الإعلام بين التضليل والتغييب: معركة السيطرة على الرأي العام

2025-08-10 20:40

 

ينبغي التسليم والافرار  اولا بأن الشعب الجنوبي يمر بمرحلة من أخطر مراحل تكوينه الثقافي والسياسي والاجتماعي والفكري حيث يتعرض الناس فيه لصراعات فردية وجماعية ونزاعات مناطقية وجهوية وهمية ومفتعلة ترتدي جلباب الوطنية وتتقمص عباءة الثورية خدمة لإجندات ومصالح غير وطنية في محاولات منها للالتفاف على الشعب ومصادرة ارادته في الاستقلال والسيادة واستعادة الدولة التي لطالما ناضل وضحى بالغالي والنفيس من اجل استعادتها بينما يقوم الإعلام ومعه وسائل التواصل الاجتماعي ــ وعبر جيش كبير من المرتزقة والمنتفعين الذين تم تجنيدهم في وسائل التواصل الاجتماعي لهذه الغاية ــ بصناعة وعي جمعي خاوي متضارب وخالي من الحقائق ومليء باكاذيب الزيف والتضليل والتطبيل والتلفيق والدجل والافتراء والتمويه..

حيث ان اعتقاد المتلقي الدائم بوجود ما هو خفي وراء الأحداث يسهل على ابواق الضلالة ودفوف التطبيل من الإعلاميين وغيرهم من المنتفعين والمرتزقة والمأجورين أن يبثوا الأكاذيب وينشروا أقاصيص خيالية متضاربة ويناقض بعضها الاخر بقصد  العبث بالعقل الجمعي للشعب حتى يتخبط الجمهور في دوامة لا قرار لها من التلفيقات  الإعلامية المتضادة فيتوه عن الحقيقة ويصبح جاهزا للانقياد والتوجيه والتبعية

إن قنوات ووسائل الإعلام لا تنحصر في أسلوب او نمط معين إنها سياسة فضفاضة تعمل على غسل الادمغة وتضليلها ونشر المغالطات والتهويلات والتلاعب بالنصوص والمنشورات والأخبار وبتر الحقائق وتهويل الأخطاء والتشويه والتحقير والفبركة وصناعة الخصوم وشيطنتهم وتعظيم شأن العملاء والاغبياء حتى يصبحوا قادة مهابين امام الجماهير

تشكيل العقل الجمعي المزيف والتحكم به كظاهرة عن بعد لا تستهدف صناعة الرأي العام فحسب بل وتجميده ايضا عند حد معين يختاره المخرج وادواته ويرفض المتلقي عند هذا الحد قبول أي فرضية أخرى غير تلك التي لقنت له عبر وسائل الإعلام ليصبح الرأي العام السائد لديه هو ما (يريده الإعلام ومن يقف خلفه لا ما يريده الشعب!) ..

والإعلام على الأغلب يتخذ لصناعة الأكاذيب ثلاث طرق معروفة لدى صانعي الخبر وهي التغييب أو التضليل أو التلفيق فمن خلال التغييب يمكن دفن قضايا مهمة وطمسها من خارطة اهتمام المتلقي ببساطة من خلال تهمشيها وعدم ذكرها.. أما استراتيجية التضليل  فتقوم على طرح الخبر لكن بتفاسير ورؤى كثيرة ومتضاربة غير حقيقية وبقصص وروايات متفاوتة ومختلفة وغالبًا ما تُستخدم هذه الاستراتيجية في تشويه صورة الخصوم او صناعة الاعداء الافتراضيين في ذهنية الجمهور المستهدف وثالث هذه الاستراتيجيات وأكثرها خطورة هي استراتيجية التلفيق التي تطرح على الأغلب خبرا أو حدثًا غير صحيح أو تحور خبرا ما أو أي حادثة وقعت فتقلب فيها الحقائق وتدس في ثنايا طرحها الافتراءات والأكاذيب التي غالبا ما تخلق تصورا مختلفا تماما عن الحقيقة التي يتم اغتيالها وسحقها بدم بارد في الآلة الإعلامية.

وهناك أساليب كثيرة للتلفيق والتضليل كطمس الحقائق بالإخفاء بمعنى أن إخفاء الحقائق أو الأخبار هو اسرع الوسائل للتخلص من الأخبار المزعجة وهناك الهجوم على مصدر الحقيقة ومن المعروف اعلاميا انك ان لم تستطع أن تخفي خبراً  فيمكنك أن تهاجم من نقله وتتهمه لإضعاف مصداقية الخبر المنقول ثم هناك الكذب.. وتكرار الكذب  وكذلك استخدام أسلوب تسريب المعلومات من خلال الجماعات السرية والمطابخ الاعلامية  او عبر الاجهزة الامنية ووسائل التواصل الاجتماعي .

وبالتأكيد تمارس وسائل الإعلام التأثير النفسي عن طريق خلق أنماط مقبولة وهمية،والمتمثلة بسلاح الضغط الفكري النفسي على الجماهير باستعمال المعارف السيكولوجية لاكتشاف النفسية الاجتماعيّة من الظواهر والأحداث. والاعتماد على الخرافات والآراء الباطلة واستغلال الانفعالات البشرية عن طريق التوجه إلى العواطف والنفخ فيها..  ومع ذلك فإنه ينبغي التأكيد على عدم تضخيم قدرة الإعلام وتأثيره على الوعي الجماهيري وتصوير إمكاناته بأنها قدرة مطلقة او فاعلة لا يحدها حد ولا يصفها وصف ذلك لأن الوعي مرتبط دوما بالواقع والأكاذيب لا جذور لها
وفي الاونة الاخيرة اتضحت حقيقة الاعلام لدى الجماهير ولم تعد الجماهير تثق في الاعلام ووسائله
أيضا يعتمد التضليل الإعلامي على البرامج الحوارية التي تستضيف المفكر والمحلل والباحث والخبير والمتخصص والسياسي (اكثرها مجرد تسميات والقاب لا تعبر عن حقيقة من يدينون بدينهم ويقضون ساعات وساعات في عملية غسيل ادمغة بلا كلل ولا ملل.
وهكذا تظل الحرب الضروس بين الحق والباطل تتغير فيها الموازين تارة وتتبدل فيها مراكز القوى تارة أخرى لكن تبقى المثل والقيم حاجة ضرورية لمن يخوض بحار الإعلام ويتحمل أمانة هذه المهنة العظيمة.