الإصلاحي ناصر يحيى .. ورفضه للاعتراف بالقضية الجنوبية وتمجيده لحرب 1994م
د. عيدروس نصر
بين حين وآخر يطل علينا الكاتب الإصلاحي ناصر يحيى بالكتابات التي يعبر فيها عن رفضه للاعتراف بالقضية الجنوبية وتمجيده لحرب 1994م وإصراره على أن هذه الحرب قدمت للجنوب ما ظل محروما منه طوال فترة الاستعمار وحكم الجبهة القومية والحزب الاشتراكي.
وفي الحقيقة لم أكن أرغب في التعرض للكثير مما تناوله الكاتب لولا إصراره على إنكار الحقائق التاريخية وتعمده التزييف والابتسار والإتيان بما يدعيها أفكارا لا تمت للواقع بصلة ، وقبل تناول ما ورد في مقالته الأخيرة بعنوان «التنازلات من أجل الوحد : أوهام الوقت الضائع» لا بد من الإشارة إلى الملاحظتين التاليتين على كتاباته العديدة عن الجنوب والقضية الجنوبية :
1. يتعمد ناصر يحي الكتابات المطولة الباعثة على الملل والتي لا يتابعها إلا المهتمون لكنه يختار العنوان الفاقع الذي يوهم من يقرأه (العنوان) بأنه قد أفحم المختلفون معه وأوقعهم في شر أعمالهم وحقق عليهم نصرا مضفرا وأحيانا حتى هز معنوية المختلفون معه وارباكهم رغم خلو حديثه من المضمون الذي يحاول تصويره واحتوائه العديد من المغالطات والتضليلات.
2. يتعمد ناصر يحيى اجتزاء النصوص التي يوردها كاقتباسات للإيهام بأن النص المقتبس يقول كل شيء بينما يكون النص في سياقه العام متضمنا عكس ما أراد الكاتب (ناصر) إثباته ، وهو ما يتعمد تغييبه في محاولة لتدعيم ادعاءاته وإلباسها ثوب الحق وهي بعيدة عنه كل البعد.
في مقاله الآنف الذكر المنشور في المصدر أونلاين، يقول الكاتب ناصر يحي «أصدق وأدق عبارة قيلت في الجدل الدائر حول الوحدة والانفصال ، وكل ما يتصل بهما، قالها متابع للشأن اليمني اسمه (فواز طرابلسي) ، في مقالة نشرتها صحيفة (السفير) اللبنانية وأعادت نشرها صحيفة (الثوري) اليمنية » .
ويقتبس ناصر العبارة عن الكاتب اللبناني المعروف الأستاذ فواز الطرابلسي كما يلي «تصور الحزب الاشتراكي النظام الوحدوي شراكة مناصفة بين الحزبين الحاكمين»... وتوقف (ناصر) هنا دون إكمال ما كتبه الأستاذ فواز الطرابلسي ويلاحظ هنا ما يلي:
1. تعمد عدم التعرض للصفة السياسية للأستاذ فواز الطرابلسي إلا بأنه متابع للشأن اليمني، والأستاذ فواز الطرابلسي كما هو معروف أحد مؤسسي حركة القوميين العرب ، والأمين العام المساعد لمنظمة العمل الشيوعي اللبناني وكاتب سياسي معروف لكل من يتعاطى مع الشأن السياسي العربي واللبناني واليمني ، ويبدو أن ناصر يحي أهمل كل هذا إما من باب الجهل أو من باب التعالي.
2. قام ناصر يحي ببتر النص عن سياقه على طريقة «فويل للمصلين» ليس لغرض الاختصار ولكن لتشويه مقاصد الكاتب النبيلة وتشويه موقف الحزب الذي يتناوله في مقاله ثم لتعسف النص من أجل الوصول إلى الفكرة الرئيسية التي أراد تناولها وهي إنكار تنازلات الجنوب من أجل المشروع الوحدوي وتصويرها على إنها وهم وزيف وما إلى ذلك مما ورد في مقاله.
3. محاولة دق إسفين بين الحزب الاشتراكي الذي هو موضوع هجومه الرئيسي وأحد أصدقائه التاريخيين الأستاذ فواز الطرابلسي، وتحريض أعضاء الحزب البسطاء ضد كاتب محترم وحصيف وصاحب رصيد تاريخي في الثقافة والنضال السياسي القومي ومواقفه المشهودة في مؤازرة نضال الشعب اليمني من أجل الحرية وتحقيق أهداف النهوض والتقدم وبناء الدولة المدنية.
