منذ إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، تشكّل إطار سياسي جديد قُدِّم بوصفه معالجة انتقالية لأزمة مركبة، على أساس الشراكة والتوافق، لا الهيمنة والتفرد. وقد نصّ إعلان نقل السلطة صراحة على إدارة جماعية للمرحلة، وتوحيد الجهود لمواجهة جماعة الحوثي الإرهابية، بوصفها الخطر الرئيس على الأمن والسلم، داخليًا وإقليميًا.
غير أن الممارسة السياسية اللاحقة كشفت انحرافًا خطيرًا عن جوهر هذا الإعلان، بلغ حد نقض الشراكة التي قام عليها مجلس القيادة ذاته، وتحويله من إطار توافقي إلى أداة صراع سياسي تستهدف الجنوب وحامله السياسي، المجلس الانتقالي الجنوبي.
أولًا/ إعلان نقل السلطة كوثيقة ملزمة
من الناحية القانونية والسياسية، لا يمكن النظر إلى إعلان نقل السلطة بوصفه مجرد بيان سياسي، بل هو وثيقة مرجعية ناظمة، استمد مجلس القيادة الرئاسي شرعيته منها، بما تحمله من التزامات واضحة، أهمها:
- عدم الإقصاء أو الاستهداف السياسي لأي طرف شريك.
- احترام الواقع السياسي والعسكري القائم.
- إدارة القرار بشكل جماعي.
- توجيه الجهد السياسي والعسكري نحو مواجهة الحوثي.
وأي إخلال بهذه المبادئ يُعد خرقًا جوهريًا لمبدأ حسن النية في تنفيذ الاتفاقات، وهو مبدأ مستقر في الفقه الدستوري والاتفاقي، وركن أساسي في القانون الدولي العام.
ثانيًا/ المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك لا كطرف طارئ
جاء حضور المجلس الانتقالي الجنوبي في مجلس القيادة الرئاسي نتيجة واقع سياسي وعسكري فرض نفسه، لا منحة سياسية عابرة. فقد اضطلع المجلس، ومعه القوات المسلحة الجنوبية، بدور محوري في:
- حماية الجنوب من الانهيار الأمني.
- دحر التنظيمات الإرهابية.
- إفشال المخططات الحوثية الرامية لتحويل الجنوب إلى ساحة استنزاف.
وهو دور يتسق مع قواعد القانون الدولي الإنساني، ومبادئ حماية المدنيين، ويؤسس لمشروعية واقعية لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها بخطاب سياسي متقلب.
ثالثًا/ استهداف الجنوب… انحراف عن بوصلة الصراع
إن الدعوات الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أو الدوائر المرتبطة به، والتي تتضمن تشكيكًا بدور الجنوب، أو تحريضًا سياسيًا على المجلس الانتقالي، أو حتى التلويح بتفكيك مجلس القيادة نفسه، تمثل:
- خروجًا صريحًا عن إعلان نقل السلطة.
- تقويضًا لأساس التوافق.
- إعادة توجيه للصراع بعيدًا عن الحوثي، لمصلحة صراعات داخلية عبثية.
وهذا السلوك لا يخدم السلام، ولا يعزز الشرعية، بل يمنح جماعة الحوثي فرصة استراتيجية لإعادة التموضع واستثمار الانقسام.
رابعًا/ المسؤولية القانونية والسياسية
إن تحميل الجنوب تبعات فشل إدارة الحرب أو تعثر المسار السياسي، يُعد سلوكًا مخالفًا لمبدأ المساءلة السياسية، ومحاولة مكشوفة لإعادة إنتاج منظومة فشلت في صنعاء، وتسعى اليوم لتعويض خسارتها عبر الضغط على الجنوب.
كما أن توظيف بعض مكونات المجتمع المدني أو أطراف العملية السياسية المعترف بها دوليًا، في هذا الاتجاه، يشكل إساءة لمفهوم العمل المدني، وانحرافًا عن دوره الرقابي والحقوقي.
خامسًا: الجنوب حقيقة لا يمكن إلغاؤها
أثبتت الوقائع أن الجنوب لم يعد ملفًا مؤجلًا، ولا ورقة تفاوضية، بل حقيقة سياسية وشعبية وعسكرية. وأي محاولة لتجاوز هذه الحقيقة، أو الالتفاف عليها، لن تنتج دولة ولا سلامًا، بل مزيدًا من التفكك.
إن الشراكة لا تُدار بالتصريحات المتناقضة، ولا بالتحريض السياسي، بل بالالتزام الصادق بالاتفاقات، واحترام التضحيات، وتوجيه الصراع نحو مصدر الخطر الحقيقي.
وما لم يتم تصحيح هذا المسار، فإن ما يجري لن يكون سوى نقضٍ للشراكة، وتفريطٍ بآخر فرص الاستقرار.