محلل سياسي امريكي.. في عتق قابلنا رجال دفاع شبوة المهذبون

2025-07-29 08:02
محلل سياسي امريكي.. في عتق قابلنا رجال دفاع شبوة المهذبون
شبوه برس - خـاص - عتـــق

 

‏مجلة الأمن القومي. للتحليل العسكري والدفاعي

"هل يستطيع جنوب اليمن أن يقاتل بشكل مستقل؟"

 

*- شبوة برس - مايكل روبن

عتق، اليمن — تأخذك الرحلة بالسيارة من عدن إلى عتق، عاصمة محافظة شبوة اليمنية، عبر وادي عمران، الذي كان ذات يوم ساحة معركة رئيسية في الحرب ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

 

ما رأيته في جنوب اليمن

الطريق ما يزال يحمل آثار التفجيرات السابقة: حفر من سيارات مفخخة وعبوات ناسفة. أشار سائقنا ببساطة إلى مدارس ومجمعات محترقة ومخترقة بالرصاص، كانت هدفًا لهجمات القاعدة ضد قوات “النخبة الشبوانية”، والتي كانت تسفر عن مقتل العشرات في كل مرة. على كل نقطة تفتيش، تجد صور “الشهداء” الذين سقطوا أثناء الدفاع عنها.

 

ومع ذلك، فإن عتق اليوم تنعم بالسلام. وكذلك محافظة أبين المجاورة، الواقعة بين عدن وشبوة، والتي طالما نظر إليها اليمنيون بوصفها كمناطق "أبلاشيا” الأميركية—فقيرة، خطرة، وقبلية. 

 

في عتق، يدير نقاط التفتيش هناك أفراد من قوات دفاع شبوة المحلية. إنهم مهذبون، مسترخون في الظاهر، لكنهم في الحقيقة شديدو الفطنة. ضباطهم الكبار يراقبونهم من خلال كاميرات مراقبة مغلقة. أما جهاز استخبارات المجلس الانتقالي الجنوبي، فيزودهم بمعلومات عن تهريب الممنوعات وتحركات الإرهابيين؛ ففي إحدى الحالات الأخيرة، اكتشفوا حبوب “الكبتاغون” مخبأة داخل مخازن ذخيرة رشاشات كلاشينكوف.

 

في أبين، حيث الروابط القبلية متينة، ركز الجنود على الوافدين من خارج المحافظة، وتحققوا من وجود سبب منطقي لتواجدهم في المنطقة؛ وإذا بدا السائق متوترًا أو متهربًا، كان من السهل تفتيش السيارة. قد يكون ذلك مرهقًا من ناحية الأيدي العاملة، لكنه فعال.

 

أجواء متغيّرة

الصيف في عدن قاسٍ. درجات الحرارة تتجاوز 110 فهرنهايت، ورطوبة المدينة تجعل واشنطن العاصمة تبدو كأنها في صحراء فينيكس. تُغلق المتاجر أبوابها حتى الرابعة عصرًا تقريبًا، ثم تنبض المدينة بالحياة عند غروب الشمس مع نسمات البحر. تظل الشوارع مكتظة حتى ساعات الفجر الأولى، حيث يلعب الأطفال كرة القدم أو تنس الطاولة أو حتى البلياردو في الشوارع، ويجلس الكبار للثرثرة، بينما يتحدى المراهقون الشيوخ في لعبة الدومينو، ويحث الأئمة الناس—غالبًا دون نجاح—على التوجه إلى المساجد لأداء الصلاة.

 

مثل هذه الأجواء لا يمكن أن تزدهر دون شعور بالأمان. وعدن اليوم تنعم بالأمان، رغم عدم وجود أي جندي أجنبي في شوارع العاصمة الجنوبية.

 

منذ أن خفّضت الإمارات وجودها العسكري في عدن عام 2019، توقّع محللون غربيون وخبراء في البنتاغون أن ينهار المجلس الانتقالي الجنوبي، وألا يكون قادرًا على الصمود أمام هجمات الحوثيين المدعومين من إيران، أو خلايا الإرهاب المدعومة من الإخوان، أو الميليشيات القبلية المدعومة من السعودية وعُمان.

 

لكن بعد ست سنوات، لم ينجُ المجلس الانتقالي الجنوبي فحسب، بل عزز سيطرته الأمنية ووسّعها. وكما أخطأت الاستخبارات الأميركية في تقدير قدرة أوكرانيا على مقاومة الهجوم الروسي الأولي، فقد قللت كل من وكالة الاستخبارات الدفاعية ووكالة الاستخبارات المركزية من قدرة المجلس الانتقالي الجنوبي على القتال.