4. لم يشر الكاتب ولو من باب المهنية واحترام من يقتبسهم إلى مصدر الاقتباس، ولا أعتقد أنه فعل هذا جهلا منه بمبادئ وإخلاقيات العمل الصحفي ولكن تعمدا لتتويه الكتاب والهروب من عرض السياق الكامل للنص المقتبس وتحقيق غرضه في تشويه الحقيقة التي يريد حرمان القارئ من معرفتها.
ولمعرفة السياق الذي ورد فيه حديث الأستاذ فواز الطرابلسي لا بد من العودة إلى النص كما ورد على لسان كاتبه إذ يقول الأستاذ فواز الطرابلسي في مقاله المقتبس منه ابتسارا وتشويها للنص المهني والمتماسك ككتابات الأستاذ فواز دوما: «حكم البلد الموحّد لفترة مجلس رئاسة خماسي وجرى توزيع المناصب الرئيسية للسلطة بين رئيس شمالي ونائب رئيس ورئيس للوزراء جنوبيين ما أوحى بلون من الشراكة الضمنية بين النخبتين الحاكمتين.
لكن هذا كان في المظهر فقط تمور تحته خلافات عدة.
تصوّر الحزب الاشتراكي النظام الوحدوي شراكة مناصفة بين الحزبين الحاكمين.
والرئيس علي عبدالله صالح متمسك بسلطاته الفردية يرى إلى التوحيد أشبه بعودة الابن الضال الماركسي الجنوبي إلى حضن الأب وبيت طاعته.
في المقابل، تشجع الاشتراكيون بنتائج الانتخابات النيابية التي جعلتهم القوة الثالثة في البلاد.. وتحقيقهم فوزاً كاسحاً في المحافظات الجنوبية ليطالبوا بالفيدرالية يحكمون في ظلها المحافظات الجنوبية.
واجههم الوسواس القوموي المركزي لدى صنعاء الذي يجعل من كل مطالبة بسلطات محلية أو لامركزية أو فيدرالية مقدمة حتمية للانفصال».
لقد تعمد ناصر يحي الهروب من إيراد الحقائق التي تحدث عنها الكاتب فواز الطرابلسي، لأنه لم يكن يرغب في إغضاب الزعيم الرمز فكل همه هو إدانة الحزب الاشتراكي، العفريت الذي ينط له كلما حاول أن يتناول قضية تتعلق بمظلومية الجنوب والتدمير الذي تعرض له بعد الحرب اللعينة في العام 1994م.
إن تقاسم السلطة بين الشريكين (وهي قضية لم تكن محمودة بأي حال من الأحوال لكن فرضتها الوضعية الانتقالية) أقول إن هذا التقاسم هو في نظر ناصر يحيى عيب على الحزب الاشتراكي فقط أما الطرف الآخر الذي استحوذ على كل شيء وواصل ومايزال حتى اليوم مسيطرا على كل شيء في البلاد فإنه غير ملام على ما استحوذ عليه.
يستهل الكاتب مقالته المذكورة حول التنازلات التي قدمها الجنوب من أجل الوحدة بمحاولة دحض أن الجنوب تنازل عن عاصمته وعن رئيسه وعن مساحته البالغة ضعفي مساحة الشريك الآخر، ويسخر أكثر من عشرة أسطر للحديث عن التنازل عن العلم محاولا البرهان أن الطرف الآخر أيضا قد تنازل عن علمه، ودولته، وهي تفاصيل تهدف إلى التشويش على المشكلة الرئيسية التي يرفضها الجنوبيون، وهي سياسات السلب والنهب والإقصاء والاستبعاد والاستباحة التي شرعنت لها حرب 1994م، مركزا أن الذين يتحدثون من مظلومية الجنوب إنما يتحدثون عن الحزب الاشتراكي وليس عن الجنوب معتبرا ذلك تكريسا لعقيدة سياسية قديمة فحواها «أن الجنوب هو الحزب والحزب هو الجنوب، وطالما أنه خرج من السلطة فالجنوب خرج أيضا من السلطة»، طبعا لا يحتاج المرء إلى كثير من الذكاء ليكتشف أن الرجل ما يزال يستخدم ساعة