هل تصبح أميركا عدوّة لإسرائيل؟

2025-09-06 18:49

 

سؤال في منتهى السذاجة، أليس كذلك: هل تصبح أميركا عدوّة لإسرائيل؟ لا يكفي أن يقول دونالد ترامب لموقع "دايلي كولر" إن إسرائيل فقدت السيطرة على الكونغرس الذي طالما كان النسخة الأميركية (العظمى) عن الهيكل، كما لا يكفي أن تنقل "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أميركي أن بنيامين نتنياهو يدرك أن الولايات المتحدة هي السبب الوحيد لوجود دولة إسرائيل، وأن الإدارة أعربت عن إحباطها حيال الإجراءات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة.

ما يثير الصدمة هنا قول الصحيفة "إن تل أبيب خرجت بسلسلة من النجاحات العسكرية المذهلة، بقوة شبه مطلقة في الشرق الأوسط، فيما تواجه الولايات المتحدة الآن صعوبة في التكيف". أعظم إمبراطورية في التاريخ تواجه صعوبة في التكيف مع التغييرات التي أحدثتها تل أبيب في منطقة هي المثال في الهشاشة، وفي الهَلهلة السياسية، والعسكرية. من يتصور؟

أين هي العصا الأميركية التي تضرب في كل مكان من الكرة الأرضية، خصوصاً مع قول "وول ستريت جورنال" إنه "يتزايد على وجه الخصوص انتقاد أنصار للرئيس ترامب في حركة "لنجعل أميركا قوة عظيمة مرة أخرى" (MAGA) لدعمه رئيس الحكومة الإسرائيلية، حتى أن هناك أعضاء في الكونغرس دعوا الإدارة إلى استخدام نفوذها الكبير للضغط على نتنياهو من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار..."

 

هذا يجعلنا نتفاءل، ولو عن بعد، بأن الرؤوس الأميركية التي بقيت لعقود تحت قبعة الكاوبوي، وحيث الشبق الفرويدي للقوة، قد بدأت في تصحيح الرؤية، بعدما تجاوز زعيم الليكود حتى الخطوط الأميركية الحمراء، وحيث وضع المصالح الاستراتيجية الحساسة للولايات المتحدة على خط النار، وإن كانت غالبية الدول العربية لا تزال في اجترارها الأبدي للغيبوبة العثمانية.

إبان ولايته الأولى، أطلق الرئيس ترامب ما دُعي ب"صفقة القرن"، أي إقامة نوع من الفيدرالية الأيديولوجية بين العرب واليهود، بقيادة الحاخامات، ودائماً لخدمة أميركا. هكذا نشأ "ميثاق إبراهيم"، أو "اتفاقات إبراهيم"، ولكن متى رأينا إسحاق وإسماعيل في خندق واحد، أو في قبر واحد. لنلاحظ أين أصبح ورثة إسحاق وأين أصبح ورثة إسماعيل. روبرت كاغان رأى أن العرب يشترون أحدث الطائرات، وأحدث الدبابات، كما لو أنهم يشترون الدمى لأطفالهم.

ترامب كان يعتقد أن بامكانه تسويق صفقة القرن بالورود لا بالدماء، قبل أن تسقط عند البوابة اللبنانية، وبوجود "حزب الله" الذي كان يظن أنه تمكن من إرساء معادلة الردع، بينما كان الإسرائيليون يعملون ليل نهار من أجل تطوير إمكاناتهم التكنولوجية في المجالين العسكري والاستخباراتي.

عملية "طوفان الأقصى" التي يعتبر مفكرون فلسطينيون أنها نفذت في الوقت الخطأ لأن نتنياهو كان يراهن على مثل تلك الفرصة الذهبية للخروج من عنق الزجاجة، وتغيير الستاتيكو الذي كرسه الأميركيون بانتظار ما سيكون، كما لإطلاق شعار تغيير الشرق الأوسط، الأمر الذي عجز الأنبياء عن القيام به، ليتركوا وراءهم تلك الفوضى الأبوكاليبتية.

أجل، ما قام به نتنياهو، بدعم أميركي لوجستي وعملياتي، عملية جراحية مركبة، وتستدعي سلسلة من العمليات الجراحية الحساسة، بعدما بدأت بذلك التغيير الدراماتيكي في سوريا. لكن المشكلة في أن العقدة التوراتية التي تتحكم باللاوعي اليهودي، بأبعادها الماورائية، تبدو وكأنها هي من تقود نتنياهو الذي ذهب به الجنون، الجنون الأيديولوجي، إلى حد القول إنه في مهمة روحية، وهي إقامة "إسرائيل الكبرى"، أي الانفصال الكلي، والخطير عن الواقع، وعن الوقائع. هكذا المضي في صناعة الجثث، وفي تكديس الجثث، فهل يكفي كلام ترامب؟ هذا إذا كان الإسرائيليون يفكرون بما يمكن أن يتأتى إذا ما حدث تغيّر بنيوي في الرأي العام الأميركي.

بالرغم من ذلك، ما زال اللوبي اليهودي ينشط في كل الاتجاهات لتبني سياسات الائتلاف الحالي في إسرائيل، باعتبار أنها الفرصة التاريخية لإحداث تغيير في مسار الشرق الأوسط، وحتى في خريطة الشرق الأوسط. لا خطوة واحدة إلى الوراء، بل دعم أميركي مطلق لإسرائيل التي أثبتت الحرب الأخيرة مدى تفوقها التكنولوجي الساحق، فيما النظر إلى حزب لبناني كتهديدٍ لأمن المنطقة، وربما تهديداً لأمن العالم.

عشية جلسة مجلس الوزراء أمس، كتبت "النيويورك تايمز" إن "قادة لبنان أمام نفاد الوقت لنزع سلاح "حزب الله"، قبل أن يجازفوا بخسارة الدعم المالي الأميركي، والخليجي، بل ومواجهة حملة عسكرية إسرائيلية متجددة"، ليصف مسؤولون أميركيون جلسة الأمس بـ "اللحظة المفصلية"، وهم يوضحون أن "الولايات المتحدة، ودول الخليج العربي تضغط على الحكومة اللبنانية لاتخاذ موقف حاسم، دون أن تثنيها تهديدات الحزب".

ما يمكن استنتاجه من أجواء "حزب الله" العقلانية في التعاطي مع المسألة. لا صدام مع الجيش اللبناني، ولا مع أي فئة لبنانية أخرى، ولكن ألا يفترض بأن يحصل لبنان على ضمانات قاطعة بوقف الانتهاكات الإسرائيلية اليومية، وبالانسحاب من التلال الخمس المحتلة؟ هذا أقل ما يمكن طلبه عندما يكون لبنان في مواجهة مع السياسات، ومع المواقف، الهيستيرية لبنيامين نتنياهو...

اختزال للمشهد. الأميركيون وضعوا القنبلة على طاولة مجلس الوزراء. ماذا إذا انفجرت؟؟