 

ورغم أن اليمنيين رحبوا بحملة القصف التي شنها الرئيس دونالد ترامب ضد الحوثيين واستمرت 51 يومًا، فقد رأى كثير من الجنوبيين أنها فرصة ضائعة، لأن الولايات المتحدة لم تنسق فعليًا مع القوات الجنوبية مثل “الحزام الأمني”، التي تقوم بمعظم القتال البري.

 

لكن رغم غياب الغطاء الجوي، تمكنت القوات الجنوبية من صدّ هجمات الحوثيين على بعض أكثر الجبهات اليمنية اضطرابًا واستراتيجية، على مدى سنوات. 

 

تسلقتُ قمة جبل مع القائد العام في منطقة الضالع، على طول الحدود التقليدية بين شمال وجنوب اليمن، لمعاينة الخطوط الأمامية في الوادي أسفل الجبل، حيث تسيطر قوات جنوبية على المواقع رغم سنوات من الاشتباكات اليومية، مستخدمة المعرفة المحلية، وحرب الخنادق، والتعبئة المجتمعية لصد وحدات حوثية مدججة بالسلاح. 

 

في مناطق لحج ويافع، تمكنت قوات تابعة للمجلس الانتقالي من صدّ محاولات توغل متكررة في الجبال التي استخدمها الحوثيون سابقًا كممرات هجومية من الشمال.

 

مع توفر غطاء جوي بسيط فقط، تستطيع القوات الجنوبية دفع الحوثيين إلى الوراء. فالمشكلة اليوم ليست عسكرية بقدر ما هي دبلوماسية وسياسية.

 

دبلوماسيًا، لا تنسق واشنطن بشكل فعّال، كما أن داعمي الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لا يعترفون بعدم جدية السعودية وعُمان في القضاء على الحوثيين. 

 

أما سياسيًا، فالمجلس الرئاسي غير قادر على إدارة أي منطقة محررة، حيث يفضّل بعض أعضائه تقويض نجاح الجنوب على هزيمة الحوثيين، بينما يعمل حزب الإصلاح (إخوان اليمن) كـ”حصان طروادة” لمصلحة الحوثيين. يمكن للقوات الجنوبية أن تقاتل وتنتصر—خاصة إذا حصلت على دعم جوي—لكن لا بد من وجود قوة شمالية حقيقية مناهضة للحوثيين لملء الفراغ.

 

قاوم الجنوبيون لسنوات دون أنظمة دفاع جوي حديثة، أو دعم مدرع، أو تمويل أجنبي واسع النطاق. في المقابل، يحظى الحوثيون بدعم دولي واسع، حيث يتلقون السلاح والطائرات المسيرة والتدريب من إيران، والمعلومات الاستخباراتية واللوجستية والدعم الدبلوماسي من عُمان، بل ومن مستشارين شيعة عراقيين بشكل متزايد. وتدعمهم روسيا والصين في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن.

 

الحقائق على الأرض

في عدن، تحدثتُ مع قادة عسكريين محليين. كانوا محترفين مخضرمين، خاضوا القتال لعقود—من أيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ثم في اليمن الموحد، وأخيرًا ضد الحوثيين. ضحّى الكثير منهم بأفراد من عائلاتهم، الذين اغتيلوا انتقامًا من قبل الإصلاح والحوثيين والقاعدة. أحدهم فقد ذراعه في الخطوط الأمامية.

 

احتياجاتهم لا تتعدى ما تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا في يوم واحد فقط. هم يطلبون:

•طائرات استطلاع وقتال بدون طيار بمدى تكتيكي وعملياتي

•أنظمة تشويش ضد الطائرات المعادية والمسيرات

•أسلحة خفيفة ومتوسطة، وبنادق قنص

•زوارق دورية صغيرة لحماية السواحل من تهريب السلاح الإيراني والعُماني

•مركبات نقل

•معدات هندسية لإزالة الألغام والمقذوفات غير المنفجرة

•مناظير عادية وليلية

•نظام اتصالات يتجاوز سيطرة الحوثيين على شبكة الهاتف اليمنية

 

توفير غطاء جوي أميركي منسق سيكون كفيلًا بتغيير قواعد اللعبة.

 

فالقصف الجوي وحده لا يهزم الحوثيين؛ لا بد من حملة برية منسقة. والخبر الجيد أن ذلك لا يتطلب مشاركة أميركية أو أجنبية مباشرة. أما القول بأن الجنوبيين لا يمكنهم القتال بفعالية، فهو يعكس كسلًا استراتيجيًا لدى واشنطن ان لم يكن انهزاميا، أكثر مما يعكس واقعًا ميدانيًا. عام 2025 ليس عام 2015. وعلى إدارة ترامب أن تختار بوضوح:

إما هزيمة الحوثيين، أو الاستمرار في استراتيجيات فاشلة تمنحهم القوة وتزيد من خطرهم.