متأخرة 18 سنة فهو يعيش فترة التهييج والتحريض على الحزب الاشتراكي، في الأعوام 1992ـ 1996م وما بعد إما لأن له ثأرا شخصيا مع الحزب الذي صار اليوم حليفا للحزب الذي ينتمي إليه وإما لأن أحد ما من الغاضبين على هذا الحزب من الحلفاء قد طلب منه أن يعيد استخدام الساعة المتأخرة 18، أما مقولة أن الحزب هو الجنوب والجنوب هو الحزب فهي تنم عن تجاهل لحقائق كثيرة يتعمد الرجل القفز عليها تقديسا لمنطق الحرب والاستعلاء على الحقائق المؤلمة التي أنتجتها، ولو كان الحزب هو الجنوب والجنوب هو الحزب لكان هذا شرفا كبيرا للحزب لكن الملايين التي خرجت تعلن رفضها لنتائج حرب 1994م لم تقتصر على أعضاء الحزب الاشتراكي بل اشتملت عشرات أضعافهم ممن ولدوا وانخرطوا في السياسة بعد خروج الحزب من السلطة ومنهم أعضاء في الحزب الذي ينتمي إليه ناصر يحي، لكنه الغرور وازدراء عقلية القارئ ما يجعل الكاتب يتصور أن الناس على هذا القدر من السذاجة ليخرجوا مطالبين باستعادة علمهم أو إعادة الحزب الذي لم يطرح قط قضيته أو قضايا أعضائه باعتبارها هي المشكلة، وإنما ظل ينادي بإزالة المظالم والمنكرات التي أنتجتها حربهم المقدسة على الجنوب وما ألحقته بمواطني الجنوب من ويلات لا تمحوها عشرات السنين من إعادة البناء والإعمار.
لن نخوض طويلا في محاولة الكاتب الخوض في تفاصيل مملة صار يعرفها القاصي والداني عن تقاسم السلطة وتجاهل الآخرين وحكاية التنازل عن الدينار بأنه جاء برضا القيادات الجنوبية، وهو في الحقيقة لم يتم إلا بعد الحرب حيث استبدل الدينار بالريال، ولا عن إن الجنوبيين حصلوا على سلطات في صنعا لم يكونوا يتمتعوا بها في عدن في محاولة للإشادة بعدالة وكرم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، لكن ما يمكن مناقشته هو إنكار الكاتب بأن السير نحو التوحيد قد كان مرتجلا وعشوائيا، حيث بذل الرجل مساحة واسعة من مقالته للتأكيد على إن التحضير قد أخذ مداه وأكثر، منذ العام 1972 حتى 1990 بل لقد قال الكاتب «أن أطول مشروع سياسي في التاريخ كان مشروع تحقيق الوحدة اليمنية» مشيرا إلى الخطوات والإعدادات التي اتخذت للتهيئة للوحدة محاولا البرهنة على إنها لم تكن مرتجلة وإنها أخذت حقها من الإعداد والتحضير، لكنه يعود ليناقض نفسه عندما يقول لنا بأن هذا لا يعني «أننا نرى أن ترتيبات النظام السياسي للوحدة تمت بطريقة صحيحة لأن الطرفين أسسا دولة لحزبيهما وليس للشعب وهذه هي الجريمة التي لا يريدون الاعتراف بها، وهنا يكمن الارتجال والعشوائية والتآمر على الوطن والشعب والوحدة والديمقراطية».
ليس من الصعب أن ندرك بأن الرجل يقع في نفس المطب الذي يعتقد بأن الآخرين وقعوا فيها، فحتى انتخابات 1993م لم تكن الدولة دولة الشعب، لكن بعد تلك الانتخابات وبالذات بعد حرب 1994م فقد صارت دولة الشعب طالما وأن الحزب الذي ينتمي إليه ناصر يحيى قد استحوذ على نصيب الطرف المهزوم من السلطة، فضلا عن غنائم النهب والسلب التي حولت العشرات من بسطاء ناشطي المؤتمر والإصلاح إلى مليارديرات يستثمرون أموالهم في كل بقاع العالم.
