الهبة وما أدراك ما الهبة

2013-12-19 22:08
الهبة وما أدراك ما الهبة

حسين العيدروس

 

يبدو أن المشهد الدرامي في اليمن على وشك أن يتغير بعض الشيء ويتحول عند هذه النقطة من مرحلة اللامبالاة بالرأي والرأي الآخر وعدم الاكتراث بمن يعيشون وسط هذا الوطن الى مرحلة العمل الميداني الجماعي وفتح جبهات متعددة تشتت جهود العبث وترهق من يقال لهم اصحاب القرار في الدولة الميتة التي لم تنتبه من سباتها العميق رغم الأصوات العالية؛ معتقدين بأن ما حدث ومازال يحدث من تعد وسلب ونهب وتطنيش في بقية المناطق والمحافظات سيستمر هو الآخر الى ما شاء الله في مدن وقرى حضرموت، ولم تكن طاقات وقدرات حضرموت التي وإن قلنا عنها فلن نبالغ أبداً، فالتاريخ بكل مراحله يشهد على أنها ذات تميز وتفرد في كل مناحي الحياة، وفيها من الثروة التي جعلت شهية الطامعين الأغبياء تتفتح وتزداد نهماً يوماً بعد يوم حتى جعلتهم يديرون ظهورهم على ابناء المناطق ويهمشونهم ويخلطون ليلهم بنهارهم في استنزاف الثروة لأنهم في قرارة أنفسهم يعلمون أنه سيأتي اليوم المحتوم الذي تسترد فيه الأرض لأصحابها، ولكن غلبة الشيطان تجعلهم يتمادون ويسلكون مسالك الوحوش ويستعينون بخبرات صديقة لهم تعينهم لتحقيق المزيد من العبث وربما يفكرون في افساد كل شيء حالما تحين ساعة الصفر.

 

الهبة الشعبية؛ شاء القدر أن يكون بطلها الشهيد الشيخ والمقدم سعد بن حبريش العلي الحمومي وقد سندها الكثير من الشرفاء المشهود لهم بالنزاهة والعقول النظيفة التي ما شاء الله أن تحضر ختام هذا المسلسل الدامي وتقف على حفل التكريم، ولكن مشيئة الله ستجعل لسنوات القحط والجدب التي عاناها أهل اليمن برمتهم وأهل الجنوب على وجه الخصوص نهاية مُشرفة وناصعة البياض، وكم هو مخزي أن تكون القيادة السياسية من هرمها الى أصغر قاداتها منافقون سماعون للكذب والدجل ومروجون للإشاعات التي يُخيل اليهم أنها ستمنحهم المزيد من الوقت لتحقيق أمور أخرى تسير على نفس النهج وتقضي على ماتبقى من عزيمة الشارع الذي رغم كثرة الضربات الموجعة لم تزده إلا شجاعة وجسارة وترابطاً وتكاتفاً، وهو أمر ليس بغريب إذ يرتبط بسلوك الانسان وعناده وغريزته في الدفاع عن ماله وعرضه.

 

لقد كشفت قرارات حلف قبائل حضرموت عن ضعف الدولة بكل معاني الكلمة، والتي دأبت عقب مقتل الشيخ بن حبريش ككل مرة الى التطنيش أملا أن ينتهي الموضوع كسابقه بعد أن تهدأ النفوس وتتأقلم مع الوضع وتُنسي الأيام آلام وأوجاع هذه المجزرة كغيرها ونشرهم الادعاء بأنهم كانوا ينوون فعل شيء بهذا الخصوص لولا أن رجال القبائل منشغلون بتجهيز مراسم الدفن والعزاء وغيره الأمر الذي جعلهم يتأخرون في المجيء وتقديم المعونة وغيرها، وعندما رأت الحكومة بأن الوضع قد اختلف هذه المرة عن سابقه وأن القبائل والرجال قد طاقهم الصبر وأن الأيدي قد اجتمعت وتعاهدت، بدأت تتحرك  بتردد لعل الأمر يكون مقضياً بشراء بعض الذمم وإعطاء بعض الوعود التي ستهدئ من روعهم، وما كان ارسال نائب وزير الداخلية (الأخشع) الى سيئون إلا لشم الخبر والمفاوضة الى سقف قد تعودت الحكومة وشلل الفساد على أن تبلغه لتحقيق ثباتها والسير في مسيرتها كالعادة، إلا أن ثبات الكلمة عند رجال حضرموت هزهم وجعلهم يبحثون عن بدائل أخرى والرفع من سقفهم بزيادة الوعود التي لم ولن تنفذ في اليمن بشكل عام ومحاولة إرضاء أصحاب الحق بتوظيف 2000 شاب في الأمن وما إلى ذلك بالإضافة الى الاتصالات الشخصية من قبل كبار رجال الدولة للتوسط.

