عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية

2025-11-11 07:37
عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية
شبوه برس - خـاص - عــدن

شبوة برس – خاص

مع تأبين العالم لجلالة الملكة البريطانية إليزابيث الثانية، يعود التاريخ بنا إلى أبريل 1954، حين اختارت الملكة الشابة، برفقة زوجها، أن تقضي شهر عسلها في مدينة عدن، التي كانت حينها أجمل وأرقى وأرقى مدن الجزيرة العربية، مستقبلة بحفاوة لا مثيل لها من المواطنين والمسؤولين على حد سواء.

 

استقبلت الملكة في ميناء المدينة بحفاوة رسمية وشعبية، ثم توجهت بسيارتها إلى فندق كريست وسط حشود غفيرة من السكان الذين عبروا عن اعتزازهم وسعادتهم بهذا الحدث الملكي. وفي المساء، افتتحت الملكة مستشفى "الملكة إليزابيث"، وهو صرح طبي كبير يحتوي على مساكن للأطباء والممرضين العرب والأجانب، مجهز بأحدث تكنولوجيا التكييف المركزي في المنطقة، ليكون رمزاً للرعاية والخدمات المتقدمة التي تميزت بها عدن في ذلك الوقت.

 

عدن في خمسينيات القرن الماضي كانت مزدهرة بالصناعة والتجارة والسياحة والمصارف والمرافق الخدمية، إضافة إلى المدارس والملاعب والحدائق والقلاع والقصور التي منحها الطابع الحضاري المميز. كانت المدينة نقطة مضيئة في الجزيرة العربية، مقارنة بسنغافورة آنذاك التي كانت تغرق في الظلام والفقر، قبل أن تنهض وتتطور على يد قياداتها الحصيفة.

 

ورغم هذا التميز الحضاري، شهد الجنوب العربي لاحقاً فترات من الانقسام والصراعات الدموية التي أضعفت المدينة والمنطقة، مثل المذبحة التي قتل فيها عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر، وهروب علي ناصر محمد، وبقاء علي سالم البيض الذي وقع تحت ضغط الأحداث وتخذ قرارات تاريخية أثرت على مصير الجنوب. كما توثّق الأحداث دخول قوات علي صالح إلى عدن، وإجبار البيض على اللجوء إلى سلطنة عُمان، في مشهد يعكس مأساة الجنوب من الانغماس في النزاعات العقيمة بعد فترة الازدهار.

 

تبقى زيارة الملكة إليزابيث الثانية لعدن ذكرى لا تُمحى في ذاكرة المدينة، والذاكرة البريطانية على حد سواء، شاهدة على ألق عدن الحضاري في الخمسينات، وعبرة على ما كان يمكن أن يكون لليمن الجنوبي لو سلك درب التطور العقلاني بعيداً عن النزاعات السياسية والاشتراكية والوحدوية.

 

كما قال الشاعر اليمني الكفيف عبد الله البردوني:

*"تبكي وتندب قوماً كلما خرجوا/ من معبر مظلم في مثله دخلوا…"*

لتظل عدن، في تاريخها وحاضرها، مدينة تتنفس عبق الماضي وتروي حكايات ألق لم يزل حاضراً في ذاكرة من عاشوه.

 

*- كاتب الموضوع مشعل السديري