لم يكن أحد لينكر أن السياسات التي عاشها الجنوب قبل الوحدة لم تكن مثالية جدا وهي بطبيعة الحال تعكس أجواء الاستقطاب الدولي وصراع القطبين الذي لم يكن لليمن بشطريها مهربا منه، وهذا ما أقرت به قيادات الجنوب، لكن ما لم يعترف به الذين يدافع عنهم ناصر يحيى هو أن صنعاء المنفتحة اقتصاديا هي الأخرى لم تكن أحسن حالا من عدن بغض النظر عن توفر بعض السلع، وحرية التجارة، أما الأهم وهو ما يتجاهله الكاتب في كل كتاباته عن الجنوب أن الدولة كانت حاضرة في كل حياة المواطنين من المدينة حتى أقصى الأرياف من خلال ما تقدمه من خدمات تعليمية مجانية، وخدمات طبية مجانية وفرص عمل لكل من هو في سن العمل وضمان اجتماعي مدى الحياة ومراكز الشرطة وأجهزة السلطة المحلية التي لم تكن تغيب للحظة واحدة عن أداء وظيفتها في خدمة المواطن، ومن حقوق تقاعدية لم يعرفها الشطر الآخر إلا بعد 1990م، وهي كلها خدمات وشروط حياتية خسرها المواطنون الجنوبيون بعد العام 1990 وبالذات بعد الحرب الظالمة في 1994م، وهذا هو ما يتباكى عليه المواطنون في الجنوب وليس العلم والنشيد والعاصمة التي لها أيضا قيمتها من الرمزية والمعاني القيمية.
أما عند حديثه عن الدولة والمجتمع المدني فيحاول ناصر يحيى إنكار وجود دولة في الجنوب مشيرا إلى أن الجنوب كانت قائمة على أساس نظام الحزب الواحد وغياب الحريات الصحفية وحرية التعبير، وهو هنا لم يقل لنا كيف كان الحال في الطرف الآخر، فمن لم يعرف صنعاء قبل الوحدة يتصور أن ناصر يحيى يحدثنا عن سويسرا أو فنلندا، وليس عن دولة كانت أطراف عاصمتها ما تزال تحت سيطرة القبائل وما تزال المنازعات تحل فيها عن طريق نحر الثيران حتى عند بوابة دار الرئاسة والبرلمان وإنها لم تعرف مفردة الشعب والحزبية والحرية إلا بعد العام 1990م.
وعن المكانة الدولية لشريكي الوحدة اليمنية المغدور بها يقول ناصر يحيى «و(الهوية الدولية) للدولتين السابقتين زالتا (يقصد زالت) عن النظامين السابقين في وقت واحد.. ولم تزل من شطر دون آخر.. ولا نظام دون نظام.. فالطرفان تنازلا إن يصح أن يسمى ذلك تنازلاً.. والمجتمع الدولي منذ 1990 يتعامل مع الجمهورية اليمنية باعتبارها الدولة الجديدة التي نشأت عام 1990 وليس دولة كانت قائمة قبل ذلك».
لم يقل لنا الكاتب كيف جرى تغيير الدستور المتفق عليه لدولة الوحدة واستبدل بدستور الجمهورية العربية اليمنية، وكيف طرد شركاء العمل الوحدوي واستبدلوا بآخرين بينما بقي الطرف الآخر يعيث في الأرض فسادا على مدى 33 عاما، ولا كيف جرى تصدير كل مساوئ الجمهورية العربية اليمنية إلى محافظات الجنوب، من نشر نزاعات الثأر والاقتتال القبلي وتجارة الأسلحة إلى نشر تعاطي القات في كل محافظات الجنوب من أجل تعظيم ثروات المتنفذين من تجار القات، وكيف استبدل مركز الشرطة والمحكمة الابتدائية بعاقل الحارة وشيخ القبيلة، إن هذه الأمور لا تعنيه لأنه منشغل في مطاردة العفريت الذي أرق عليه حياته ولم يدعه يخلد إلى الراحة يوما.
ينكر ناصر يحيى وجود دولة في الجنوب، ويبدو أنه لم يكن يعلم أن محاكم عدن وبقية محافظات ومديريات الجنوب لم تعرف قط قضية تأخرت في ردهاتها أكثر من ستة أشهر، وإن أي نزاع بين غريمين مهما كبر أو صغر يكون مجاله القضاء ومراكز الشرطة والبحث الجنائي وليس دواوين المشائخ وساحات القتال وإن عدن وجميع مدن الجنوب بل وأريافه لم تكن تعرف حمل السلاح، ليس خوفا من أحد ولكن شعورا بالأمان وهيبة للقانون ولنظام الدولة التي ينكر ناصر يحيى وجودها، كل هذا لم يكن الجنوب يعرفه ناهيك عن الاقتتال والثارات القبلية التي أصبح لدى الجنوب اليوم منها من الوفرة ما يكفي ويزيد للتصدير.