 

كل ذلك قد بات في غير وقته، فقد تجرع الناس الكذب والمهانة يوماً بعد يوم، وسمع القاصي والداني أنواعاً من الوعود الطنانة بكلام معسول تحت مسمى (يُنفذ عبر خطة مزمنة)، ولا يسعنا إلا أن نقول لهم اليوم  وبكل أسف كما قال أخ لهم من قبل: (فاتكم القطار) فقد كان بوسعكم قبل سنوات تحقيق شيء ولو يسير من مطالب الشعب، وتنفيذ ولو جزء بسيط من وعودكم الكاذبة، إذ لم تكن المطالب الشرعية لهذا الشعب المغلوب على أمره سوى أدنى المطالب التي لا تثقل كاهل الدولة ولا تنقص من الثروة المنهوبة، ولكن تمادي الظلم واستمرار القهر لا يأتي إلا بالفرج ويقلل من جبروت الظالم ويقصر من طول بقاءه.

 

فكم من نفر على هذه الأرض الطيبة لم يكن يوماً ينادي ويُشارع على حقوقه ويعتقد بأنها ستأتي في حينها، وكم من نفر صبروا وهم أحق من غيرهم سواء في مجال الوظائف أو التعليم أو غيره ولم يتطاولوا على ما يسمى النظام والقانون لنيل حقوقهم المنهوبة، وما هذه الثورة العارمة إلا نتيجة حتمية وان لم تكن في بدايتها ثورة منظمة أو لم تكن تمتلك الوسائل الكافية في حينه إلا أن بالإمكان تنظيمها عندما تجتمع الكفاءات والعقول لتقرر المصير .

 

إن الاجتماعات الطارئة واللقاءات المتواصلة لقيادات الدولة لبحث تداعيات القضية أمر طبيعي ومنطقي كان من المفترض أن يكون عند أول حادثة لو كانت النوايا سليمة ولو كان القادة عند تحمل المسئولية، ولكن لكونه مرتبط بفقد مصالح مهمة وخسران مواضع مرموقة أصبح الأمر يستدعي استنفاراً عاجلاً لادراكهم بأن الأمر جد وأن أنياب الليث قد بدت، وأن رجال القبائل قد كشرت.

 

ليس في حكومة (النفاق) هذه من ساسة بقدر ما فيها من عصابات وشللية تتقطع وتنهب بطرق ملتوية، ولم يشهد اليمن في كل عصوره حكومة ولا أمن كالذي يظن نفسه انه يتولى الأمور اليوم، وما أنتم إلا أداة حقيرة بيد محرك أحقر لتنفيذ مخططات الأعداء، فقد اشتريتم ذمم أهلكم وناسكم بالرخص، ولن تحصدوا منها إلا الخزي والعار، وستكون هذه الهبة بأذن الله على  قدر نوايا أهل حضرموت ضربة قوية وموجعة تحصد الخبث وتبقي ماينفع الناس، فالعضو الفاسد ليس له إلا البتر.

 

نحن لا ندعي الى فتح ساحات للقتال أو بث الفوضى أو إقلاق الأمن والسكينة العامة، فقد رأينا أن المفاوضات والمحاورات جميعها يتم الاستهتار بها و افسادها في الغالب بشراء الذمم أو تمييع ملفاتها مع مرور الوقت، والأساليب تتطور وتتنوع يوماً بعد يوم ولم يتغير في الأمر شيئ. كما نعلم علم اليقين بأنه سيرافق هذه المطالب السلمية تربص من قبل ضعفاء النفوس وحشد متوقع لجهات مستفيدة ستتدخل تحت هذا المسمى لتنفيذ مخططاتها الخبيثة والخطيرة التي رأيناها في مشاهد من بلادنا مثل أبين وغيرها والمشهد السوري والعراقي وغيره.

 

ومع أننا واثقون من عزائم رجال حضرموت ومساندة القبائل الاخرى إلا أننا لا نخشى غير تسلل مثل هذه الثعالب البرية المتمثلة في الجماعات الارهابية التي يُستعان بها لتحقيق الأغراض الدنيئة فيعيثون في الأرض فساداً، وهو أمر غير مستبعد تماماً ، بل ويجب أن يوضع في الحسبان وفي المقدمة حتى لا تضيع أهداف الهبة وتفشل خطواتها، ومع كل هذا نقول لقادة القبائل الميدانيين في حضرموت كونوا على حذر من دخول أمثال هؤلاء الى ساحاتكم ففيهم يكمن الداء، وأجعلوا عيونكم على كل المشاركين ولا تثقوا إلا بمن عرفتموه نزيهاً لا غبار عليه.

 

وفق الله جميع الشرفاء لانجاح الهبة الشعبية وجعلها الله آخر المطاف.