بعد أن تحدث ثلاث سنوات كاملة عن "طيّ صفحة صالح"، ها هو الإصلاح اليوم يطالب بـ"فتح صفحة جديدة مع صالح"!
ولا عجب..
فهذه هي النتيجة المنطقية لكل المسار الذي انتهجه الإصلاح حتى الآن: مسار الثورة المضادة.
الإصلاح، الذي اتهم ويتهم كل اليمنيين بدون استثناء (فيما عداه هو طبعا) بالتآمر على الثورة ووصف وما يزال يصف الجميع بأنهم ثورة مضادة، كان وما يزال أكبر متآمر على ثورة 2011 وأكبر ثورة مضادة لها: فالثورة خرجت بهدف واضح ومحدد هو "الشعب يريد إسقاط النظام" وحددت مساراً واضحاً ومحدداً لتحقيق هذا الهدف هو "المسار الثوري السلمي"، وقد التحق الإصلاح بها واستخدم كل الوسائل والأدوات غير المشروعة من أجل الإستيلاء على قيادتها.
ولم تكن المشكلة في استيلائه على قيادتها رغم كل ما يحمله ذلك من إقصاء منافٍ لروح الثورة، لم يكن هذا ليشكل مشكلة خطيرة لو أنه قادها في مسارها الواضح والمحدد (المسار الثوري السلمي) باتجاه تحقيق هدفها الواضح والمحدد (اسقاط النظام)، بل المشكلة كانت في أنه حرف مسارها الكامل الى مساره هو (مسار المبادرة الخليجية والصراع المسلح) من أجل تحقيق هدف مضاد لهدفها ألا وهو: إعادة إنتاج نظام صالح بواسطة الثورة مع الإكتفاء بتغيير صالح فقط. لماذا؟ لأن الإصلاح كان جزءاً لا يتجزأ من نظام صالح بل إنه كان يشكل تقريباً الجزء الأكبر من نظامه.
ولكي نفهم معنى هذا الكلام، علينا أن نلقي نظرة على أهم وأبرز الأسماء الموجودة في صفحة صالح والتي يعرف كل يمني أنهم أبرز أركان ورموز نظامه:
"لماذا صعب على الثورة طي صفحة علي عبدالله صالح؟"، كتبت ذات مرة، وقلت:
تعالوا ننظر ماذا يوجد في صفحة علي عبدالله صالح:
1- علي عبدالله صالح،
2- علي محسن الأحمر مع كل تحالفاته،
3- أبناء الشيخ الأحمر مع كل تحالفاتهم،
4- وغيرهم من أركان أسرة بيت الأحمر في حاشد وسنحان الذين كانوا رموز نظام صالح طوال 33 عاماً من حكمه وأصبحوا بين ليلة وضحاها "رموز الثورة" عليه،
5- غالب القمش،
6- عبدالمجيد الزنداني،
7- محمد اليدومي وأغلب قادة حزب الإصلاح (كي لا نقول حزب الإصلاح كله)،
8- وآخرون غيرهم أقل أهمية وسلطة في الصفحة كعبدربه منصور هادي ومحمد سالم باسندوة اللذين لا يعتبران من أركان نظام صالح في الواقع، لكنهما كانا مثل آخرين غيرهما أعضاء فيه، وأوردت إسميهما هنا للتأكيد على ان النظام الذي جلبته المبادرة الخليجية بعد ثورة 2011 لم يخرج تقريباً عن نظام صالح وصفحة صالح.
"هذه هي أبرز الأسماء الموجودة في صفحة علي عبدالله صالح (وليس كلها طبعاً)"، وهذا ما كتبته يومها حين كان إعلام الإصلاح يتشدّق بطيّ صفحة صالح: "ولذا، صعب حتى الآن وسيصعب مستقبلا طي صفحة علي عبدالله صالح المكتظة بهذه الأسماء التي تتشدق اليوم بالثورة وتطالب بطي صفحة صالح التي هي صفحتها أصلا".
صفحة صالح هي صفحة الإصلاح أكثر لأن نظام صالح كان نظام الإصلاح أكثر. ولهذا، فإن من وقف في وجه الثورة وحال بينها وبين طيّ صفحة صالح وفتح صفحة يمنية جديدة لم يكن صالح بل كان الإصلاح. ويمكننا سرد الخطوات التي اتخذها الإصلاح من أجل منع الثورة من "طيّ صفحة صالح" خطوةً خطوة، لكن المجال لا يتسع، وسنكتفي بالإشارة الى وقوفه في وجه التصعيد الثوري في جمعة الكرامة والخطوة التالية لتلك اللحظة: انضمام علي محسن وكل رموز الإصلاح داخل نظام صالح الى الثورة.
أغلب الأسماء والرموز الموجودة في صفحة صالح (والمذكور منها هنا طبعاً ليس سوى عينة بسيطة) غادروا صفحة صالح الى صفحة الثورة، لا لكي يساعدوا الثورة على "طيّ صفحة نظام صالح" وفتح صفحة جديدة، صفحة الثورة، أو صفحة ما بعد نظام صالح، بل لكي يبقوا على صفحة نظام صالح مفتوحة ويمنعوا طيَّها:
لقد كرس الإصلاح كل ما في وسعه من أجل: "شطب" إسم صالح من صفحة صالح، هذا كل ما أراد من الثورة تحقيقه ولم يرد منها أبداً أن تطوي صفحة صالح لأنها في الواقع كانت صفحة الإصلاح أكثر. ولأن الثورة لا تنجح في "إسقاط جزء من النظام" وإبقاء الجزء الآخر منه واقفاً، انتهى الأمر بصفقة سياسية بين الجزء الذي انشق عن نظام صالح والجزء الآخر الذي تبقى مع صالح خارج الثورة. وهكذا، اكتفى الإصلاح بالقبول بتغيير بسيط داخل صفحة صالح التي حرص على إبقائها مفتوحة، تغيير بسيط تخلى صالح بموجبه عن موقع الرجل الأول وعن جزء من نفوذه وسلطاته للإصلاح وشركائه التاريخيين في الحكم مقابل بقائه في الصفحة وبقاء صفحته مفتوحة.
لقد تحدث الإصلاح على مدى ثلاث سنوات عن "طيّ صفحة صالح" في حين كان هو أكثر من وقف ضد طيها: لقد أراد شطب إسم صالح وعائلته فقط من صفحة صالح التي كانت صفحته أكثر، أراد شطبه بـ"كورّيكت". والآن، بعد أن وجد الإصلاح أن صفحته هي التي بدأت تُطوى من أكثر من إتجاه، هرع الى صالح راجياً منه أن يتحالف معه مجدداً. لكنّ هذا سيكون خطأ كبيراً من صالح إن استجاب لمساعي شركائه السابقين لأن التحالف مع علي محسن والإصلاح مجدداً لن ينجح سوى في تحقيق ما لم تنجح الثورة في تحقيقه، وبصورة أسوأ:
طيَّ إسمه، ليس وهو على رأس صفحة تحمل إسمه بل وهو جزء من صفحة تحمل إسم "صفحة الإصلاح".
من حائط الكاتب على الفيس بوك