اسباب الاعمال الارهابية الموجة ضد القيادات الجنوبية الموالية لنطام صنعاء
تشهد الساحة اليمنية هذه الأيام احداث متسارعة, ومنها التفجيرات الارهابية التي تستهدف على وجه التحديد قيادات عسكرية ومدنية جنوبية , وعلاقة القرارات والاجراءات التي اتخذها عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية مؤخرا بهذه الأحداث .. لمعرفة ذلك بشكل سليم اتصل موقع (عدن برس) بالكاتب والمؤرخ الأستاذ/ محمد عباس ناجي المقيم هذه الأيام في صنعاء . طالبا منه مشكورا تقديم رؤيته لزوار الموقع الكرام.. فكان رده:
سبق وإن اشرنا أن انتقال نشاط ما يسمى بالجماعات الاسلامية إلى محافظات الجنوب بشكل عام ومحافظة أبين بشكل خاص منذ فترة عامين تقريبا لم يأت بمحض الصدفة , وإنما نتاج لتخطيط مبرمج , الهدف منه تشويه صورة نضال شعب الجنوب السلمي أمام الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي . بما يجعل هذا الرأي ينظر إلى شعب الجنوب أنه شعب متطرف. كما أن استهداف محافظة أبين على وجه التحديد تكمن ورائه عدة اهداف. واهمها , أن أبين هي خاصرة الجنوب , والاستيلاء عليها يعني تمزيق الجنوب.... الخ. فظلت هذه المحافظة ساحة مفتوحة لنشاط الجماعات الارهابية لفترة عام وأكثر حتى أن الجيش والأمن هزما أمامها. لأن صانع ومتخذ القرار يريد ذلك. فلم يجد أبناء أبين من مفر سوى ان يقوموا هم بمجابهة تلك الجماعات الارهابية والحاق الهزيمة بها . وتمكنوا من ذلك بمشاركة وحدات وقيادات عسكرية معظمها جنوبية. ولا سيما بعد توفير الدعم من قبل الرئيس هادي الذي وصل إلى سدة الحكم في الفترة نفسها . فتم تسهيل خروج الكثير من عناصر تلك الجماعات إلى محافظات اخرى , ولاسيما إلى محافظة حضرموت لكبر مساحتها , واستطاعت تلك المجاميع أن تعيد تنظيم نفسها في ظل عدم متابعة صادقة لها من قبل الأجهزة الأمنية اليمنية واقتصرت متابعة تلك المجاميع على المخابرات الامريكية التي كانت وراء قتل بعض القيادات الارهابية. خروج هذه المجاميع بسلام مكنها من القيام بأعمال إرهابية استهدفت القيادات الجنوبية لأن هذا الاستهداف يحقق رغبة تلك الجماعات التي ترى في القيادات الجنوبية سببا في رفض السماح لها ببسط سيطرتها على الجنوب , وبالمقابل أطراف في السلطة ترى أن القيادات الجنوبية بدأت فعليا تتخذ قرارات هامة تضر بمصالحها, وترى ضرورة وقفها عن ذلك وبأي شكل , فسخرت تلك المجاميع الارهابية . وهذا ليس بجديد , فقد استخدمت سلطات صنعاء نفس العناصر الارهابية لاغتيال الكثير من القيادات الجنوبية عامي 92/ 1993م , فكانت البداية هذه المرة تعرض عدة قادة الوية جنوبيين لمحاولات اغتيال أمثال العميد الركن/ فيصل رجب قائد اللواء (119) مدرع, والعميد الركن/ محمود الصبيحي قائد لواء 201 العند . ثم اغتيال اللواء الركن/ سالم علي قطن قائد المنطقة العسكرية الجنوبية في 18/6/2012م بعدن, واغتيال عدد من قادة اللجان الشعبية في محافظة أبين. ثم اغتيال اللواء الركن/ عمر سالم بارشيد مدير كلية القادة والاركان في 9/8/2012م أثناء تواجده في حضرموت , ثم محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي في 27/8/2012م بصنعاء , ومحاولة اغتيال الاستاذ محمد علي احمد وزير الداخلية السابق في 10/9/2012م أثناء تواجده في حضرموت , ومحاولة اغتيال اللواء الركن/ محمد ناصر أحمد وزير الدفاع يوم أمس 11/ 9/ 2012م في صنعاء , وهذه هي المحاولة الرابعة لاغتياله. وكل هذه العمليات الارهابية تتم بطريقة التفجير ,وتستهدف القيادات الجنوبية والبسطاء من أبناء الشمال , ولا تستهدف القيادات الشمالية.
