت تزهق والتي ستُزهق، ما هي إلا عبارة عن عربون لصفقة ما دُفع ثمنها على قسطين : القسط اﻷول تم دفعه بالدم وبفوهات البنادق، والقسط الآخر سيتم دفعه بتنازل سياسي هدفه القضاء على إحدى القوتين، "إما تسريح بإحسان" أو الإستعانه بالقرارات الدولية والدعم الخارجي للعملية السياسية في اليمن
وإن ذلك الصراع الذي فرضته تلك القوى على تلك المناطق أصبح حملاً ثقيلاً عليهم وهماً يضايق مضاجعهم، وهكذا يبقى أولئك المواطنون الذي يعيشون في تلك الرقع السوداء منتظرين بكل شغف بزوغ فجراً جديداً ليبث فيهم الحياة ويُعيد إليهم رمقاً من العيش الكريم.
وفي ختام هذا الحديث الذي قد يختلف معي فيه الكثير من المتعصبين لتلك الأحزاب والقوى السياسية, أود القول لهم أن يتقوا الله في هذا الشعب ولتكن مصالحهم من مصلحة الشعب ولأجل الشعب, ﻷن للشعوب ذاكرة لا تنسى شيئا "والتاريخ لا يرحم أحدا" وإن أصروا على موقف عصبي, فهذا شيء طبيعي ﻷن النفس تأنس لما تهواه، وتعشق ما استقرت عليه، ويصعب عليها أن تستوعب غيره، حتى لو تبينت أنه الحق أو توسمت أنه الحقيقة.