طرق الكاتب كل شيء في محاولة إثبات إنه من الزور والبهتان القول ان الجنوب تنازل عن الكثير من المزايا من أجل الوحدة، حتى الثروة التي تقر كل موازنات الدولة السنوية بأن أكثر من 75 من إيراداتها آتية من نفط وأسماك المحافظات الجنوبية ينكرها الكاتب لا لشيء إلا ليقنع المواطنين الجنوبيين أنهم يعيشون في رغد بعد الحرب الإجرامية التي شنت عليهم في العام 1994م، قائلا لهم لا تطالبوا بحقوقكم لأنكم بذلك إنما تطالبون بعودة الحزب الاشتراكي.
تطرق الكاتب إلى كل شيء لكنه لم يقل لنا كيف تحولت عدن التي لم تعرف مسلحا واحدا طوال تاريخها (عدا رجال الأمن والجيش) كيف تحولت إلى مرتع للجماعات المسلحة، ولم يقل لنا كيف صار بمقدور واحد قادم وراء نقيل يسلح أن يسطو على عشرات الكيلومترات المربعة مجانا ليبيعها لأبناء الجنوب بأطنان الريالات دون أن يدفع حتى رسوم تسجيل امتلاكه لها، ولم يقل لنا لماذا أبعد أكثر من (140) ألف من موظفي الدولة من أعمالهم ليحل محلهم الوافدون بعد 7 يوليو ممن لا يمتلك معظمهم لا الكفاءة ولا الخبرة ولا المؤهل ولا حتى أخلاقيات المهنة، كما لم يقل لنا كيف صار المنتمون إلى جيل الستينات والسبعينات يحملون شهادات الدكتوراه والماجستير في الطب والعلوم الطبيعية والهندسة والقانون والعلوم العسكرية وغيرها بينما أبناؤهم وبناتهم لم يستطع معظمهم إكمال الثانوية، ومن أكملها يحتاج إلى دورة في محو الأمية حتى يجيد القراءة والكتابة... كل ذلك لم يتطرق له لأنه سيكون خصما من محاولته إثبات أن الجنوب لم يخسر شيئا في وحدة لم يكتب لها النجاح بسبب النزعة التآمرية التي بنيت عليها منذ يومها الأول.
لقد اعترف كل الذين شنوا الحرب على الجنوب بأنهم أخطأوا في حق الجنوب وإنه عومل معامل المستعمرة، وإنه لا بد من رد الاعتبار له، كلهم قالوا ذلك حتى وإن قالوه من باب محاولة الاسترضاء لكنهم قد أقروا بخطيئة الحرب إلا ناصر يحي، الذي أعلم إنه من أبناء عدن، فهو يتطوع مجانا ليقول لهم لا تعتذروا للجنوبيين فأنا واحد من الجنوبيين أطالبكم بالاستمرار في ازدراء وظلم الجنوب ونهبه وسلبه وإهانة أهله لأنكم لو عدلتم عن هذه السياسات إنما تتسامحون مع الحزب الاشتراكي اليمني.
إنه عفريت الحزب الذي يطارد ناصر يحيى في كل مرة يحاول فيها أن يتذكر أن للحزب ـ مهما كانت أخطاؤه ـ حسنات كثيرة ما يزال يتذكرها الجنوبيون حتى اليوم، كما أن العديد من المواطنين الجنوبيين يعتبرون أكبر خطأ ارتكبه الأمين العام السابق للحزب علي سالم البيض هي الهرولة إلى وحدة مع طرف لا يؤتمن على شيء وإنهم اليوم إنما يجنون آلام ومتاعب ومظالم تلك الوحدة المغدور بها.
برقيات:
* لا أرى مناسبة لكل ما تطرقت له مقالة ناصر يحيى إلا إذا كان يرغب في تعكير أجواء السير نحو الحوار الوطني الذي أقرت لجنته الفنية العديد من النقاط المهمة على طريق إنجاحه (أي الحوار) وأهمها الاعتذار للجنوب والجنوبيين واستئصال النتائج المدمرة التي صنعتها حرب 1994م سعيا نحو استعاد مكانة الجنوب في المعادلة السياسية اليمنية التي يصر البعض على إنها قد استقامت فقط بفضل حرب 1994م رغم انتفاض كل شعب الجنوب رفضا لها ولنتائجها.
*قال الشاعر العباس الكبير أبو فراس الحمداني:
وَمَا نِعمَةٌ مَشكورَةٌ، قَد صَنَعْتُها إلى غَيرِ ذي شُكْرٍ، بمَانِعَتي أُخرَى
سآتي جميلاً، ما حييت، فإنني إذا لمْ أُفِدْ شـــــكراً، أفَدْتُبهِ أجْرَا
* العنوان : عدّل من قبل شبوة برس