وقد زرت اليوم الموقع الذي تمت فيه محاولة الاغتيال لوزير الدفاع ويقع بالقرب من مجلس الوزراء , وشاهدت الرعب في أوساط الناس لهول التفجير وما لحق من اضرار بالمنازل المجاورة . وهم مندهشون بأن وزير الدفاع خرج منه بسلام , وقد سمعت أحد المواطنين وهو يعلق مازحا (( نجا من الرابعة وستكون الخامسة حاسمة)) ويقصد أن المحاولة الخامسة ستكون قاتلة , فرديت عليه: يا رجل الاعمار بيد الله. وهناك عدة محاولات تعرضت لها قيادات جنوبية ليس المجال يتسع لذكرها.
أما عن علاقة القرارات التي اتخذها الرئيس هادي ليلة أمس بهذه الأحداث وعلى وجه الخصوص حادث محاولة اغتيال وزير الدفاع. فقد تكون العلاقة زمنية فقط , فهذه القرارات دون شك كانت داخل درج مكتبه , فكان الحادث أنسب وقت لرفعها إلى فوق المكتب وخروجها إلى العلن , فهذه القرارات نتاج طبيعي للتغيير الذي حدث والمتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية , ووصول هادي إلى قمة السلطة , فالتغييرات التي اجراها الرئيس هادي تحقق مصالح عدة أطراف في العملية السياسية , وفي مقدمتها حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تفرد في الحصول على عدة تعيينات جديدة, على عكس الحزب الاشتراكي الذي هو دائما خالي الوفاض. كما اراد الرئيس هادي منها تحقيق عدة أهداف , ومنها: التغيير الشامل لطاقم مكتب الرئاسة المحسوب على الرئيس السابق, احداث تغيير شبه كامل في قيادات الاجهزة الأمنية ( الأمن القومي والاستخبارات العسكرية ) فهذه الأجهزة ظلت خارج سيطرته ولا تخدم توجهاته , الامساك الكلي بأوضاع الثروات النفطية التي ظلت مجهولة طوال عقود من الزمن , اظهار قدرته أمام الشعب على احداث تغييرات جوهرية تمس شخصيات نافذة تابعة للرئيس السابق , انتهاز الوقت المناسب لتحقيق أهدافه والتي تكون فيه الأطراف القوية في اضعف وضعية.
والملاحظ أن الرئيس هادي في تعييناته هذه تتضح حساباته السياسية السابقة والحالية , فعلى صعيد الساحة الشمالية اخذ بعين الاعتبار القوى السياسية والتركيبة الجغرافية الفاعلتين , متجاهلا محافظة هامة ومنها تعز. وعلي صعيد الساحة الجنوبية قام بتعيين شخصيات موالية له في عدة مناصب بما يمكنه من تعزيز موقفه على صعيد الشمال والجنوب , واحداث شرخ في بعض محافظات من خلال التركيز على تعيين أشخاص من جهة بعينها وتجاهل جهات أخرى بشكل كامل. بل اخراجها من الحكم بشكل كلي. وشل فاعلية القوى الجنوبية الأخرى بما فيها معارضة الخارج من خلال ايجاد عناصر ليس في المناصب القيادية على مستوى مؤسسات الدولة في الجنوب , ولكن حتى في قمة هرم الحراك السلمي الجنوبي.
في اعتقادنا أن الظروف الداخلية والخارجية تخدم كثيرا الرئيس هادي , فهو يحضا بدعم اقليمي ودولي كبير, وعلى الصعيد الداخلي يبدو أنه يراعي مصالح وتأثير بعض القوى الفاعلة , وأي قوى ترى في قراراته اضرارا بمصالحها من الصعب عليها الاطاحة به لأن ذلك سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة على الصعيد الداخلي وفي المقدمة القضية الجنوبية باعتباره جنوبي. لكن القرارات التي يتخذها هادي اليوم قد لا تحد من أعمال الاغتيالات ضد القيادات الجنوبية , وقد تؤدي إلى أن تعيد بعض القوى الشمالية حساباتها , وتسعى إلى التقارب فيما بينها خشية من الخطر المحدق بمصالحها واوضاعها والذي يمثله الرئيس هادي واعوانه.
* منقول عن عدن برس